بعد يومين من انطلاق العدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة في 7 يوليو 2014 صدر الأمر الملكي بتخصيص مساعدة إنسانية عاجلة لسكان القطاع بقيمة خمسة ملايين دولار، مع توفير إمكانية نقل الجرحى منهم للعلاج بالمستشفيات المغربية. وبغض النظر عن القيمة المادية للمساعدة، فإن حمولتها الرمزية وسرعة إقرارها يمنحانها قوة معنوية تتجاوز الأرقام وتتمنع على الحسابات التي تسبق مواقف البعض وما يتخذونه من احتياطات بهاجس حماية المصالح وحفظ التوازنات وعدم التسرع وتحَسُّب ما ستؤول إليه الأحداث! وإذا كان الفلسطينيون يُقدَّرون الشجاعة الملكية، المدعومة بإسناد شعبي ترجمه الخروج المكثف للمغاربة إلى الشارع للتضامن مع الأشقاء في غزة طيلة أيام العدوان، فإن الخطورة المغربية السباقة هي استمرارلمواقف ترسخت بتضحيات قادة هذه الأمة ورجالاتها منذ عقود. ويندرج هذا التوجه التضامني المبدئي والثابت، الذي يتواصل بنفس القدر من الحضور والجدية، ضمن التزام المغرب بمسؤولياته إزاء هذا الشعب المناضل، ومن دون أن يُخل ذلك بالتزامات البلاد مع شركائها الدوليين، وعلى الخصوص مع الشريك الفلسطيني وقيادته الشرعية. لذلك يتطلع الإخوة الفلسطينيون إلى دورمغربي أكبر في هذه المرحلةالصعبة التي تشهد انشغال أمريكا بقضايا الإرهاب في العراق والشام،وتخبط الروس في الأزمة الأوكرانية، وتراجع دور بعض القوى العربية والإقليمية وعدم حيادية البعض الآخر. إن جنوح اليمين الحاكم في إسرائيل إلى التطرف، بسبب الصدمة من نتائج الحرب على غزة،يمكن أن يشكل دافعا لحكومة الاحتلال للتملص من التزاماتهاورفض العودة إلى القاهرة لاستكمال بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مع ما سيترتب على ذلك من نتائج. ولعل تشجيع المغرب على لعب دور أكبر في عملية السلام في الشرق الأوسط، في ظل الأوضاع الإقليمية الصعبة، أملته عوامل مُعتبرة ليس أقلها شأنا استقرار الإدارة المغربية وثبات أدائها الدبلوماسي، مما يؤهلها لأن تكون مخاطبا، ذي مصداقية، من قبل جميع الأطراف. وفي هذا الصدد، يتوقع الأمريكان والأوروبيون أن يدفع جلالة الملك محمد السادس بجهاز الديبلوماسية المغربية للتحرك بذكاء لاستشراف مآلات اتفاق القاهرة، من دون أن يكون ذلك على حساب الدور المصري، أو البلدان العربية الأخرى المؤثرة على الساحة الفلسطينية. ويُفضل المغاربة، على الأرجح، أن يبقى رعاة اتفاق القاهرة في حالة نشاط متيقظ، على أن يتم تنشيط دور الرباعية في عملية إعادة الإعمار، وما يتطلبه ذلك من تعبئة لأجهزة الأممالمتحدة لتقوم بواجبها في تتبع تنفيذ الالتزامات بالتنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية. وقد نقلت التقارير حجم المأساة التي يعيشها القطاع، والدمار الهائل الذي لحق كافة مدنه، مما يستوجب بذل الجهود المضاعفة لمساعدة الناس على تجاوز المحنة، وإعطاء مدلول خاص لمفهوم التضامن في شقة الإنساني المُلح من خلال جهود الإغاثة والإيواء وإعادة الإعمار. إن نجاح أي دور للمملكة المغربية في هذه المرحلة، لا بد من أن يُسند بموقف فلسطيني متوازن ومتحد. ذلك أن بعض التقارير التي رشحت عن لقاءات جمعت بعض القيادات الفلسطينية تبعث على القلق من احتمال عودة سريعة إلى مُربع الانقسام. لقد بلغ الفرقاء الفلسطينيون مستويات متقدمة من النضج الفكري والسياسي، جراء التراكمات والتضحيات الجسام التي تكبدها المجتمع، ما يجعلهم قادرين على أن يرموا خلافاتهم في وجه المحتل، ويضعوه أمام مسؤولياته في اختيار أقصر الطرق إلى التسوية السلمية. وسيكون مناسبا أن يتجه الدعم السياسي الذي يمكن أن يتلقاه الفلسطينيون من أشقائهم العرب والمسلمين، نحو ترسيخ عزلة الإسرائيليين، وفضح الوجه العنصري الذي يميز سياسات الاحتلال تُجاه الفلسطينيين، مما تجسدتصوره القبيحة خلال العدوان الأخير على غزة. ولذلك فإننا نحتاج لإبراز الوجه الحقيقي لديمقراطية إسرائيل المُوجهة، التي تُنكر على مواطنيها العرب من سكان أراضي48 حقهم في العيش بمساواة وحرية وكرامة، وتخنق القدس بالإغلاقات والحصار وتُثقل كاهل أهله بالضرائب المتنوعة وتُصادر أراضيه بقرارات عسكرية. إن نتائج العدوان الثالث على غزة يستدعي وقفة عربية وإسلامية لتقويم مسار "أوسلو" وما تحقق منه، وما ترتب عن طرح المبادرة العربية من التزامات يمكن البناء عليها لصياغة مشروع مُبتكر يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المتسارعة التي شهدتها المنطقة في العقد الأخير. وسيكون من المفيد أن يتحرر الفلسطينيون من قيود الإكراهات المالية، بتفعيل خط الأمان المالي العربي، ليكون بوسعهم التحكم في استقلالية قراراتهم من دون تأثيرات إقليمية أو دولية، مع ما يستوجبه ذلك من تعزيز سلطة الرئيس محمود عباس لضبط المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنيةالفلسطينية. وفي هذا الصدد سيكون الدور المغربي في دعم القضية الفلسطينية منسجما مع رؤية جلالة الملك، التي تم إقرارها في الاجتماع الأخير للجنة القدس، والنتائج الهامة للدورة العشرين، التي كرستتلازم مسارات الدعم الإنساني والسياسي الواجب تقديمهللاشقاء الفلسطينيين.