يمكن اعتبار سنة 2014 سنة العنف بامتياز ضد المسلمين ورموز الديانة الإسلامية بدءا من إحراق المساجد والمكتبات الإسلامية إلى تدنيس المقابر ثم التطاول على الرسول الكريم بمقالات ورسومات مهينة، فالاعتداءات الكلامية التي تكرس مظاهر التحقير للمسلمين وتنكر حقهم في إثبات ذواتهم ضمن جغرافيا مسلمة تبني وجودهم على أساس التميز الإسلامي والحق في الاختلاف. واستنادا إلى أرقام المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو أعلى هيئة لتدبير الشأن الإسلامي بفرنسا، فإن الاعتداءات العنصرية على المساجد والرموز الإسلامية المختلفة بفرنسا من مكتبات ومراكز ثقافية ومدارس بلغت في السنة الماضية 74 اعتداء متفاوت الحجم ما بين التدنيس وإضرام النيران وإتلاف الممتلكات الداخلية. وإذا كان الخوف من مساجد فرنسا قد تجاوز اليوم مرحلة عرقلة مشاريع بنائها إلى الهجوم عليها حتى وإن كانت معروفة باعتدال أصحابها، فإن هذا الخوف قد امتد إلى الموتى من المسلمين القابعين في القبور حيث الاعتداءات العنصرية على المقابر الإسلامية وتدنيسها برسومات معادية للمسلمين تجاوزت العشرين معظمها استهدف الجنود المغاربيين الذين ماتوا في الحربين العالميتين من أجل أن تحيا فرنسا. تلك هي الحصيلة المادية لبعض مظاهر العنصرية المتفشية في فرنسا. أما الحصيلة المعنوية فهي أثقل بكثير كونها تنطق بعنصرية فكرية مفضوحة تتعارض مع ثقافة التنوع التي يجب أن تسود المجتمعات البشرية، وتتماهى في العمق مع التيارات المتطرفة التي تنكر على الآخرين حق التميز والاختلاف. وكمثال فاضح لتأصل الفكر العنصري بفرنسا، عدد الرسائل الاحتجاجية التي توصلت بها سنة 2014 السلطة العليا لمكافحة التمييز ومن أجل المساواة، والبالغة 2430 رسالة معظمها تصب في خانة الحيف الذي يطال المغاربيين والأفارقة الراغبين في ولوج وظائف عمومية خاصة بأسلاك الشرطة والجيش والجمارك وغيرها من الوظائف التي تمكّن أصحابها من تزيين أكتافهم بشارات متفاوتة الدرجة والأهلية..ويشكو هؤلاء من الأسئلة العنصرية التي تطرح عليهم في الامتحانات الشفوية من قبيل هل تصوم رمضان؟ هل تحمل زوجتك الحجاب؟ وما موقفك من تعدد الزوجات ومن ذبائح العيد في الرشاشات المنزلية؟ وغيرها من الأسئلة الحاقدة التي تنتهي الإجابة عنها بإقصاء المعنيين حتى وإن حصلوا على نقط متفوقة في الامتحانات الكتابية. وتروي الرسائل الاحتجاجية التي نشرت جريدة "لوباريزيان" قي عددها الأخير مقتطفات من بعضها، معاناة المغاربيين على الخصوص الراغبين في ولوج سلك الشرطة أو الجمارك، مع لجن الامتحانات التي تمطرهم بوابل من الأسئلة التحقيرية حول أصولهم وعقيدتهم ورأيهم في الهجرة الانتقائية ومدى قدرتهم على الانصهار في النسيج الفرنسي بمكوناته المختلفة.. وتنفرد فرنسا بالسبق أوربيا في تكريس مظاهر التمييز بين مواطنيها حيث المناصب لا تقاس بالكفاءة، وحيث الإحساس بالتفوق والتمايز والاستعلاء بناء على الجنس واللون، هو من الممارسات السائدة وإن كانت تخرج عن نسق القيم التي ينشدها البلد..فالمفروض في المغاربيين الراغبين في ولوج أسلاك الشرطة والجيش والجمارك والبريد وغيرها، أن ينصهروا إلى حد الذوبان في النسيج الفرنسي الذي لم يتطهر بعد وبشكل صحي من رجس العنصرية التي تنكر وحدة التجانس البشري وتقر بوجود اختلاف جوهري بين الآدميين. ومن منطلق اهتمامها بحالات العزل والتمييز في ولوج الوظائف العمومية، أعدت منظمات حقوقية وجمعوية بفرنسا وفي مقدمتها "حركة مناهضة العنصرية والصداقة بين الشعوب"، عدة تقارير في الموضوع كان آخرها تقرير عالم الاجتماع عزوز بكاك، الوزير السابق لتكافؤ الفرص، الذي أدان الأسئلة "المفخخة" المرتبطة بالانتماء العرقي والثقافي التي تطرح على أبناء الهجرة. واعتمد في تقريره على دراسة اجتماعية معمقة قام بها المعهد الفرنسي للدراسات العليا للأمن، وأثبتت بجلاء وجود ممارسات تمييزية صارخة في إجراءات التوظيف بمصالح الجيش والشرطة وحتى الجمارك. أول ما يصدمنا تحت ثقل هذا التهميش والإقصاء الضارخين، هو أن جزءا كبيرا من الإعلام الفرنسي لا يفعل سوى أن يجعل من الإسلام والمسلمين مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه ليكرس هذا الواقع تحت نفوذ اللوبي المتطرف الذي يعمل على نشر مقالات وتحقيقات ناقمة على الإسلام والمسلمين، في غياب شبه تام لإعلام إسلامي في فرنسا يدافع عن المسلمين. وقد أصبح التطرف والأصولية والإسلاموفوبيا.. من المفردات المتداولة أكثر في الإعلام الفرنسي، وأصبح معها التهجم على الإسلام سلوكا يجنب صاحبه أي عقاب ما دام يدخل في إطار حرية التعبير وحرية الإعلام، بينما مجرد الإشارة إلى اليهود، تصنّف صاحبها في خانة العنصرية والمناهضة للسامية وتُغرقه في متابعات قضائية وفي حملات إعلامية واسعة. ثم إن مسئولية الدولة والأحزاب والمنظمات المناهضة للعنصرية بفرنسا في التصدي لظاهرة معاداة الإسلام التي بدأت تأخذ أبعادا قد يصعب احتواؤها فيما بعد، لا يجب أن تتوقف على مجرد إصدار بيانات الإدانة العفوية والتلقائية، بقدر ما تقتضي صياغة رؤية شمولية لما يجب اتخاذه من إجراءات ملموسة مثل سن قوانين ضد معاداة الإسلام كما هو الشأن بالنسبة لقانون معاداة السامية المعمول به في فرنسا، وتفكيك شبكة المتطرفين مرتكبي مثل هذه الأعمال الشنيعة ضد المسلمين، وتطبيق عقوبة رادعة في حقهم بعيدة عما صدر من أحكام بسنة سجنا تحولت إلى ثلاثة أشهر في حق مرتكبي أعمال التدنيس في مقبرة لاشابيل وسط فرنسا سنة 2010. فاقتلاع مظاهر العنصرية وكراهية الإسلام، لن يتم أبدا من خلال انتقاد النخب السياسية وفي مقدمتها رئيس الدولة، لذبائح عيد الأضحى وتعدد الزوجات وارتداء الحجاب وغير ذلك من العادات والتقاليد الإسلامية، بل من خلال تفهم هذه التقاليد واستيعاب دلالاتها الروحية لدى المسلمين دون تخوف من أي مد إسلامي أو أي ضرر قد يلحق بالعلمانية التي لا يعتبرها المسلمون شكلا من أشكال محاربة الأديان.