عرف الإنتاج في المغرب سلسلة من التطورات فيما يخص تطوير القوانين و زيادة المبلغ المخصص لدعم الإنتاج ، التي ساهمت في الحفاظ على وتيرة الإنتاج وبقيت مستقرة لتتراوح بين 15 إلى 22 فيلم في السنة ،من بينها أفلام منتجة بمنحة التسبيق على المداخيل ، و أخرى بمبادرة من القطاع الخاص في طار تفعيل القانون الذي يرغم شركا ت تنفيذ الإنتاج على المساهمة في الإنتاج الوطني ، لكن يبقى التوزيع هو الحلقة المفقودة في سياسة تطوير القطاع السينمائي في المغرب ، مع تزامن انقراض يومي للقاعات السينمائية و غياب بديل قابل لتنفيذ في القريب لعدة عوامل من بينها توسع المدن و إلى انحباس الوعاء العقاري ، الشيء الذي يجعل إمكانيات وجود قاعات جديدة و سط المدن في المستقبل، شبه مستحيلة. تولد الأفلام المغربية ميتة أو بحياة قصيرة ، و بتوزيع محتشم لا يتجاوز بعض قاعات المدن الكبرى و بعض المهرجانات لتعود للرفوف عسى أن ينتبه إليها يوما أحد ما ليبرمجها في مهرجان ينضم بالموازاة مع المسابقة الرسمية لحظة استرجاع إحدى الوجوه الوطنية ، أو تستعاد في إطار الأسابيع المغربية الذي تنظمها إحدى السفارات المغربية في الخارج . توجد إذن الأفلام المغربية في غياب سوق للترويج لها ، أي هي في شبه غياب عن المتفرج ، و في غياب سياسة تبحث عن سوق لهدف استعادة استثمار الدولة في دعم الإنتاج السينمائي ، أو على الأقل استرجاع جزء منه أو لتحقيق الهدف اللامادي من وراء سياسة دعم الثقافة بشكل عام. في غياب توزيع حقيقي لا يستطيع المنتج أن يحقق أرباحا قد تشجع القطاع الخاص ، و أن يبادر بالإستثمار في قطاع السينما ، و يصبح القطاع ذاته محل ثقة الأبناك ، وغياب التنافسية هو الضامن الوحيد لتطور أي قطاع اقتصادي ، و لا يستطيع المخرج في هذا الوضع أن يستفيد من رجع الصدى الكافي ليقيم مسافة مع عمله و يقيمه بشكل موضوعي ، كما يفقد المنتج عمله و المخرج معناه بعد انحسار النقد وعدم القيام بوظيفته الأساسية ، كما تغيب منابر وازنة و مؤثرة في حياة الفيلم و درجة الإقبال عليه ، وتخلق الحدث ويقام لها ألف حساب عند نزول الفيلم إلى القاعات، بكل بساطة تغيب المنافسة و الممارسة النقدية في المغرب تبقى في النهاية مبادرات شخصية من أناس يتحكم فيهم حبهم للسينما و نوع من الغيرة على القطاع بشكل نوستالجي خلال سنوات الجامعة الوطنية للأندية السينمائية. توجد أو وجدت أهم السينمات العالمية أولا كصناعة و كحضور في السوق. يمكن أن نتحدث في هذا السياق عن التعبيرية الألمانية ، و الموجة الجديدة الفرنسية ، و سينما دول المعسكر الاشتراكي -أي الواقعية الاشتراكية -. تتعدد الأسباب و الهدف هو التوزيع و الانتشار وطنيا وعالميا ، و إلا كيف كان لرواد الأندية السينمائية في العالم أن يكتشفوا أفلام أوربا الشرقية و بعض الأسماء مثل : " إيزنشتاين " و " دزيكا فرتوف "و " أندري فايدا " و آخرون ... وجود سينما وطنية لا يحدده الإبداع بقدر ما يحدده كم الإنتاج و امتلاك وسائل الإنتاج والتسويق و الموقع داخل السوق. الإبداع لا يمكن تحديد بمقومات نجاحه مسبقا. الإبداع قيمة نسبية و الصناعة قيمة مادية تقاس بالأرقام. تصنف الأفلام الهندية ضمن السينما الهندية و هي كما يعرف الجميع سينما بسيطة نمطية و حكاياتها متوقعة ، لكنها توجد كسينما وطنية ، لأنها استطاعت منذ بداياتها أن تحافظ على وتيرة الإنتاج و الأهم أنها تحقق نجاح جماهيري وطني و دولي ... ماذا كانت ستكون مقاربتنا للأفلام المغربية التي أنتجت لحد الآن ، لو أننا كنا نتوفر على شبكة من القاعات تغطي جميع مناطق المغرب و بإقبال جماهيري .هل كان البعض سيسمح لنفسه بأن ينفي أو يشكك في وجود سينما مغربية . مع غياب حلقة التوزيع الوطني و الدولي نقف في منتصف الطريق و لا نرقى إلى مستوى الصناعة ، و بالتالي هل من الممكن أن تصنف الأفلام التي تنتج داخل المغرب ضمن سينما وطنية ؟. لا يمكن أن توجد سينما وطنية بدون صناعة سينمائية بكل مقوماتها . في انتظار أن يستطيع التراكم الكمي الذي تحققه السينما المغربية أن يبلور في المستقبل إمكانية وجود سوق سينمائية داخلية أو دولية ، أظن أن هناك تسرع في الحكم على الأفلام التي تنتج هي " السينما الوطنية " ، و يمكن أن نقول أن مساءلتها تنطلق من الرغبة و الطموح ليتحسن الوضع أفضل مما هو عليه. في انتظار ذلك تبقى الأفلام المغربية تساهم في صناعة ذاكرة المغاربة ، و ذاكرة للمستقبل التي ستبقى شاهدة على زماننا.