-1- لربما يصطدم الجيل المغربي الجديد الذي ازداد بعد المسيرة الخضراء(سنة1975) أكثر من غيره من موقف/ مواقف الشقيقة الجزائر من الوحدة الترابية المغربية، وما يرتبط بها من قضايا و إشكالات اقتصادية و سياسية و اجتماعية، ان على المستوى المغربي كما على المستوى الدولي. والحقيقة أن التوتر بين البلدين، لا يعود فقط الى ملف الوحدة الترابية المغربية، وإنما يمتد إلى أبعد من زمن" المسيرة الخضراء" فمنذ استقلال الجزائر ( مطلع ستينيات القرن المنصرم)، والعلاقات بين الرباطوالجزائر، تتراوح بين التوتر أحيانا و الهدوء أحيانا أخرى، بسبب المواقف العصيبة لقادة الشقيقة الجزائر، وهو ما جعل المنطقة المغاربية، تعيش خلال العقود الماضية، إشكالا من التوتر والغليان، الذي قد لا تفهمه ولا تهضمه الأجيال الصاعدة بالنظر إلى طبيعة هذه المنطقة وتاريخها المتداخل وإمكاناتها و استعداد شعوبها إلى الوحدة و التكامل و الاندماج. و لا باس من الإشارة هنا، إلى أن المغرب و في خضم هذا التوتر الأسود، ما زال يقدم يد الإخاء و المحبة إلى الأشقاء في الجزائر كلما سنحت الفرصة، إلا أن ذلك لم يعط حتى الآن آية نتيجة مرجوة، وهو ما يجعل العلاقات بين البلدين، دائمة التوتر/ دائمة التجاذب، تنتظر باستمرار وفي آية لحظة الانفجار الذي قد يؤدي لا قدر الله إلى ما لا تحمد عقباه، و الذي سيكون ثمنه غاليا ليس فقط على البلدين الجارين، ولكن على كل المنطقة المغاربية. خلال الشهور الماضية، ورغم رفض الجزائر لأية صيغة للتفاهم من اجل فتح الحدود مع المغرب، و رغم تصعيدها للغة التوتر في ملف الوحدة الترابية المغربية، وفي العديد من الموضوعات المشتركة، أبدى العديد من المسؤولين المغاربة، الكثير من التفاؤل حول قرب انفراج ايجابي و عودة المياه إلى مجاريها في العلاقات بين البلدين، وتحقيق التوافق و بداية الوئام بين الجارين اللدودين، ولكن" الضربات المتتالية التي تأتي مباغتة من الرئيس الجزائري المقعد والتي وضعت حدا لكل تفاؤل، وأكدت بصوت عال مرتفع، أن الخصام و التوتر والعداء، متجدر في الاختيار الجزائري، وان العنف السياسي لغة مفضلة لأشقائنا في الجزائر، عفى الله عنهم... -2- يرى العديد من المراقبين في المنتظم الدولي، كما يرى المغاربة، أن أهم المعوقات التي حالت/ تحول دون تحقيق الحد الأدنى من الوئام والتعاون، من أجل إعطاء المغرب العربي/ الكبير صيغته الموضوعية، تتمثل أساسا في نظرة قادة الجزائر إلى الوحدة الترابية المغربية، و التي هي قضية لا يمكن للمغرب إطلاقا، لا التفاوض في شأنها، ولا التنازل عنها، ليس فقط لان الصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، ولكن أيضا لأنها تمثل لكل المغاربة، هويتهم الأساسية، التي يستحيل على المغرب التنفس خارج هوائها. وهذا ما ترفضه الجزائر بقوة، إذ وضعت له إستراتيجية كلفتها الكثير من المتاعب و الأتعاب خلال العقود الماضية، منها ما بذلته من جهود لصناعة منظمة البوليساريو لتكون" دمالة " في صدر المغرب، وما فعلته من أجل تكوينها و تدريبها لتكون جيشا إرهابيا، يهدد سلامة المغرب ووحدته و كيانه. وإيصالها للمنتظم الدولي، كصاحب حق رغما على منطق التاريخ، ومنطق الجغرافيا. وعلى أن المنتظم الدولي، حاول في العديد من االمناسبات وفي العديد من المنظمات، وضع الجزائر أمام مسؤولياتها تجاه فعلتها النكراء، إلا أن الإصرار الجزائري و تعنت القادة الجزائريين، أعطى لصنيعتها البوليساريو، وللصراع ضد المغرب عمرا جديدا... ومتجددا، في محاولة يائسة، لانتزاع الحق المغربي في أرضه...وفي هويته، وهو ما لم يتحقق للجزائر إلى يوم الدين. -3- وبعد أن يأس حكام الشقيقة الجزائر من تحقيق أهدافهم، أومن زعزعة الاستقرار المغربي، أو زعزعة موقفه الثابت، سواء على ارض الصحراء المسترجعة، أو بالمنتظم الدولي/ هيأة الأممالمتحدة و مجلس الأمن، اتجهوا إلى تهديده بلغة السلاح، إذ دخلوا سباقا معلنا نحو التسلح و تجديد ترسانتهم العسكرية، و تخصيص ميزانيات ضخمة للدفاع، بمئات الملايير من الدولارات على حساب شعبهم الذي يعاني من الفقر والفساد ومن انعدام حقوقه الأساسية في العدل و المواطنة. و اليوم، حيث، يدفع الرئيس المريض بالتوتر التاريخي بين البلدين، إلى التموضع على ارض الواقع، يطرح السؤال نفسه بقوة على المنتظم الدولي: من أجل من تتسلح الجزائر؟ من أجل من استوردت ترسانة التكنولوجيات الحربية ؟...هل هو من أجل المغرب؟...أم من اجل حماية منظمة البوليساريو الإرهابية ؟. حسب التقارير الأمريكية، تحتل الجزائر اليوم، مرتبة عسكرية متقدمة، على حساب ميزانيات قطاعات إستراتيجية كالتعليم والبحث العلمي والصناعة والفلاحة وغيرها، فهي ضمن الدول الفقيرة، ولكنها من جانب آخرهي ضمن العشرين دولة في العالم، الأكثر إنفاقا لاقتناء الأسلحة و شراء المعدات العسكرية، وهو ما جعل ميزانية دفاعها انطلاقا من مطلع الألفية الثالثة، تلتهم حقوق الشعب الجزائري في العيش و المعيش. و ليس بعيدا عن هذا الموضوع، لا بد أن نهمس لقادة الشقيقة الجزائر، أن الشعب المغربي صاحب حق في أرضه و صحرائه وهويته، وأن ترسانة الجزائر، لا ترهبه و لا تخيفه، لأنه منذ البداية أعلن للعالم استعداده الدفاع عن حقوقه في كل حبة رمل على أرضه... بكل الوسائل والإمكانات المتوفرة...وحتى الموت. -4- في نطاق رؤيته الواضحة والصريحة لوحدته الترابية، جعل المغرب (سنة 2007) من الحكم الذاتي الموسع، حلا وحيدا للإشكالية التي خلقتها الجزائر وأحاطتها بكافة الأسلحة و الإمكانات من اجل تمزيق هذه الوحدة، و ذلك بعدما حسم خياره الذي يؤكد بكل اللغات، عدم تخليه عن حبة رمل واحدة من رمال صحرائه المسترجعة. تنص مبادرة الحكم الذاتي على ضمان المملكة المغربية، لكافة الصحراويين المغاربة، دورهم الكامل في مختلف هيئات المنطقة و مؤسساتها، على أن يتولى سكان الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، مع توفير كل الموارد المطلوبة لتنمية المناطق الصحراوية المسترجعة، وهو ما رحبت به العشرات من الدول الغربية و الشرقية، الإفريقية و الأسيوية إلا الجزائر التي قابلته/ وما تزال تقابله بالتراشق العشوائي ضاربة عرض الحائط، بالخسائر والانعكاسات السلبية التي تجنيها المنطقة المغاربية، من مواقفها المتعنتة التي أصبحت خارج كل منطق...و كل عقلانية. نحن في المغرب، علمنا التاريخ منذ زمن بعيد، أن لغة التوافق و سياسة الوئام هي اقصر الطرق لتحقيق المقاصد البعيدة والقريبة، وان سياسة العداء و الحرب الباردة، لا يمكن آن تجني إلا الدمار لنا و لغيرنا. لذلك تجدنا دائما وباستمرار، نتمنى أن يقوم القادة في الشقيقة الجزائر بنقد ذاتي لموقفهم العشوائية، من الوحدة الترابية المغربية، فالنقد الذاتي هو الطريق الصحيح لبناء مغرب كبير قوي، قادر على السير، قادر على التنمية وعلى الانخراط في حضارة العالم الراهنة. أفلا تدركون...؟