السؤال الذي يطرحه بحدة كتاب الاستاذ محمد السعيدي، " الفكر الحداثي للكاتب محمد أديب السلاوي"، الى أين يتجه هذا الفكر...؟ ماهي أهدافه ومرتكزاته... في هذه المرحلة بالذات من حياة الكاتب محمد أديب السلاوي، ثم هل يأتي هذا الإصدار من أجل لفت النظر الى فكر هذا الكاتب الذي عرفه قراء المغرب والمشرق خلال العقود الخمسة الماضية، صحفيا لا معا وكاتبا سياسيا جريئا، وناقدا فنيا من الوزن الثقيل...أم من أجل إثارة الانتباه الى توجهه الفكري، الذي عرفناه أيضا خلال هذه الفترة من التاريخ، توجها متحررا من كل اديولوجية أو مدرسة مذهبية...ولكنه مرتبطا أشد الارتباط بالهوية الوطنية. في قراءة أولية لهذا الكتاب (الصادر عن مطابع الرباط نت/ 128 صفحة من الحجم الصغير) وهو ذو منهج أكاديمي، نستطيع الوصول إلى إجابات دقيقة لهذه الأسئلة، فهو محاولة لربط القضايا والصراعات الإبداعية والثقافية والسياسية التي خاضها الكاتب محمد اديب السلاوي خلال سيرته الفكرية والإعلامية، وهي صراعات مترابطة، يلتقي فيها الصراع الثقافي بالصراع السياسي/ الاجتماعي، وهو من جانب آخر محاولة لإبراز أهم المواقف الفكرية، الثقافية والسياسية، التي ميزت كتاباته في الخمسين سنة الماضية ***** يتوزع هذا الكتاب/ الفكر الحداثي للكاتب محمد اديب السلاوي، على فاتحة وخمسة محاور، تخوض في الدراسات الموسوعية للكاتب/ وفي منهجه في النقد التشكيلي/ في قراءاته العميقة للسياسة الثقافية في المغرب الراهن/ وفي قراءاته السياسية للسلطة والفساد. ويحاول هذا الكتاب المتقن في تحريره ومنهجيته، الاحاطة بجانب هام من فكر هذا الكاتب، حيث ركز في محاوره،على نماذج وازنة من فكره التشكيلي وفكره الثقافي، اضافة الى رؤيته السياسية. وقبل هذه الإحاطة المركزة والمختصرة، توقف الأستاذ محمد السعيدي، عبر مدخل عام عند الدراسات الموسوعية للأستاذ أديب السلاوي، من خلال أهم مرتكزاتها الفكرية، ومنهجها الأكاديمي في التحليل والقراءة والاستنتاج، في محاولة لتقريب شخصية الكاتب الفكرية الى ذهنية القراء، والطلبة الباحثين. في تقييم أكاديمي للباحث محمد السعيدي، بمدخل هذا الكتاب، أن محمد أديب السلاوي، انكب ككبار المفكرين على كتابة المؤلفات، جامعا ما تفرق من بحوث، وململما ما جد لديه من دراسات، فصدرت له على امتداد عقود، مجموعة من المؤلفات (تفوق الاربعين) غاية في الدقة ونهاية في الإشراف، اعتمدها الطلبة الباحثون في كتاباتهم الادبية والفنية والسياسية(ص11). وفي نظر الباحث أيضا، إن قراءة متأنية لكتب ودراسات هذا الكاتب، تقودنا حتما الى الاعتراف بما له من مقاربات موسوعية، وهو ما يجعله بفضل ثقافته الواسعة، المتنوعة المشارب والمتعددة المصادر، يرقى إلى مدارج السمو الإبداعي بمظاهره الموسوعية المتميزة. وفي واقع الأمر، أن المكتبة العربية، عرفت على يد هذا الكاتب/ م.أ.السلاوي، تأسيسا وازدهارا بفضل مؤلفاته ودراساته ومقالاته المتعددة، والتي خاضت/ تخوض في كل ما له من صلة بالمغرب وأوضاعه الثقافية والفنية والسياسية، وهو ما أغنى/ يغني تراثنا الحضاري /الثقافي والسياسي. هكذا، نجد كتاب " الفكر الحداثي للكاتب محمد اديب السلاوي" يطوف بقارئه (في المحور الأول) عبر العديد من المحطات الفكرية للكاتب، مفهومه الثقافي/ فكره الموسوعي/ نقده الأدبي، من خلال قراءاته للشعر والتشكيل والمسرح والقصة والرواية، وأيضا من خلال مفاهيمه للسياسة والإعلام، باعتباره احد أعلام المشهد الصحفي في المغرب الراهن، خاض معارك متواصلة ضد الرشوة والفساد والبيروقراطية والتخلف والفقر من خلال إصداراته ومقالاته ومواقفه. فاطاريح هذا الكاتب( في نظر ذ السعيدي) موسوعية يتعانق فيها التاريخ بالأدب شعرا وقصة ورواية ومسرحا وتشكيلا بكل روافده وتمظهراته/ وطنية خالصة/ ومستقبلية، تطرح تصورات علمية (ص 30) غاية في الدقة والموضوعية. ***** في المحور الثاني من هذا الكتاب، يبحر بنا الأستاذ السعيدي في " المنهج النقدي الأكاديمي للأستاذ محمد أديب السلاوي" من خلال كتابيه " مائة عام من الإبداع التشكيلي" و "التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" اذ يعتبر كتابه الأول مرجعا فريدا يثرى بما يحتوي عليه من مواد وما يشمل عليه من قراءات وما يؤسس من نظريات وتيارات تشكيلية، إثراء يعزز مكانته لدى الباحثين الجامعيين والنقاد المتخصصين والرسامين المبدعين. ويرى الباحث، أن الناقد محمد أديب السلاوي، أسس بهذا الكتاب/ مائة عام من الإبداع التشكيلي بالمغرب، بما يمكن اعتباره قراءة نقدية متمكنة من أسرار الفن التشكيلي العربي، بتياراته وأجياله وحساسياته المختلفة، انطلاقا من فن الارابيسك، مرورا بالتشكيلات الفنية المرتبطة بالصناعات اليدوية، وصولا إلى ملامح التشكيل الحديث (ص42). أما كتابه الثاني/ التشكيل المغربي بصيغة المؤنث، الذي اعتمده الباحث ركيزة أساسية في قراءته للفكر التشكيلي عند الناقد محمد أديب السلاوي، بشهادة العديد من الباحثين والمؤرخين والنقاد، أول دراسة فنية مرجعية تنبش في ذاكرة المغرب وتحتفى بتاريخه التشكيلي النسائي، عبر حقب ومراحل عرفت مخاضات لإثبات الذات، وهو في نظر الباحث/ السعيدي، ابعد من ذلك " انتولوجيا" ترسم أسس منهج علمي متين، تسمح للنقد التشكيلي بالتوفر على آليات تقنية لاستيعاب الأبعاد الجمالية للتشكيل بصيغة المؤنث، والتعمق في ألوانه ومدارسه واتجاهاته ومراميه الإنسانية. ويرى الباحث السعيدي أن هذه الانتولوجيا توفر للمدارس العليا المتخصصة دراسة منهجية متكاملة، تسهل على الدارسين والباحثين، إنجاز أطاريحهم الجامعية في أيسر الوسائل وأفيدها. ***** وفي المحور الثالث من هذا الكتاب، وقد خصه الباحث محمد السعيدي لقراءة ملامح الفكر الثقافي عند كاتبنا الأستاذ السلاوي، من خلال كتابه " السياسة الثقافية في المغرب الراهن" والذي ركز فيه على العلاقة الجدلية التاريخية لثنائية الثقافة والسياسة. ويرى الأستاذ السعيدي، من خلال هذا المحور، أن للكاتب محمد أديب السلاوي مشروعا ثقافيا،واسعا عميقا، يهدف أولا وأخيرا إلى ايلاء السياسة الثقافية موقعها الصحيح في حياتنا السياسية، من أجل ترسيخ قيمها وآلياتها المنتجة، ملحا على تأسيس المجلس الأعلى للثقافة، على غرار المجلس الأعلى للتعليم، يضم نخبة من رجال الفكر والثقافة بكل أجناسها دون إهمال أو تبخيس لأي واحد منها، بغية رسم سياسة ثقافية مواكبة لتطورات العصر العلمي، بدلا من أن يظل الشأن الثقافي بين أيدي مسؤولين سياسيين، تطغى عندهم السياسة على الثقافة(ص 68) ومن خلال هذا المشروع، تطرق الأستاذ السلاوي، إلى إشكاليات الكتاب والقراءة والمسرح والموسيقى، وكل الآليات الثقافية التي مازلت تحوم في بحار الرجعية والتخلف ببلادنا. ***** في المحور الرابع من هذا الكتاب، يقدم لنا ذ محمد السعيدي، قراءات مركزة في خمسة من كتب الأستاذ محمد أديب السلاوي السياسية، وتتصل جميعها بأسئلة المغرب الراهن، والسلطة والفساد، وهي دراسات شاملة، تتطرق لكل ما يهم الساحة السياسية بشاذتها وفاذتها، معتمدا في منهجها التحليلي على الإحصاءات واستطلاعات الرأي المنجزة والدراسات العلمية والأكاديمية، وهو ما يجعل من هذه الكتب، حلقات مترابطة الأوصال، متماسكة الأجزاء، تشمل في مجموعها موسوعة تقدم للقارئ الكثير من الإجابات عن أسئلة الفكر السياسي المغربي، في الزمن الراهن. في نظر الباحث محمد السعيدي ان إستراتيجية الكتابة السياسية عند الكاتب محمد أديب السلاوي، مترعة بعمق الفلسفة وبنبراتها الأدبية المشوقة وسردياتها التي لا تخلو من التساؤلات الفكرية العميقة أحيانا، والمريرة أحيانا أخرى...إن الحقائق السياسية عند كاتبنا الكبير، ذات سيرورة قدرية، فهي لها جوهرها التاريخي، تسعى للنهل من التاريخ لاستخراج صوره المترابطة النماذج والمشاهد. ولا شك أن لاختيار الأستاذ السعيدي ، لهذه الكتب معنى خاص، ليشكل بها المحور الرابع لقراءاته السياسية في فكر محمد أديب السلاوي، معنى محددا في هذه القراءة. فهي تركز على توجهه السياسي/ على نضاله ضد الفقر والفساد والرشوة والتهميش، وهي إضافة إلى ذلك ترسم بدقة الملامح المذهبية لفكر كاتبنا الكبير، الذي لا يدعي الريادة، حتى وان كان أيقونتها. ***** "من اجل رد الاعتبار" هو عنوان المحور الخامس والأخير من كتاب الأستاذ محمد السعيدي " الفكر الحداثي للكاتب محمد اديب السلاوي" ذلك الفكر الذي أبانت لنا المحاور السابقة، أنه يتميز بتفرده في الإبداع الأدبي وفي النقد التشكيلي والمسرحي والسياسي، و الذي يجد فيه الباحث والأكاديمي مراجع يستمد منها أطاريحه الجامعية، انه فكر موسوعي، تتنوع فيه الأجناس في تقارب، وتمتزج فيه في تداخل/ انه نهضوي بلا إفراط ولا تفريط/ تقدمي بلا مغالاة/ إسلامي وسطي بلا تشدد/ وطني حتى النخاع/ إصلاحي بلا تردد/ أكاديمي/ عالمي/ إنساني/ علمي... في هذا المحور يتساءل الباحث محمد السعيدي في حرقة : كيف لنا أن نصمت وهذا المفكر الوازن، يعاني وهو في عقده الثامن من التهميش، يعيش صامتا في وضعية مادية وصحية صعبة ؟. فهل دقت ساعة الوطن لإنصاف عادل، وحدب رائق لهذا الرجل الكبير الذي أصبح اسمه مرتبطا بهويتنا الوطنية بشدة...؟ وهل دقت الالتفاتة الرؤومة، للاستجابة لنداءات النخب النيرة، التي انطلقت من اجله في كل من الرباط وفاس واكادير والدارالبيضاء...لإيجاد مخرج عادل ومنصف لوضعيته الحرجة ؟. لربما كان هذا المحور من الكتاب، هو الذي يعطي الإجابة الصحيحة عن دواعي تأليفه ونشره في هذه المرحلة من حياة كاتبنا الكبير محمد أديب السلاوي، أطال الله في عمره، وأطال الله في صبره.