امتلأت المقاهي عن آخرها مساء يوم أمس السبت، واجتهد أصحاب هذه المقاهي في ترتيب المقاعد بشكل يمكن أن يستوعب الإقبال المتزايد للزبناء وغير الزبناء.. وبعضهم ركب جهازين للتلفزة أحدهما عن يمين المقهى والآخر عن يسارها لتسهيل المشاهدة. ودرءاً لأي مواجهة أو شجار قد ينشب بين المشاهدين، فقد خصص البعض مقهاه لأنصار الريال والآخر لأنصار البارصا.. ولاندري المقاييس التي اعتمدت لفرز ميول المشاهدين. وطبعاً لم يكن الحدث وطنيا أو يتعلق بمباراة مصيرية للفريق الوطني المغربي بل كان بكل بساطة ذاك الكلاسيكو الذي يجمع بين الفريقين الاسبانيين العتيدين ريال مدريد وبرشلونة. الحدث اسباني والحماس مغربي فما الذي يجمع بينهما إذن إلى حدود الوله والعشق. وأحيانا يتعدى الأمر الكرة إلى مظاهر أخرى ، فبالأمس القريب طالعنا خبر ضبط شحنة مهمة من المخدرات في اسبانيا كان مصدرها المغرب، وكانت الشحنة معبأة في لفافات كتب على كل منها إسم الفريق الكروي الاسباني البارصا. وقبل ذلك أيضا عشنا فصول محاكمة تلميذ بتهمة الاخلال بالاحترام الواجب للملك إذ جره عشقه الكبير لفريق البارصا إلى إقحام إسم هذا الفريق في الشعار الوطني. رب قائل يقول إن الأمر لايعدو أن يكون مصدره ذلك الهوس الكبير للمغاربة بكرة القدم وولعهم الشديد بالمواجهات الفنية الرفيعة والمراوغات الرشيقة والأهداف الرائعة.. وبأسماء كروية لامعة.. وهو ما لايجدوه في مباريات بطولتهم الوطنية التي يجري بعضها أمام مدرجات فارغة، وأحيانا بدون حسّ رياضي وتعتريها الكثير من المشاكل وصور التلاعب وسوءالتسيير .. فانصرفوا عنها غير آسفين إلى مشاهدة مباريات لفرق أجنبية أخرى. لكن لماذا الريال والبارصا دون غيرهما من فرق عتيدة أخرى تقدم أطباقاً شهية لكرة القدم الرفيعة؟ قد يكون لعامل القرب الجغرافي دور في هذا التوجه، فالمغرب أقرب إلى إسبانيا من غيره من الدول ومن طبيعة المغاربة أنهم يترصدون جيرانهم قبل غيرهم.. وهناك أيضا القرب السياسي والاجتماعي واللغوي وكثير من القضايا المشتركة الأخرى التي تجمع بين الشعبين المغربي والاسباني.. والتي كان بالامكان توظيفها بشكل مفيد ولائق، ولأن ذلك لم يحدث للأسف. فقد استأثرت الكرة بالاهتمام. في مصر يقال للمصري هل أنت أهلاوي أم زملكاوي نسبة إلى فريقي الأهلي والزمالك المصريين. أما في المغرب فقد يسألك أحدهم هل أنت مادريدي أو بارصاوي.. انها مفارقة مطروحة.. وإن كانت مرفوضة في كل الأحوال.