عبد المجيد بن الطاهر:لم يبق في جرادة التي شكلت منذ بداية استغلال الفحم الحجري بها سنة 1927 قطب جذب للعديد من الأسر المغربية القادمة من مدن شرق المغرب وغربه مثل مدن بني ملال، مراكش، أكادير، إيمنتانوت، شيشاوة وأزيلال، إلا مرض «السيليكوز» الجاثم على صدور أهالي جرادة، وخصوصا الفئات التي اشتغلت بمناجم الفحم الحجري، أو التي مازالت تشتغل بآبار الفحم الحجري المعروف محليا ب «السوندريات» والمنتشرة بالحزام الغابوي لعاصمة إقليمجرادة، وهي آبار يستغلها مجموعة من أباطرة رؤوس الأموال بالمنطقة الذين تحصلوا على رخص لاستخراج الفحم الحجري من الآبار من قبل وزارة الطاقة والمعادن، وقاموا بتشغيل الشباب الباحث عن مورد رزق في «آبار الموت» في ظروف تنعدم فيها أبسط شروط السلامة الصحية والتغطية الاجتماعية والتأمين والضمان الاجتماعي، كما ينص على ذلك دفتر التحملات الخاص باستغلال هذه الآبار. إغلاق منجم أم إغلاق مدينة؟ عوض أن تتم المصالحة مع تاريخ هذه المدينة المنجمية، والاعتراف لها بما قدمته للمغرب المستقل من خيرات ونعم عادت بالنفع العميم على مناطق ومدن غرب المغرب، وساهمت بقسط وافر في النمو الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، بتنميتها، يتم التنكر لها وإدارة الظهر لها، إذ منذ الإغلاق النهائي لمنجم الفحم لشركة مفاحم المغرب سنة 2001 بموجب اتفاقية اجتماعية موقعة بين النقابات الممثلة للعمال (الإتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والإتحاد المغربي للشغل) والحكومة بتاريخ 17/2/1998، حسب الفاعل الجمعوي محمد التاج، أصيبت جرادة بالضربة القاضية التي حكمت عليها بالموت السريري، رغم أن وعودا كانت قد سطرت في سياق الإغلاق لإعادة هيكلة اقتصاد مدينة جرادة، واسترجاع هويتها الاقتصادية والاجتماعية التي اكتسبتها عبر عشرات السنين بعدما كان عمال المنجم يقامرون بأرواحهم لاستخراج الفحم من عمق وصل في بعض الآبار إلى 800 متر. إلا أن آمال الساكنة تبخرت تماما كما تبخر المخطط التنموي الذي كان يتضمن خلق صندوق تضامني جعل من بين أهدافه الأساسية تمويل مشاريع البنية التحتية من طرقات وإعادة هيكلة الأحياء العشوائية التي تشكل نسبة 85 في المائة وحل المشاكل المرتبطة بالعقار بمدينة جرادة التابع بنسبة 70 في المائة لإدارة الأملاك المخزنية من أجل ضمان فرص الاستثمار، إلى جانب أن صندوق التضامن تحمل دور الضامن لفرص الاستثمار بالنسبة للمستثمرين أمام المؤسسات البنكية. لكن ما أن تم التوقيع على الاتفاقية الاجتماعية حتى أدار الجميع الظهر للملف الاقتصادي لمدينة جرادة التي تعاني حالة إفراغ نتيجة هجرة العديد من الأسر، وخاصة المعوضين منهم في إطار الاتفاقية الاجتماعية يرحلون إلى مناطق مختلفة بالمغرب وتنقيل رصيد مهم من الأموال معهم، ناهيك عن نزيف الهجرة السرية عبر قوارب الموت بدليل أن عدد ساكنة الإقليم الذي كان يصل في سنة 1994 إلى نحو 117.696 نسمة، تقلص إلى 105.840 نسمة حسب إحصائيات 2004. أما من اتخذوا قرار البقاء بها فقد و جدوا ضالتهم في آبار الفحم «الساندريات» بكل مخاطرها وظروف عملها الشاقة، إذ هي المصدر الوحيد لقوت أغلبهم بعد نفاد مبلغ التعويضات المحصل عليها في ظل غياب فرص أخرى للشغل وانعدام استثمارات مهمة تفتح فرص الشغل وتساهم في تخفيض نسب الفقر بهذا الإقليم الذي يحتل مراتب الصدارة ضمن خريطة الفقر على صعيد الجهة الشرقية ب 29.28 في المائة. البيئة تركة ثقيلة بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها جرادة جراء تبعات إغلاق شركة مفاحم المغرب التي ساهمت في تفريخ البطالة والدعارة والتسول وانتشار البناء العشوائي والهجرة السرية، تعيش هذه المدينة المنجمية، حسب الفاعلين البيئيين بمدينة جرادة، وضعا بيئيا خطيرا، ذلك أنه بعد إغلاق المناجم أصبحت مخلفات المناجم المتجلية في ركام الأتربة السوداء والمعروفة محليا باسم «الرومبلي» التي تغطي ما يناهز 500 هكتار، مما أثر بشكل سلبي على صحة وسلامة المواطنين الذين مازال بعضهم يعاني من أمراض «السيليكوز»، هذا إلى جانب الانعكاسات السلبية للمحطة الحرارية التي أنشئت في إطار المخطط الخماسي 74 بين المغرب والاتحاد السوفياتي سابقا، وهي المحطة التي تستعمل أساساً الفحم الحجري، والذي يوجد على مقربة من السكان، مما ساهم في تلويث المنطقة أولا بالدخان المنبعث الذي يحتوي على غازات سامة تسبب اضطرابات تنفسية وعصبية، وهناك ثانيا المياه المستعملة في تبريد التوربينات ونقل الرماد، والتي ينتج عنها برك سوداء معفنة تنتشر هناك وتزيد الوضع البيئي تأزما، إلى جانب أنها تساهم بشكل كبير في تدهور الغطاء النباتي بفعل استعمالها لمادة «بيتكوك». جرادة في خطاب 18 مارس 2003 أعطى الملك أوامره في خطابه التاريخي بمدينة وجدة يوم 18 مارس 2003 لإيلاء إقليمجرادة اهتماما خاصا. ومما جاء فيه: «...وفضلا عن ضرورة القيام بالاستثمار الأمثل للمؤهلات والمنتوج الفلاحي المتميز للمنطقة، بتحديثه وتصنيعه، فإنه يتعين وضع برنامج لتنمية وحماية النجود والواحات، في كل من عين بني مطهر وبوعرفة وفكيك، ومدينة جرادة التي حرصنا على إدراجها واستفادتها من برنامج وكالة الأقاليم الشمالية، تجسيدا لعطفنا الملكي الفائق عليها...» أحداث خالدة 1948: يحل بمدينة جرادة الجنيرال الاستعماري الفرنسي جوان عندما تسلم الفرنسيون استغلال وإدارة المنجم من البلجكيين 1929: أطلقت الشركة التي كانت تستغل المنجم في ذلك الوقت على نفسها الشركة الشريفة لمفاحم جرادة 1932: تطبيقا لمرسوم السفير المقيم الجنرال الفرنسي ل 06 شتنبر 1932 أطلقت إدارة البريد اسم جرادة على مكتبها المحلي 1936: زيارة المغفور له محمد الخامس رفقة ولي عهده الحسن الثاني 1962: قام الملك الراحل الحسن الثاني بزيارة للمدينة 2001: يزورها جلالة الملك محمد السادس