دخلت مدينة جرادة و الإقليم بشكل عام في سنتها الخامسة عشر بعدما أصبحت ( أرملة ) من الناحية الاقتصادية إثر إغلاق مناجم الفحم بشكل نهائي سنة 2001 بقرار اتفق عليه بين النقابات و الحكومة بتاريخ 1998/02/17، الشيء الذي جعل رأسها ينحني في هذا الشأن مع سبق الإصرار و الترصد بعدما ظلت لعشرات السنين رائدة في ميدان الطاقة بل لعب فحمها المستخرج من منجمها دورا رياديا في إنتاج الطاقة الكهربائية و خاصة عندما تأخرت السدود في أداء مهمتها المعتادة بسبب الظروف الطبيعية المتعلقة بالجفاف الذي ضرب المغرب خلال فترة معينة من الزمن بشكل متواصل بل كان المنجم يعتبر في وقتها العجلة التي يدور حولها اقتصاد المدينة و كذا الإقليم و الجهة معا ناهيك عن استفادة العديد من الأسر بمدن كثيرة من المملكة من إكراميات أبنائهم و ذويهم التي وصفت بالمهمة و الدائمة حينما كانوا يعملون بتلك المناجم... انحنى رأس المدينة و الإقليم معا اقتصاديا و اجتماعيا بعد هذا الإغلاق في الوقت الذي كانت ألسن تردد خلال الدخول في تنفيذ قرار " الإبادة " الجماعية لسكان المنطقة من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية وجود ملف اقتصادي موازي للملف الذي اصطلح آنذاك بالاجتماعي الذي من شأنه ( الملف الاقتصادي ) أن يعيد هيكلة اقتصاد المدينة و الإقليم عبر مشاريع و استثمارات خاصة بعد الإغلاق النهائي لمناجم الفحم حيث تم توزيع آنذاك أحلاما وردية لم تعمر طويلا حتى انفضح أمر مروجيها كانت في عدة مرات لأغراض سياسوية حيث ظلت حناجر تنادي بإخراج هذا الملف المفترض الذي كان يرجى منه إعادة الاعتبار لاقتصاد المدينة و الإقليم لكن الأيام بددت أحلام الساكنة و حولتها إلى انتظارات الذي يأتي أو لا يأتي من قبيل التنمية إلى اليوم بل خلقت منها آلة للهجرة من المدينة و خاصة خلال الشهور الأولى بعد الإغلاق النهائي لدرجة أن كلمة " للبيع " آنذاك أصبحت مكتوبة على جدران أغلب المنازل و الدكاكين التي أغلقت اضطراريا لانعدام الرواج التجاري و كساد التجارة بشتى أنواعها.... و إذا كانت المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية التي خلفها إغلاق مناجم جرادة أصبحت معروفة عند الجميع بمآسيها و خاصة تلك التي كانت من بين أسبابها وفاة ما يفوق عشرين عاملا في آبار الفحم العشوائية ( الساندريات )، المصابون بالمرض المهني " السليكوز " ، الأرامل و ذوي الحقوق من الأبناء.... مواضيع تناولتها لأكثر من مرة وسائل الإعلام الإلكترونية، الجهوية، الوطنية، و حتى الدولية حيث كانت جريدة " العلم " قد اجتهدت في إنجاز تحقيق صدر بتاريخ 3/04/2011 تحت عنوان " ملف آبار الفحم ( الساندريات ) بين ما هو اجتماعي و قانوني... " تناقلته العديد من المواقع الإلكترونية، تعود مرة أخرى لتقريب الرأي العام و منهم المسؤولين كل من موقعه بآراء بعض المهنيين في المجالات الحيوية بالمدينة و الإقليم و كذا بعض المهتمين بالشأن التنموي اجتماعيا و اقتصاديا بشكل فعلي تشاركي و أكاديمي من خلال استقراءات للرأي مع هؤلاء الفاعلين حول السبل الناجعة لتنمية المدينة و الإقليم بالشكل الذي يمكن أن يعوض نسبيا تلك الآثار السلبية التي خلفها إغلاق مناجم الفحم مع العلم أن صاحب الجلالة نصره الله أعطى عناية كبرى للإقليم من خلال زياراته المتكررة حيث أعطى خلالها انطلاقة مشاريع تنموية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالعدد من جماعات هذا الإقليم لكن تبقى الوتيرة التي تمشي بها التنمية بالإقليم غير مجدية بعد مرور قرابة عقدين من الزمن عن تنفيذ الحكم الاضطراري ل ( الترمل ) اقتصاديا و اجتماعيا أمام المبادرات المحتشمة للمؤسسات العمومية و المنتخبة في بعض المجالات التي لم يكن لها الأثر القوي على ما خلفه إغلاق المنجم. لكن قبل الغوص في عرض تصريحات مهنيين و مهتمين بتنمية إقليمجرادة، نعرض فيما يلي مونوغرافيا موجزة عن المؤهلات الطبيعية التي يتوفر عليها إقليمجرادة لوضع صورته الحقيقية أمام أعين كل من يهمه أمر هذا الموضوع من أجل تنمية هذا الإقليم الحدودي الذي كان يعتبر من معاقل الموارد المنجمية إذا أخذنا بعين الاعتبار منجم تويسيت و زليجة سيدي بوبكر الذين تم إغلاقهما في وقت سابق، شركة واد الحيمر للرصاص التي كان مستثمرون هنديون قد أعلنوا في وقت سابق نية إعادة الحياة لها لكن حلم ذلك لم يتحقق على أرض الواقع الأمر الذي قيست عليه قضية إحداث معمل لصناعة الورق من مادة الحلفاء من طرف مستثمرين كنديين في بداية الألفية الثانية.... أحدثت عمالة إقليمجرادة سنة 1994 طبقا للظهير الشريف رقم 2/94/64 بتاريخ 24/1/1994 حيث عرف عدد سكان إقليمجرادة انخفاضا قدر ب 10% حيث انتقل من 117696 سنة 1994 إلى 105840 سنة 2004 يمارس أغلبهم النشاط الفلاحي حسب الإحصاءات الرسمية في مساحة صالحة للزراعة تقدر ب 114 ألف هكتار إضافة إلى 4100 هكتار مسقية فيما تبقى 456700 هكتار غير صالحة للزراعة فيما لعب عبر عشرات السنين القطاع المنجمي دورا رائدا في تنمية المنطقة حيث كانت الركيزة الأساسية في هذا الشأن ( الفحم، الرصاص، الفضة...) و بعد الإغلاق النهائي لمنجم الفحم أنشئت 7 شركات بجرادة تهتم بالتنقيب عن الفحم و تسويقه إضافة إلى المجال التجاري الذي له مكانته في النسيج الاقتصادي فيما يقدر عدد المهاجرين في الخارج ب 9000 مهاجر حيث تراجعت تحويلاتهم المالية مع حلول الأزمة الاقتصادية التي ضربت أغلب الدول في العالم و خاصة الأوربية و حتى المتقدمة منها.... أما مناخ إقليمجرادة فيعرف بتساقطات مطرية متواضعة و تنبت بالمناطق الشمالية من الإقليم أشجار طبيعية ( البلوط الأخضر، الطاكا، العرعار، اليزير...) فيما تشكل فرشات الماء إحدى المؤهلات التي يزخر بها الإقليم حيث يتوفر بكل من عين بني مطهر، رأس العين، كافايت على منابع يصل سيلانها إلى 3م مكعب في الثانية. و يتوفر إقليمجرادة على غطاء نباتي متنوع حيث تغطي الحلفاء 34800 هكتار و تويا 25500 هكتارا، 355200 هكتار من الغابة فيما يبقى حضور القطاعات الأخرى باهتا و أحيانا غائبا بالمرة في تنمية الإقليم رغم توفره على مؤهلات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مهملة مثل المواقع السياحية ( كافايت، تيسوريين، المحميات الغابوية...) فيما يبلغ عدد رؤوس الماشية بالإقليم 45015 رأسا - حسب إحصائيات سنة 2012 - الشيء الذي يساهم في إنتاج 3 ملايين لتر من الحليب يستهلك منها 1311174 لتر و ترويج 833600 كلج من اللحوم الحمراء خلال نفس السنة. أما إنتاج الطاقة بالإقليم فيتوزع ما بين المركب الحراري بجرادة ( 978930 ألف كيلواط/ساعة ) المحدث في بداية السبعينيات و المحطة الحرارية للطاقة الشمسية بعين بني مطهر التي تساهم ب 12% من كهرباء المغرب فيما تجري حاليا بناء الوحدة الرابعة بجرادة و التي من المنتظر أن تنتج 350 ميكاواط من الطاقة الكهربائية. و علاقة بموضوع التنمية و تحديدا الفلاحة و تربية المواشي اللتان يمكن اعتبارهما من بين القطاعات البديلة للقطاع المنجمي انطلاقا من الأرقام المعبرة في هذا الشأن، قال لحبيب الراشدي منتخب جماعي و فلاحي من جماعة لعوينات إضافة إلى ترأسه جمعية تهتم بالشؤون الفلاحية و تربية المواشي أن مكونات المجتمع المدني كل من موقعه وبشراكة حقيقية مع مؤسسات الدولة يمكن أن تخلق اوراشا تنموية موسعة تمكن من انتشال اقتصاد المنطقة من الركود الملحوظ انطلاقا من مؤهلاتها الطبيعية والبشرية و العمل على وضع مخطط ذو شقين : شق استعجالي واخر استراتيجي مذكرا ببعض النقط التي يجب ان يشملها هذا المخطط و المتمثلة في إعادة النظر في مخطط المغرب الاخضر وملاءمته مع الامكانيات المادية للملاكين وذلك بتمكينهم من الدفع المسبق لإنجاز المشروع أو التكفل بإنجازه من طرف الادارة الوصية نظرا لعجزهم عن تمويله مع خلق مساطر قانونية لضبط العملية تراعى فيها خصوصيات الاقليم، إحداث مختبر خاص بالتحليل الجيولوجي للتربة لملاءمتها مع البذور والمغروسات، تمكين الفلاحين من الحصول على الخرائط الخاصة بالمياه الجوفية، خفض وإلغاء الضريبة على شراء العقار لتحفيز وجلب المستثمرين، إصلاح العيون المائية والآبار ومستلزمات الري من صهاريج وسواقي لإعانة الفلاح البسيط للمحافظة على انشطته الفلاحية، التحديد النهائي للملك الغابوي وفض النزاعات القائمة بين الفلاحين وادارة المياه والغابات، تبسيط المساطر ذات العلاقة بالاستثمار الفلاحي داخل هذا الملك، الرفع من مساهمة الدولة في انجاز المشاريع المرتبطة بتربية المواشي وتحسين النسل، ليختم تصريحه بضرورة مراعاة عقلية الفلاحين والنظرة النمطية للقطاع الفلاحي بهذا الربوع من الوطن و لإنجاح هذا المخطط حرص على ضرورة القيام بحملة تحسيسية وتوعوية واسعة للانخراط في هذه العملية مع احداث مراكز لتكوين الشباب وابراز مواهبه في القطاع الفلاحي لإدماجه في سوق الشغل... أما عن الإجراءات التي اعتبرها مقاول من مدينة جرادة فضل عدم ذكر اسمه كمدخل لإرساء تنمية حقيقية بالإقليم فركز على ضرورة عقد لقاءات متوالية مع كل الفاعلين الاقتصاديين بالإقليم لإقناعهم بالمشاركة الفعالة في أي عملية تنموية مبررا ذلك بكون التنمية تبدأ برجالات كل جهة مع إعداد دراسات كافية للمشاريع الممكن إحداثها شريطة أن تكون هذه الدراسات موضوعية و قابلة للتطبيق و قادرة على المنافسة انطلاقا من الإمكانيات الطبيعية بالإقليم منها النباتية، المعدنية و الحيوانية داعيا إلى تطوير المشاريع الصغرى المدرة للدخل في المجالين الحضري و القروي و ذلك بإقناع الشباب بأهميتها و مدى مساهمتها في خلق فرص شغل لتحسين مستوى العيش ليربط في شطره الأول من تصريحه أي مخطط تنموي بإدارة عمومية و أخرى منتخبة قادرة على توفير الدعم واء المادي أو المعنوي و مواكبة جميع المشاريع و العمل على إنجاحها فيما اقترح في شطره الثاني و خاصة في القطاع المنجمي تنظيم عمال آبار الفحم ( الساندريات ) التي تشتغل بشكل عشوائي في تعاونيات منجمية للفحم بجرادة، للرصاص و الزنك بتويسيت ينخرط فيها الجميع عوض استغلال حصري يقتصر على ثلة من الأشخاص... و إذا كانت هذه ارتسامات حاولت " العلم " نقلها مما يدور و يخالج صدر مهنيين في بعض القطاعات الحيوية و مهتمين بالتنمية من المجتمع المدني فلا بد من أخذ رأي أكاديميين حيث صرح بنيونس مرزوكي أستاذ جامعي باحث بجامعة محمد الأول بوجدة أن إقليمجرادة محتاج في البداية إلى تأهيل مختلف الفاعلين في مجال التنمية، فلا يمكن في ظل أوضاع الجماعات الترابية المنتخبة أن نستمر في إلقاء اللوم على "الدولة" لوحدها وكأنه لا وجود للجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني و من المهم جداً أن يتم تهييء مخططات تنموية جماعية وفق ما أقره الميثاق الجماعي بمقاربة تشاركية، غير إقصائية، بعيدة عن العمل المكتبي والحديث عن الخبراء ومكاتب الدراسات مركزا على دور الدولة إعلاميا في تلميع صورة إقليمجرادة و محو الصورة السلبية على المدن المنجمية بالخصوص به و المتمثلة في الساندريات و عملها العشوائي، مرض السليكوز الذي يظن أنه مرض معد لذى سكان مناطق أخرى و كذا تسويق مؤهلاته الطبيعية التي يزخر بها لتشجيع المستثمرين على القدوم من أجل الاستثمارات متسائلا عن الخط السككي الذي يؤمن نقل الفحم من مدينة الناظور إلى جرادة و الذي من المفروض أن يستغل في ربطها بمحيطها المجاور و كذا البعيد لتوفير وسائل نقل البضائع كبديل للشاحنات التي يزيد الثمن في خدماتها مشيرا إلى الدور المحفز للسلطات الإدارية بالإقليم التي من الواجب أن تلعبه و لا ينبغي أن تركز على المسائل الأمنية فقط بل الاعتماد على سياسة القرب من خلال الاستماع إلى نبض المجتمع و تهييء مخطط إقليمي و محلي لإعداد التراب بتصور واضع لمستقبل الإقليم اقتصاديا و اجتماعيا... و ما يجب أن يتم أخذه بعين الاعتبار إضافة إلى هذه التصريحات أو تصريحات أخرى هو فك الحصار على المشاريع التي دخلت في إطار سياسة المدينة و المتعلقة خاصة بمدينة جرادة و كذا التهيئة الحضرية و التي برمجت من قبل المجلس البلدي السابق و تم توقيفها بعد رفض الحساب الإداري للبلدية لمدة ثلاث سنوات منذ 2012 مما زاد في تعطيل كل ما يصب في تنمية المدينة في بنياتها التحتية و إعادة هيكلة المرافق التي هي في حاجة إلى ذلك كالسوق الأسبوعي الذي صرفت عليه أموال باهظة و لازالت أسواره التي شبهها بعض الظرفاء بأسوار السجن تشهد على سوء تدبير الميزانيات العامة بل تروج أخبار عن الاستغناء عنه و بناء سوق آخر !!!!!.... و الحي الصناعي الذي دشنه صاحب الجلالة نصره الله و لم يتقدم من مكانه للوصول إلى الهدف المنشود من وراء إحداثه ناهيك عن مقاطعة حاسي بلال التي لازالت تئن تحت رحمة الإقصاء من المشاريع المهيكلة..... تلكم كانت تصورات تختلف حسب الرؤى لكنها تصب في خندق سبل تنمية إقليمجرادة .... فهل من تجاوب و تفاعل مع هذه التصورات ؟؟؟؟؟