مع اقتراب حلول موسم الصيف، تزداد مخاوف الأوساط السياحية بفرنسا من عزوف أثرياء الخليج وزوجاتهم عن باريس بسبب قانون حظر النقاب في الأماكن العمومية الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنتين في كامل التراب الفرنسي. وتخشى باريس التي تراهن كثيرا على السياحة الخليجية أن تحوّل العائلات الخليجية والشرق أوسطية وجهتها إلى لندن المدينة المتسامحة مع أغطية الرؤوس الذكورية والأنثوية بمختلف أشكالها. أما قطاع الفندقة فقد نبه منذ سنة إلى التراجع "المقلق" في نسبة الحجوزات بدول الخليج والشرق الأوسط، التي انخفضت إلى 33% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، مما قد يلحق ضررا حقيقيا بالعديد من القطاعات المرتبطة مباشرة بالسياحة كالفندقة، والمطاعم، والملابس والتجهيزات المنزلية، والمراقص الليلية وغيرها. وتخشى الأوساط السياحية أن يكون سحر بلد الأنوار آخذ في الانطفاء تحت ثقل القوانين المتخذة ضد الجالية الإسلامية، وأن تنتزع بلدان مثل إسبانبا وإيطاليا وأيضا بريطانيا الصدارة من فرنسا صاحبة ال82 مليون سائح بأرباح تفوق ال40 مليار سنويا. وتفيد أرقام المكتب الفرنسي للسياحة بأن عدد الوافدين إلى باريس من الشرق الأوسط ودول الخليج تجاوز 820.000 زائر سنة 2010 من بينهم 470.00 في موسم الصيف و230.000 في فترات أعياد رأس السنة وباقي شهور السنة.. ويشكل الخليجيون نصف هؤلاء الزوار وهم من أهم المنعشين لقطاعات الفندقة (بمعدل يوم مبيت ب300 أورو)، وأيضا للمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية المختلفة. ويفضل هؤلاء التسوق بنسبة 46% متقدمين على اليابانيين والأمريكيين، ثم سياحة المتعة والترفيه (41%)، فالسياحة الشاطئية (7%) وسياحة الجدران، أي المآثر التاريخية (3%)، وما تبقى لأغراض سياحية أخرى. وقد تعود أصحاب الفنادق والمطاعم على نمط العيش اليومي للقادمين من دول الخليج، فهم ينامون في ساعات متأخرة من الليل (حوالي الرابعة صباحا) ولا يبدون اكتراثا بوجبات الفطور عند استيقاظهم بل يفضلون وجبة دسمة من الطبخ العربي وخاصة المغربي على نغمات شرقية أو خليجية، وأن تكون الذبائح على الطريقة الإسلامية. وكما لا يمكننا تصور شارع الشانزيليزيه من دون مظاهر الصخب والتمرد في موسم الصيف، فلا يمكننا أيضا أن ننظر إلى هذا الفضاء العريق بمعزل عن عشرات الآلاف من السياح الشرق أوسطيين والخليجيين الذين يتوافدون عليه لأنه الوحيد من بين واجهات باريس العديدة والمتمايزة الذي تغمره حياة المتعة ليلا ونهارا. فهو شارع المشاهير بامتياز وشارع المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم الفاخرة...وهو أيضا شارع الموسيقى والمراقص الليلية وشغالات الجنس من مختلف جنسيات الكون. والمتجول صيفا بأماكن اللهو والمراقص الليلية وبمحلات "السكس شوب" المختصة في بيع مقتنيات الجنس وأشرطة الفيديو، لا بد وأن يقف على التوافد الصارخ للسياح الشرق أوسطيين والخليجيين على الخصوص بحثا عن بعض اللوازم الجنسية أو عن ليلة حميمية في أحضان واحدة من بائعات الهوى العربيات. وتجمع شهادات محترفي تجارة البغاء ومعها بعض استطلاعات الرأي، على أن تجارة الجنس تنتعش بقوة في موسم الصيف مع توافد الزبناء من دول عربية وآسيوية أهمها منطقة الخليج. أما صناعة الجنس، وتخص محلات "السكس شوب"، فترتفع نسبة الرواج بها إلى ما يزيد عن 50 بالمائة في بعض المحلات التي يرتادها الزبناء من الجالية المسلمة. وتتجلى مظاهر التهافت الجنسي العربي بشكل أقوى في المحلات التجارية الكبرى بشارع الشانزيليزيه ومن بينها محل العطور "سيفورا" وهو أكبر وأعرق محل للعطور في أوربا، حيث تتكرر نفس السيناريوهات وتستمر المغازلات والملاحقات لتشمل المضيفات والبائعات وحتى الفتيات اللواتي يأتين للتبضع. وعن تداعيات حظر النقاب على الحركة التجارية بالمحل، تقول السيدة كريمة م. وهي بائعة مغربية في الأربعينات ل"العلم" :"اللباس من الحريات الشخصية وليس لأحد دخل فيه ما دام لا ينتج ضررا للآخرين. وقد بدأت المبيعات في التراجع بالفعل بسبب قلة الزبائن الوافدين من بلدان الخليج على الخصوص". وتقاطعها صديقتها رغدة وهي من أصول سورية يحمل خمارها الملون بصمات أحد كبار مصممي الأزياء الفاخرة بباريس :"غريب أمر هؤلاء الفرنسيون الذين يشترطون على الناس كيف يلبسون ويدعون في نفس الوقت الانفتاح على الثقافات الأخرى. ألا يعرفون أن النقاب والبرقع من تقاليد وأحكام مجتمعات إسلامية؟. إن كانوا هم من هواة العراء، فليتركوا الآخرين يحتشمون كما يريدون بدل أن يغرمونهم أو يمنعونهم من الجنسية". وأفادت دراسة أنجزها قسم الأبحاث الاجتماعية التابع لوزارة الداخلية، بأن معظم النساء اللواتي يتنقبن، يقمن بذلك عن طيب خاطر وأن أعمارهن لا تتجاوز في الغالب الثلاثين سنة. كما أن ندرة ارتدائه (أقل من سيدة على 900 ألف) لا يعطي للظاهرة أية قيمة أو دلالة اجتماعية في التراب الفرنسي، وأن لباسه غالبا ما يكون إما برغبة التميز، أو بدافع استفزاز المجتمع والأسرة كرد على الاحتقان الاجتماعي. وخلصت الدراسة إلى أن إلى أن الظاهرة جد مهمشة ولا تثير حتى الآن أية مخاطر على علمانية الدولة طالما أن النقاب هو اليوم اسم شبه مجهول في النسيج الاجتماعي الفرنسي. ويشمل قانون منع النقاب بفرنسا كل الأماكن العامة وحافلات النقل والميترو والقطارات ووسائل النقل العمومي الأخرى، وأيضا أمام بوابات المدارس والمؤسسات التعليمية، فضلا عن منعه في جميع المؤسسات العمومية والخاصة. ويغرم القانون مرتديته ب 150 أورو أو يجبرها على أن تتلقى تكوينا يسمى التكوين على قيم ومبادئ الجمهورية. كما يقضي بالحبس النافذ لمدة سنة وغرامة ب15 ألف أورو على كل شخص يجبر زوجته أو ابنته أو أخته ارتداء النقاب.