تلتئم على مدى ثلاثة أيام في العاصمة الموريتانية نواكشوط الدورة الخامسة لمجلس وزراء الداخلية بدول اتحاد المغرب العربي، في ظل تصاعد التوتر و تزايد الشرخ بين مكونات الفضاء المغاربي الذي يحيي هذا الأسبوع الذكرى السابعة والخمسين لمؤتمر طنجة كمحطة رسخت قبل عقود لوعي الشعوب المغاربية بالمصير المشترك الذي ظل مجرد حلم تتقاذفه الأهواء و المصالح وتبدده سلوكات بعض الساسة المغاربيين الباحثين عن الزعامة و النفوذ و التقوقع في زمن التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى . يلتئم وزراء الداخلية المغاربيون بنواكشوط لمعالجة الاشكاليات و التحديات الأمنية المتفاقمة بمنطقة شمال إفريقيا و الساحل الصحراوي في ظل سلوكات التصعيد و الجفاء التي تجمع أكثر من مكون من مكونات الاتحاد المغاربي و تمثل الجزائر طرفا أساسيا في هذا التوتر المفتعل بشكل منهجي و مؤسس . قبل أسبوع طردت نواكشوط المستشار الأول لسفير الجزائربنواكشوط بلقاسم شرواطي بعد تورطه في الشأن الداخلي الموريتاني و محاولته من داخل التراب الموريتاني تسميم علاقات نواكشوطبالرباط عبر تسريب معلومات مزيفة من شأنها زعزعة مسار التقارب المغربي الموريتاني الذي يتقدم بخطوات حذرة و بطيئة منذ أشهر . الرد الجزائري لم يتأخر حيث عمدت بدورها الى مطالبة ديبلوماسي موريتاني سامي بمغادرة التراب الجزائري على وجه السرعة في حين تجند الاعلام الجزائري المقرب من دوائر القرار بهرم السلطة الجزائرية الى جلد الحكام الجزائريين و إنذارهم من تبعات و عواقب خطوة « تحدي « العملاق الجزائري الباحث على نفوذ و حظوة إقليمية لا تحتمل أي تعطيل أو منازعة من أي طرف و إن تم ذلك على حساب علاقات الجوار و السيادة التي تفترضها أعراف العلاقات الدولية . الجزائر بتحرشها بنواكشوط المغتاظة و المترددة في مسايرة أجندة و حسابات قادة قصر الأوراسي في ترتيبات مستقبل المنطقة و تعمدهم توجيهها وفق نسق مصلحي يخدم في المقام الأول مسعى الهيمنة و القطبية الجزائرية التي تلغي من حساباتها كل منافس إقليمي محتمل , تحاول منذ مدة تفكيك و تسميم كل آفاق التقارب المحتمل بين الرباط و نواكشوط و توظف كل آلياتها ووسائلها الديبلوماسية و الاستخباراتية لتعطيل مسارات التوافق الهش والحذر على محور جاريها الغربيين . الديبلوماسية الجزائرية إبتدعت ما يكفي من المناورات المكشوفة و المتسترة لردع و تقليص فرص نجاح التمدد المغربي نحو جنوب الصحراء و العمق الافريقي إنطلاقا من موريتانيا و السينغال و سعت جاهدة الى دفع موريتانيا الى التقوقع في مسار تجمع دول الساحل والصحراء الذي تتحكم فيه الجزائر بيد من حديد و توظفه لابتزاز الأممالمتحدة و تطويع منظمة الاتحاد الافريقي . حكام الجزائر يدركون لا محالة أنهم إنهزموا هذه السنة في فصل جديد من مسلسل معاكسة الحق المغربي في ملف الصحراء في مجلس الأمن و يستبقون تطورات الوضع بالمنطقة عبر خطوة إستباقية لكبح أي طموح مغربي في لعب أدوار مؤثرة في ملفات حساسة من قبيل الأزمتين المالية و الليبية . في واقع الأمر نحن شهود حاليا على تجل جديد من حقيقة المزاج المتقلب للديبلوماسية الجزائرية في تدبيرها لعلاقاتها مع الجوار بدءا من الرباط العدو الأزلي لحكام الجزائر و مرورا بليبيا و موريتانيا اللتين لا يرضى حكام الجزائر الا باعتبارهما مجرد حديقة خلفية لتصريف أجندة إقليمية موغلة في النرجسية والذاتية القائمة على منطق الهيمنة و إلغاء الآخر و لو على حساب جوهر معاهدة الاتحاد المغاربي التي تجتاز سنتها السادسة و العشرين دونما أن تخلف أثرا يترجم على أرض الواقع المغاربي المقرف أهدافها و مبادئها السامية التي تؤرخ لنضالات أجيال و شعوب .