بين الخسائر الفادحة والانهيارات الكارثية وخطط الانقاذ الهائلة, ومن ضمنها التأميم, سيترك عام2008 ولفترة طويلة ، تاثيرا كبيرا على المصارف العالمية التي غرقت في ازمة لم تشهد مثيلا لها منذ الكساد الكبير. و نشأت هذه الازمة، التي لفت العالم اجمع ، في العام السابق، من ازمة القروض العقارية العالية المخاطر في الولاياتالمتحدة ، حيث عمدت المصارف الاميركية الى توزيع هذه القروض المتعثرة في النظام المالي العالمي برمته مما ادى الى زعزعته بالكامل. وادى هذا الى خسارة المؤسسات المالية مئات مليارات الدولارات وانهيار اسهمها. ولكن قلة من الخبراء كانوا يتخيلون حجم الكارثة التي ستنجم عن هذه الازمة. الضحية الاولى لهذه الازمة كان اصغر مصرف للاعمال في وول ستريت, مصرف ""بير ستيرنز"" الذي انهار في مارس, وعمد الاحتياطي الفدرالي الى تجنيبه الافلاس عبر تقديم شروط مغرية للغاية الى منافسه ""جاي. بي. موغان تشايس"" لكي يشتريه. ولكن هذه الهزة التي تعرضت لها وول ستريت ، لم تكن شيئا بالمقارنة مع الزلزال المدمر الذي ضربها لاحقا في الخريف. وتوقعت الخبيرة المالية الشهيرة في وول ستريت، ميريديث وايتني ، من شركة ""اوبنهايمر اند كو"" منتصف ديسمبر ، ان ""تبقى المصارف الكبرى في غرفة الانعاش لمدة18 شهرا على الاقل, اذا لم نقل36 شهرا. (...) ان الرأسمال (الذي ضخته الدولة) يسد ثغرات لديها ولكنه لا يمول نموها"". ولكن الاعصار المالي الذي تشكل في الولاياتالمتحدة لم يبق هناك, اذ سرعان ما عبر المحيط الاطلسي. ففي اوروبا وجدت شركة ""نورثرن روك"" المتخصصة في الرهن العقاري نفسها امام التأميم, حيث انتقلت ملكيتها الى الدولة في فبراير. اما مصرف ""فورتيس البلجيكي-الهولندي الذي كان مهددا بالانهيار ايضا فنجاه من هذا المصير المال العام في28 سبتمبر. وفي اليوم التالي كان دور مصرف ""برادفورد اند برينغلي"" البريطاني. وبعدها بيومين كان الدور على مصرف ""ديكسيا"" الفرنسي-البلجيكي الذي يمول البلديات. وانقسم الاتحاد الاوروبي حول الاجراءات التي تتخذها هذه الدولة او تلك من اعضائه لحماية مدخريها من الافلاس, قبل ان يعد بوضع خطط انقاذية للمصارف. وتم استلهام هذه الخطط بشكل كبير من الخطة التي اعلنها رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، في8 اكتوبر وبلغت قيمتها50 مليار جنيه. اما ايسلندا، الدولة الاكثر اعتمادا على المصارف في العالم ، فاضطرت الى تأميم ثلاث من مؤسساتها المالية (كوبثينغ, غليتنير ولانبانسكي) اواخر سبتمبر ، واوائل اكتوبر قبل ان تطلب قرضا من صندوق النقد الدولي. وحتى اليوم سجلت لائحة الافلاسات المصرفية في الولاياتالمتحدة هذا العام 25 افلاسا, لتصبح بذلك اللائحة الاطول في عام في تاريخ الولاياتالمتحدة. حتى الكبار لم يصمدوا امام شدة الاعصار المالي. فمصرف ""سيتي غروب"" ، الذي كان متربعا على عرش اول مصرف في الولاياتالمتحدة اعلن في23 نوفمبر انه مهدد بالانهيار في حال لم يتلق مساعدة حكومية. والامر عينه بالنسبة الى ""يو بي اس"" الذي كان يحمل لقب اول مصرف سويسري, والذي دعمته الدولة قبل ان تنهار سمعته بسبب سوؤ ادارته وتفوح منه رائحة فضائح عديدة.