قرأت بإمعان حوار جريدة المنعطف (المنشور على حلقتين / يومي الأربعاء والخميس 10 و 11 شتنبر الجاري)، مع الكاتب والباحث والناقد الأستاذ محمد أديب السلاوي، أطال الله في عمره، حول الدخول الثقافي للموسم الراهن، فكانت أجوبته عن أسئلة الجريدة الوطنية المذكورة صريحة، واضحة، لا تخاف ولا تخشى من الحق، أجوبة وضعت المسألة الثقافية بالمغرب الراهن، في موقعها الصحيح، حيث يبدأ الحديث عنها مع بداية كل موسم ثقافي جديد كحالة يائسة /بائسة / شاردة في المجهول، لا أجندة ثقافية لها، لا تصور واضح لإشكالياتها وقضاياها...وهو ما جعل / يجعل الثقافة في نظر مفكرنا الأستاذ السلاوي في آخر قائمة أولويات حكومة عبد الإله بنكيران ومؤسساتها الرسمية، وهو ما يجعل الحديث عن " الدخول الثقافي" في شتنبر من كل سنة في رأيه، إعادة وتكرار لأسطوانة مشروخة، لا فائدة من سماعها. طرح الأستاذ محمد أديب السلاوي في هذا الحوار الهام، الذي نتمنى أن يستفيد المسؤولين من قراءته ودراسة محتوياته، طرح العديد من الأفكار الجادة، نذكر منها : خوف حكومة عبد الإله من الثقافة والمثقفين/ إهمال الأحزاب السياسية للشأن الثقافي/ إبعاد المدرسة والجامعة عن الشأن الثقافي العام/ إحاطة وزارة الثقافة بزبانية تمنعها من العمل والمشاركة / حرمان المجتمع المدني الثقافي من الدعم اللازم والمستحق، مقابل إعطاء كل الدعم للنقابات والجمعيات والمنظمات التي تنتمي لحزب الوزير. إن هذه الحقائق جعلت الأستاذ السلاوي الذي خابر الشأن الثقافي المغربي لأزيد من نصف قرن، أن يطالب بإحالة ملف الثقافة المغربية وإشكالياتها على ضمير البرلمان، ليقول كلمته في أوضاعها المتردية، إن كان له ضمير. في نطاق اهتمامه بالإشكالية الثقافية، أصدر الأستاذ السلاوي في الدخول الثقافي للسنة ما قبل الماضية كتابا بعنوان : " السياسة الثقافية في المغرب الراهن " طرح من خلال محتوياته بالتفاصيل الدقيقة، للوضعية الثقافية للمغرب الراهن / مغرب عهد الاستقلال، وهي وضعية مؤسفة ومؤلمة على كل المستويات وفي كل المجالات والميادين الثقافية، خاصة في مجالات الكتاب والقراءة والمسرح والموسيقى والسينما والتراث، حيث طالب بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للثقافة، بمشاركة كل الفعاليات والحساسيات، لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وتنظيم مناظرة وطنية كبرى عن المسألة الثقافية المغربية، تساعد الدولة على إخراج إستراتيجية ثقافية في مستوى تطلعات المغرب والمغاربة. وبالرغم من الأصداء الطيبة التي تركها هذا الكتاب على المستوى الإعلامي المغربي والعربي، والمتابعات التي حظي بها من طرف الكتاب والنقاد والمهتمين، فإن ما جاء فيه من معطيات وإفادات وتوصيات، ظل هو أيضا حبرا على ورق...أو صيحة في واد. وقد أعطى الأستاذ محمد أديب السلاوي، في حواره مع جريدة المنعطف، الدليل على انحدار الشأن الثقافي في بلادنا خلال وضعيته، حيث أعلن أنه بعد وصوله سن الخامسة والسبعين، وبعد إصداره أزيد من أربعين مؤلفا عن الثقافة والفكر والسياسة بالمغرب، يجد نفسه، بلا راتب، بلا تقاعد، بلا تغطية صحية، وهو ما دفع العديد من المثقفين والإعلاميين والباحثين والأساتذة الجامعيين، إلى تحرير رسائل إلى الذين يهمهم أمر الثقافة في البلاد، للمطالبة برد الاعتبار إلى هذا المثقف الصامت عن حاله...ولكن هذه الرسائل يقول المعني بأمرها، بقيت صيحة في واد...وحبرا على ورق هي الأخرى، في الوقت الذي تصرف فيه مؤسسات الدولة عشرات الملايين من المال العام على مهرجانات الطرب والغناء والرقص الحامي التي تبعث النشوة في نفوس أصحاب القرار. في إطار الرسائل التي وجهت إلى الحكومة ومؤسساتها والى الديوان الملكي ومؤسساته، اصدر الشاعر والباحث الأستاذ محمد السعيدي، في نفس الفترة كتابا قيما بعنوان " الفكر الحداثي للكاتب محمد أديب السلاوي" تناول فيه الجوانب النيرة في فكر هذا المثقف الموسوعي البارز، مسرحيا وتشكيليا وسياسيا، وطالب في خاتمة هذا الكتاب الأكاديمي الهام، من الذين يهمهم أمر الفكر والثقافة في بلادنا، إعادة الاعتبار لمحمد أديب السلاوي الذي خدم بصمت الثقافة والإعلام في المغرب، دون تعالي... ودون انبطاح...وطبعا ظل ما كتبه الأستاذ السعيدي هو الآخر، صيحة في واد. إن السؤال الذي لم تطرحه جريدة المنعطف على أستاذنا الجليل الذي يحظى باحترام كل المثقفين والمفكرين المغاربة والعرب : لماذا تتخذ حكومة عبد الإله بنكيران هذا الموقف الشاذ، اللاأخلاقي ، اللاوطني، المتعصب / هذا الموقف الذي يتنافى مع حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة، ومع الأخلاق الإسلامية الحميدة، من محمد أديب السلاوي الذي لا ذنب له سوى مواقفه ومعارضته الدائمة والمستمرة للرشوة والفساد والمحسوبية وإهمال حقوق الطفولة الفقيرة، التي تحتل أزيد من عشرين من كتبه القيمة. هل تريد هذه الحكومة من المفكر، الباحث والإعلامي المتميز محمد أديب السلاوي، الذي أسست له نقابة المسرحيين المغاربة خلال السنة الماضية، مؤسسة للفكر المسرحي تحمل اسمه، أن ينتهي متسولا أو أن ينبطح أمام مكاتبها، أو ينحاز إلى سياساتها العشوائية التي تبعد الثقافة والمثقفين عن مخططاتها...؟ لتطمئن هذه الحكومة، أن هذا الرجل الفذ سيعيش معززا مكرما رغم الداء والأعداء، بفضل الله، ورضا أمير المؤمنين الذي ينتظر الجميع استقباله وتكريمه في أقرب الآجال.