تعد ظاهرة دور الصفيح أمرا ليس جديدا على المشهد الحضري المغربي, إذ تكونت هذه الدور داخل المدن المغربية تدريجيا كما هو الشأن مدينة سيدي يحيى الغرب التي تشهد تجمعا في هذا الاطار, ويتعلق الأمر ب دواويرها الذين رغم قربهم من المدار الحضري كأنهم ينتمون إلى منطقة نائية تعيش أقصى مظاهر العزلة والتهميش, حيث هناك غياب أبسط مكونات العيش. لاشيئ يوحي بحياة كريمة فقط الفقر والبؤس والروائح الكريهة. فعلى بعد كيلومترات قليلة من مدينة القنيطرة، عاصمة الغرب ، يغرق آلاف السكان وسط الصفيح ، ما يفوق 4000 مواطن يقطنون في مساكن قصديرية، وتحديدا بدوار الشانطي ودوار السكة ودوار دراعو ودوار كانطا ،. لا يمكن أبدا لمنطق أن يبرر عيش آلاف الأطفال والنساء وسط الصفيح والفيضانات في القرن الواحد والعشرين، فلا برامج الحكومات المتعاقبة استطاعت أن تحرر الإنسان من حياة بائسة، وتحديدا برنامج «مدن بدون صفيح»، الذي يبدو عاجزا تماما عن تخليص هؤلاء المواطنين المغاربة من جحيم القصدير، ولا المجالس الجماعية التي تعاقبت على تسيير جماعة سيدي يحيى الغرب بذلت جهدا للحد من انتشار «الأكواخ» الحاطة من الكرامة الإنسانية، فقط «براريك» تنضاف إلى القائمة مع كل عام، وخزان انتخابي يتوسع بلا توقف. هل فشل برنامج مدن بدون صفيح؟ في تقارير صادرة عن وزارة الإسكان والتعمير ، اعترف التقرير بمحدودية نتائج البرنامج الذي وعدت من خلاله الحكومة المغربية بحل مشكلة البناء العشوائي والقضاء على دور الصفيح، وأرجعة التقارير هذا «الفشل» إلى أسباب عديدة، من بينها ندرة العقار، تزايد الأسر وصعوبة ترحيلها، محدودية دخل الأسر، التي لا تستطيع دفع تكاليف تجهيز وبناء البقع الأرضية التي تمنح لهم مقابل ترك أكواخهم، أو دفع ثمن الشقق البديلة، مشاكل مرتبطة بمنح القروض المضمونة من طرف برنامج «فوكاريم»، الذي تموله منظمات ومؤسسات مالية دولية، صعوبة تعبئة تمويل الشركاء، مشاكل التعمير وضعف مراقبة التوسعات العمرانية، مشكلة الأسر المركبة التي تقطن ببراكة واحدة، وصعوبة تعبئة العقار العمومي، وتضمنت التقارير أيضا صعوبات متعلقة بغلاء وبطء المساطر الإدارية المرتبطة بتفويت وتسوية الأوعية العقارية، واحتلال الأماكن المخصصة للاستقبال. جملة المشاكل التي ذكرتها التقارير تعكس حجم المشكلة، في المقابل تبدو أعين السلطات المحلية والمنتخبين مغمضة عن هذه المشاكل، رغم أن البرنامج ومعه الخطاب الملكي، الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 48 لثورة الملك والشعب في 20 غشت من العام 2001، شددا على الدور الأساسي للسلطات المحلية والمجالس الجماعية في القضاء على البناء العشوائي وإيجاد حلول لسكان الأحياء الصفيحية، حيث جاء في الخطاب الملكي حينها «كما ينبغي أن يضع هذا المشروع القواعد الزجرية، الكفيلة بالحيلولة دون استمرار هذا النوع من السكن وانتشاره، محددا بدقة مسؤوليات كل الفاعلين في هذا المجال، بما فيهم الجماعات المحلية والوكالات الحضرية، ومفتشيات التعمير، ورجال السلطة الجهوية والإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى الخواص، وقطاع الإسكان والمؤسسات العمومية التابعة له، وكل الهيئات المكلفة إما بالترخيص، أو بمراقبة قانونية السكن، أو بمحاربة السكن غير اللائق، أو بالإنعاش العقاري. ويتعين على هذا المشروع أن ينص، بكل ما يقتضيه الأمر من حزم وشفافية، على ترتيب الجزاءات الصارمة، الجنائية والمدنية والمالية، على الممارسات اللاقانونية، أو على الإخلال بالمسؤولية في هذا المجال...»، حيث كان الخطاب الملكي متشددا في فرض رقابة صارمة على انتشار السكن العشوائي، وأكد على وضع العقوبات والقوانين الزجرية والجنائية والمالية لمعاقبة المتورطين في استفحال هذه الظاهرة، التي يبدو أن سيدي يحيى الغرب ومسؤوليها، والمسؤولين بعمالة سيدي سليمان لم يعيروها أي اهتمام. كان نبيل بنعبد الله، وزير الإسكان والتعمير في الحكومة الأولى لعبد الإله بنكيران ، قد أطلق برنامج «مدن بدون صفيح»، ووعد المغاربة بأن مدنهم ستصبح خالية من الصفيح وبأن البناء العشوائي سيتوقف على يد الحكومة الحالية، لكن عكس ذلك تماما، تزايدت وتيرة البناء العشوائي، وبدل أن يخلص «برنامج مدن بدون صفيح» مدن المملكة من البراريك، تحول البرنامج إلى عامل جذب للباحثين عن الاستفادة من بقعة أرضية أو شقة في عمارات السكن الاقتصادي، وأصبح الكثيرون يتسابقون لتشييد كوخ قصديري ليشملهم برنامج إعادة الإيواء . الآن لم يعد سهلا تفكيك، أو على الأقل، وقف نزيف البناء العشوائي، وحتى برنامج تجهيز الأحياء ناقصة التجهيز، من الصعب جدا أن ينجح في إنقاذ آلاف الأسر من العيش وسط ضايات الصرف الصحي، ومطارح الأزبال الجريدة عاينت الوضع ، مئات المساكن المتداخلة، تحيطها النفايات من كل جانب، ويخترقها واد الصرف الصحي مخاطر تهدد صحة السكان، في غياب شبه تام لبنية تحتية تمتص أطنانا من النفايات ، وغياب مراكز صحية، عدا مركز صحي يتيم ، بينما أطفال الصفيح لا بديل لهم عن اللعب وسط مطارح الأزبال، والتكدس في حجرات مدرسية بئيسة، وانتظار مستقبل لا يبدو باعثا على الأمل. تقول إحدى السيدات نعيش داخل هذا العش حياة صعبة كلها معاناة. أبناؤنا محرومون من حقوقهم وأبسطها حقهم في الماء والكهرباء، يراجعون دروسهم تحت ضوء الشمع، يقضون حاجاتهم البيولوجية خارج المنزل. لا نتوفر لا على تلفاز ولا على مذياع، أبناؤنا يعانون من عدة أمراض منها أمراض الحساسية والأمراض الجلدية ( الجربة )، يتم إحصاؤنا كل مرة من أجل الاستفادة وفي كل مرة نتلقى الوعود، لقد طال الانتظار، قدمنا كل الوثائق التي طلبتها الجهات المسؤولة، إننا نعيش وكأننا في البادية رغم أننا في بلدة يقال عنها أنها مدينة، نطالب التعجيل بتوفير سكن يرد لنا كرامتنا.في كل اجتماع يعدنا المسؤولون بأننا سنستفيد من بقعة لكن للأسف لا شئ تحقق لحد الآن لم نعد نثق في كلامهم ووعودهم. إن ما يخشاه المتضررون ، أن يسود منطق الزبونية والمحسوبية وعدم الشفافية أثناء عملية الاستفادة التي ظلت معطلة أكثرمن 3 سنوات عانت فيه ساكنة دور الصفيح والسكن غير اللائق مرارة العيش وهو الشئ الذي يتنافى مع كل المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كل هذا يجعلنا نتساءل عن مدى مصداقية وجدية الخطاب الرسمي في مجال السكن والتعمير، وأيضا عن شعار لطالما رددته الوزارة الوصية عن القطاع " سيدي يحيى الغرب بدون دور صفيح "؟ لا يملك سكان دوار ادراعوا إلا انتظار فرج من السماء مستظلين بظل مطالبهم الملخصة في سكن لائق يحميهم برد الشتاء القارص وحر الصيف القائظ.