محاربة الصورة النمطية المنتشرة عن المسلمين في الغرب من خلال عروض فكرية وثقافية وفنية، كانت الهدف الأبرز لمهرجان "الوحدة والسلام العالمي" الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس يومي 10 و11 أكتوبر الجاري بحضور عشرات الآلاف من الزوار الذين أتوا من كل أنحاء فرنسا. وشهد المهرجان الذي نظمه "تجمع مسلمي فرنسا" بمشاركة عدد من المنظمات الإسلامية، إقبالا كبيرا من لدن رجال السياسة والثقافة في مسعى لخلق فضاء للحوار الهادف من خلال مواضيع متنوعة نوقشت بإسهاب عبر ندوات وأوراش عمل تفاعلية أتاحت للزوار فرصة تبادل الأفكار والمساعدة في التوصل إلى روح جديدة من التعاون والتفاهم. وضمت القاعات الضخمة للمهرجان عروض لمنتجات متنوعة من الدول الإسلامية إلى جانب ألعاب رياضية جلبت الكثير من التسلية والمتعة للأطفال. كما أقيمت سوق للتحف والمطرزات الفلكلورية، وقدمت أكلات من مختلف الدول إلى جانب عروض أزياء تعكس الطبيعة المحافظة للمسلمين. وتضمنت أنشطة المهرجان فقرات غنائية ومحاضرات وندوات ثقافية وسياسية ودينية ومعارض عن تاريخ وثقافة وحضارة الدول الإسلامية. ويأتي تنظيم مهرجان "الوحدة والسلام العالمي" في ظل أجواء سياسية تتسم بالتوتر جراء سوء فهم الكثيرين للدين الإسلامي، حيث أضحى الإسلام في وعي المجتمعات الغربية منذ أحداث شتنبر 2001 قرينا للعنف، وأصبح المسلمون عنوانا للتعصب والتشدد. وجاء تنظيم المؤتمر لمواجهة هذه الانطباعات السلبية، وتقديم صورة موضوعية عن الإسلام لدائرة واسعة من الجمهور الغربي، وتعريفه بميراث المسلمين الحضاري والتاريخي وعطاءاتهم الفنية والعلمية، فضلا عن إبراز ثراء تجربتهم التاريخية، وما اتسمت به من روح التعدد والتسامح إزاء مختلف الأجناس والطوائف والأديان. وقد حرص المهرجان على تقديم رؤية موضوعية لمجمل المشاكل الراهنة التي تواجه المجتمعات الإسلامية في علاقتها مع الغرب، وذلك بعيدا عن القراءات الاختزالية والسطحية على نحو ما هو شائع في دوائر السياسة والإعلام. وما يصدم المسلمين في الواقع الديني الاغترابي أن كلمة "عربي" في ثقافة عامة الفرنسيين وحتى لدى بعض الفئات المحسوبة على النخب المثقفة، تعني "إسلامي" ثم "إرهابي"بمعنى أن العرب يختزلون صفتين في واحدة : (مسلمون إرهابيون).. أمثلة كثيرة تكرس هذا الواقع سواء في الشارع حيث نظرات الاحتراس والشكوك تطارد المحجبات المسلمات، أو في المؤسسات حيث إقصاء هذا الاسم في الكثير من الحالات من قاموس التوظيفات أو حتى في زيارتك لبعض المواقع الإلكترونية بحثا عن موضوعات مرتبطة بكلمة "إسلام"، فلا تجد سوى الإرهاب والتطرف. هكذا يتلخص وضع الإسلام اليوم في فرنسا، فالمسلمون لا يشتكون من مؤامرات تحاك ضدهم في دهاليز السلطة لطردهم أو قمعهم بقدر ما يعانون من الاتهامات الدائمة المعتمدة على خلفيات قد لا تكون لها علاقة بالواقع الفرنسي أساسا. وهكذا أيضا تتجلى مظاهر الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين كواقع يجسد أبشع نماذج الإهانة والإقصاء. ويأتي الإعلام الفرنسي بمختلف قنواته واتجاهاته ليجعل من الإسلام والمسلمين مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه ليكرس هذا الواقع الناقم على الإسلام والمسلمين، في غياب شبه تام لإعلام إسلامي في فرنسا يدافع عن التميز الإسلام واعتداله. ومسئولية الدولة والأحزاب والمنظمات المناهضة للعنصرية بفرنسا في التصدي لظاهرة معاداة الإسلام التي بدأت بالحجاب وأصبحت تأخذ أبعادا قد يصعب احتواؤها فيما بعد، لا يجب أن تتوقف على مجرد إصدار بيانات الإدانة العفوية والتلقائية، بقدر ما تقتضي صياغة رؤية شمولية لما يجب اتخاذه من إجراءات ملموسة مثل سن قوانين ضد معاداة الإسلام كما هو الشأن بالنسبة لقانون معاداة السامية المعمول به في فرنسا. فاقتلاع مظاهر العنصرية وكراهية الإسلام، لن يتم بالتأكيد من خلال انتقاد النخب السياسية، وفي مقدمتها رئيس الدولة، لذبائح عيد الأضحى وتعدد الزوجات وارتداء الحجاب وغير ذلك من العادات والتقاليد الإسلامية، بل من خلال تفهم هذه التقاليد واستيعاب دلالاتها الروحية لدى المسلمين دون تخوف من أي مد إسلامي أو أي ضرر قد يلحق بالعلمانية التي لا يعتبرها المسلمون شكلا من أشكال محاربة الأديان بقدر ما يرون فيها خيارا تبنته فرنسا سنة 1905 ولها كامل الحق في ذلك. وما يحتاج أن يدركه الفرنسيون اليوم هو أن الإسلام في فرنسا لم يعد ظاهرة مهاجرة، بل هو عقيدة يدين بها عشر الفرنسيين وخمس البشرية، وليس أمام الدولة الفرنسية سوى أحد الخيارين : القبول بالإسلام كجزء من ثقافة فرنسا وقيمها، وبالمسلمين كجزء من نسيج المجتمع الفرنسي، أو اضطهاد الإسلام والتمييز ضد المسلمين، وتحمل مسؤولية ذلك ونتائجه محليا وإقليميا وعالميا. ويجب الإقرار أيضا أنه أمام النفوذ المتزايد لليمين المتطرف الذي نجده حاضرا بقوة على الساحتين الإعلامية والسياسية، لم تتمكن الجالية العربية والإسلامية في فرنسا بعد من تشكيل جماعات قوية ومؤثرة في صناعة القرار، وفي الدفاع عن حقوقها ضد الهجمات التي تطالها، وهي مع تعدد مشاربها الفكرية وانتماءاتها السياسية وغنى تكوينها الاجتماعي، لم تجد بعد القدرة على التأطر والاندماج والمشاركة.