تؤكد أغلب الدراسات أن السلوك العدواني من أحد أهم السلوكيات التي يتصف بها كثير من الأطفال في عصرنا الحاضر وبدرجات متفاوتة، ويقصد به: أي سلوك من شأنه ايقاع الأذى الجسدي أو النفسي أو الألم بالذات أو بالآخرين أو بالأشياء، حيث يظهر بين الأخوة داخل الأسرة وبين التلاميذ في المدرسة وبين الأتراب في الشوارع والأماكن العامة بأشكال مختلفة، لفظية وبدنية. ويتصرف الذكور بشكل عدواني أكثر من الإناث، والسبب وراء هذا الفرق بين الجنسين يعود الى عوامل بيولوجية تم التأكد منها من خلال الأبحاث والدراسات التي أجريت في هذا الصدد وعوامل بيئية، حيث يفرض المجتمع توقعات معينة لسلوك الإنسان حسب جنسه، فنتوقع من الفتى أن يكون عدائيا ومنافسا في تصرفاته، بينما تشجع الفتاة على التسامح والتعاون. طفل من ثلاثة يصير عدوانيا بسبب تفكك الأسرة هناك عدة أسباب تدفع الأطفال في عصرنا الحاضر الى التصرف بعدوانية، حسب ما يشير إليها أخصائيو علم النفس منها: الشعور بالنقص: قد يدفع شعور الطفل بنقصه من الناحية الجسمية أو العقلية أو النفسية، كأن يفقد أحد أعضائه، أو يسمع من يصفه بالحمق والغباء والألفاظ الجارحة، مما ينعكس على سلوكه تجاه الآخرين، فيلجأ الى الإنتقام بالضرب أو كسر ما يقع تحت يديه، وذلك بأسلوب لاشعوري، فيشعر باللذة والنشوة لانتقامه ممن حوله. الفشل والإحباط المستمر: يؤدي عامل الفشل كالرسوب المتكرر، أو الفشل في شؤون الحياة الأخرى كالهزيمة في المسابقات والرياضات، الى التصرف بعدوانية كرد فعل تجاه هذا الفشل او الإحباط، وخاصة إذا عيره أحد بذلك، فيلجأ إلى تمزيق كتبه وإتلاف ملابسه أو الاعتداء بالضرب أو السرقة تجاه المتفوق دراسيا. الكبت المستمر: سواء في البيت من قبل والديه أو اخوته الكبار، أو من المدرسة من قبل المعلمين والإدارة، وكذلك حرمانهم من اكتساب خبرات جديدة باللعب والفك والتركيب وغيرها، فيؤدي هذا الكبت الى دفع الطفل للتخفيف والترويح عن نفسه وإفراغ الطاقة الكامنة في جسمه والتي تظهر على شكل عدوانية انتقاما من مواقف الكبت المفروضة عليه. التعرض لخبرات سيئة سابقة أو القسوة الزائدة من الوالدين أو أحدهما أو ما يسمى بغياب الحب والدفء الأسري، كأن يتعرض الطفل لكراهية شديدة من زوج الأم، او زوجة الأب بعد وقوع الطلاق أو وفاة أحد الوالدين، أو قد يتعرض الطفل لكراهية شديدة من قبل معلميه أو رفض اجتماعي من قبل زملائه الطلاب أو رفض اجتماعي عام، مما يدفع به الى العدوانية في السلوك. التقليد: في كثير من الأحيان يظهر السلوك العدواني بدافع التقليد في الأفلام والمسلسلات حتى الكرتونية منها، وفي بعض الأحيان يكون التقليد للأب أو الأخوة أو أحد أفراد المجتمع الذين يتسمون بالعنف والعدوانية، فنجد أن الطفل يقلد هذه المصادر، ولا يوجد مكان أحب إليه من إظهار قدراته ومهاراته القتالية من المدرسة، حيث يبدأ في ايذاء زملائه ومعلميه وقد تلعب نفسه. وقد تؤدي العائلة دورا رئيسيا في تطوير العدوانية عند الطفل، فعندما يهدده الولدان وينتقدانه ويضربانه، يعطي ذلك نتيجة عكسية أي رفضه إطاعة أوامرهما. ويرى علماء النفس انه يمكن معالجة العدوانية أو الوقاية منها والتخفيف من حدتها على الأطفال من خلال: إشعار الطفل بذاته وتقديره وإكسابه الثقة بنفسه، وإشعاره بالمسؤولية تجاه الآخرين ، وإعطائه أشياء ليهديها لهم بدل أن يأخذ منهم، وتعويده مشاركتهم في لعبهم مع توجيهه بعدم تسلطه عليهم. عدم مقارنة الطفل بغيره وعدم تعييره بذنب ارتكبه أو خطأ وقع فيه . السماح للطفل بأن يسأل ، وان يجاب عن أسئلته بموضوعية تناسب سنه وعقله، ولا يعاقب أمام أحد، لاسيما اخوته وأصدقاءه. وإعطاء الطفل فرصة للتعرف على ما حوله تحت إشراف الآباء والمعلمين، بحيث لا يضر الطفل بنفسه أو غيره، فقد يكون السبب في العدوانية هو عدم إشباع بعض الحاجات الأساسية عنده من أجل تصريف أشكال القلق والتوتر والضغط والطاقة بشكل سليم، ويجب إعادة ترتيب البيئة المنزلية والمدرسية للطفل التي تتضمن أماكن واسعة في غرف النوم وحجرة الأكل وأماكن اللعب ، وأن يكون هناك من يشرف على لعبهم، وبالتالي يحد من ظهور مشكلات سلوكية تنبع عن غياب الرقابة. تنمية الشعور بالسعادة عند الطفل: فالأشخاص الذين يعيشون الخبرات العاطفية الايجابية كالسعادة وتوفير دفء وعطف الوالدين وحنانهما يميلون لأن يكون تعاملهم مع أنفسهم ومع غيرهم بشكل لطيف وخال من أي عدوانية أو سلوك سلبي آخر، أما الأشخاص الذين تعرضوا لاساءة المعاملة من قبل الوالدين وإهمال عاطفي وإجتماعي فقد يسعون لاستخدام العدوانية بأشكاله المختلفة وذلك من أجل جلب انتباه الأسرة واشعارها بوجوده وضرورة الاهتمام به. إن اساءة المعاملة الجسمية والنفسية كالضرب والتوبيخ بالألفاظ الموجهة للأطفال تؤدي إلى اضطراب في الجهاز العصبي المركزي، فأصحاب الجهاز العصبي القوي يصبحون قساةمراوغين كاذبين، أما أصحاب الجهاز العصبي الضعيف فيصبحون خائفين عديمي الإرادة والثقة بالنفس. العمل على خفض مستوى النزاعات الأسرية: لأن الأطفال يتعلمون الكثير من السلوك الاجتماعي من خلال الملاحظة والتقليد وعلى ضوء ذلك يتوجب على الوالدين أو الاخوة الكبار ألا يعرضوا الأطفال الى مشاهدة نماذج من النزاعات التي تدور داخل الأسرة وذلك لما له من أثر سلبي على الابناء يتمثل في تعليم الأطفال لطرق سلبية لحل النزاعات ومنها السلوك العدواني، فالبيئة الأسرية الخالية من النزاعات وذات الطابع الاجتماعي تنمي لدى الطفل الشعور بالأمن والتالي استقرار الذات. وكذلك الاقلال من التعرض لنماذج العنف المتلفزة، حيث أظهرت نتائج كثيرة لدراسات نفسية أن النماذج العدوانية التي يتعرض لها الأطفال في التلفزيون تؤثر بشكل قوي على ظهور السلوك العدواني، وذلك لأن وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تلعب دورا كبيرا في تعليم النماذج السلوكية الإيجابية والسلبية. فلحماية الأطفال من التأثير السلبي للتلفزيون لابد من الاشراف على محتوى البرامج التي يشاهدها الطفل، وتشجيه على مشاهدة برامج ذات مضمون ايجابي بدلا من البرامج التي تتميز بالعنف حتى وان كانت رسوما متحركة فمن الواجب عدم عرضها أمام الأطفال. عدم الاستسلام لنوبات الغضب المفاجئة وتلبية رغبات الطفل. فاذا استسلم الأبوان لطلبات وأوامر الطفل دون ضوابط فإنهما يعلمانه أن السلوك الذي اتبعه لنيل رغباته هو سلوك مجد، ويأتي بالنتيجة المطلوبة وهما بذلك يضعان بداخله أولى بذور العدوانية إذا لم يضعا له حدودا واضحة لايمكنه تخطيها، ويجب أن يكونا هادئين لنزع فتيل غضبه، وتعويده بالتالي على السيطرة على انفعالاته. وكانت النتيجة التي توصل إليها الباحثون من خلال هذه الدراسة هي أن الأسرة لها الدور الكبير وكذلك المدرسة والاعلام للتغلب على تحديات العصر التي تخلق وتولد العدوانية في ذهن الطفل ومخيلته لتصبح بعد ذلك إحدى سماته المتميزة، وأهم ما يمكن فعله هو تعليم الطفل كيفية إقامة العلاقات مع الآخرين على أساس الاقناع المنطقي واحترام حقوق الآخرين، وعدم اللجوء الى العنف الجسدي، واستخدام العقل والحرص على دفء العلاقات الأسرية، وإظهار الود والحنان للطفل... وقد اثبتت الاحصائيات ارتفاع معدلات جرائم الاحداث في المجتمعات التي لاتعرف قيمة للعلاقات الأسرية، وأهمها غياب الحب والدفء الأسري.