مرة أخرى تقف جريدة العلم الغراء أمام المحكمة في شخص مديرها الأخ الأستاذ عبد الله البقالي، بعدما مثلت في قفص الاتهام مرات عديدة في العهود السابقة، لمواقفها الوطنية الصادقة، ودفاعها المستميت عن قضايا الوطن والمواطنين، ومعاركها النضالية ضد الاستبداد والقمع، وكفاحها الدائم من أجل أن يعيش المغاربة "أحرارا في وطن حر"، جريدة العلم التي ظلت على الدوام مدرسة للعلم والمعرفة والخبر اليقين، نموذجا للصحافة الوطنية الملتزمة والمسؤولة، منبرا للتعبير عن انشغالات واهتمامات وهموم وقضايا المواطنين وتطلعاتهم وانتظاراتهم عبر صفحات "مراسلات الأقاليم"، مما جعلها بامتياز ليس فقط لسان حزب الاستقلال، ولكن جريدة جميع المغاربة عندما كانت تقرأ في المساجد ليتعرف المغاربة في عهد الاستعمار على " الرسائل" الموجهة للشعب المغربي من طرف الحركة الوطنية، مما جعل المستعمر ينتبه لهذا الدور "الخطير" الذي تقوم به الجريدة فيوقفها عن الصدور تارة ويحذف مقالات تارة أخرى، لتستمر معاناتها مع الرقابة حتى في عهد الاستقلال من طرف خصوم الحرية وأعداء الديمقراطية رغم خطها الوطني الواضح والملتزم وضدا على مضامين قانون الحريات العامة لسنة 1958 وتوجهاته واختياراته الذي أصدرته حكومة بلافريج. إن مثول جريدة "العلم" الغراء أمام المحكمة الابتدائية بالرباط في هذه المرحلة الراهنة بالذات دفع الرأي العام الوطني عموما والمتتبعين للشأن العام ليطرحوا أكثر من تساؤل: لماذا تحريك متابعة قضائية ضد جريدة أحبها المغاربة منذ تأسيسها في 1946 ، وجدوا فيها ذاتهم بعد ما ظلت منبرا حقيقيا للتعبير عن آلامهم وآمالهم، عرفوا فيها الصدق والإخلاص في التعامل مع العمل الصحفي الهادف والملتزم؟ إذا كان من حق الحكومة العمل على صيانة "القانون" باعتباره اسمي تعبير عن إرادة الأمة يتساوى أمامه الجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، وهم ملزمون بالامتثال له كما ينص على ذلك الفصل 6 من الدستور، فان الحكومة مطالبة أيضا بحماية الاختيار الديمقراطي باعتباره أحدى ثوابت الأمة التي تستند عليها في حياتها العامة، إلى جانب الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية طبقا لأحكام الفصل الأول من الوثيقة الدستورية، بما في ذلك أساسا تمكين الأمة من اختيار ممثليها في المؤسسات المنتخبة على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي والمهني بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، بما يضمن للانتخابات طابع الحرية والنزاهة والشفافية حتى تكون بالفعل أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي وفقا لأحكام الفصلين 2 و11 من الدستور. لماذا السعي إلى "توقيف" جريدة العلم بحمولتها الفكرية والتاريخية والنضالية في عهد جعل من الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير مدخلا رئيسيا للبناء الديمقراطي ودعامة أساسية للإصلاح الدستوري الذي توافق عليه المغاربة في 2011؟ الم يكن من الأجدى بالحكومة أن تنقل " المعركة" إلى ميدانها الحقيقي المتمثل في الشأن الانتخابي الذي أثاره الرأي العام بحدة وتدخلت بشأنه جهات سياسية بقوة للوقوف على حقيقة الوضع والضرب بيد من حديد على كل تصرف نشاز يسيء إلى المسار الديمقراطي بالبلاد بعدما عرفت الاستحقاقات الانتخابية في بلادنا نقلة نوعية في ظل العهد الجديد، خاصة منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2007، في أفق القطع مع الممارسات المشينة التي من شأنها المس بالتمثيل الديمقراطي؟ هل بلادنا في حاجة إلى إثارة قضية لا يمكن فهم مدلولها إلا إضعاف السلطة الرابعة وتقزيم دورها بما يحمله هذا التوجه من انعكاسات سلبية ، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات كبرى من قبيل الامتحان الديمقراطي الثاني المزمع إجراؤه في 7 أكتوبر المقبل، مستجدات وتطورات قضية الوحدة الترابية بعدما قررت الحكومة توقيف الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي على خلفية قرار المحكمة الأوروبية بإلغاء التبادل الحر للمنتجات الزراعية والصيد البحري مع المغرب، تزايد تدفق المهاجرين السريين، ضمان الاستقرار وترسيخ دعائمه ومحاربة كل أشكال ومظاهر التطرف والإرهاب وغيرها من التحديات التي يبقى على الحكومة ربح رهانها في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله الذي جعل من المملكة المغربية نموذجا ديمقراطيا وتنمويا متميزا يحتذى به في العالم.