نطقت أرقام المكتب الوطني الفرنسي للسياحة أول أمس بانخفاض كبير في عدد السياح الخليجيين والشرق أوسطيين، الذين اختاروا وجهات أوربية أخرى غير باريس لقضاء عطلهم بسبب تبني الحكومة الفرنسية، قبل سنتين، قانونا يحظر النقاب في الأماكن العمومية. وتخشى باريس، التي تراهن كثيرا على السياحة الخليجية، أن يتزايد عزوف أثرياء الخليج وزوجاتهم عن «عاصمة الأنوار» ويحولوا وجهتهم إلى لندن، المدينة المتسامحة مع أغطية الرؤوس الذكورية والأنثوية، بمختلف أشكالها. أما قطاع الفندقة فقد نبّه المكتب المذكور، منذ الشهور الأولى من دخول قانون منع النقاب حيز التنفيذ، إلى «التراجع المقلق» في نسبة الحجوزات من دول الخليج والشرق الأوسط، التي انخفضت سنة 2012 إلى 23% مقارنة مع السنة الماضية، ما قد يُلحق ضررا بليغا بالعديد من القطاعات المرتبطة مباشرة بالسياحة، كالفندقة والمطاعم والملابس والتجهيزات المنزلية والمراقص الليلية وغيرها.. وتخشى الأوساط السياحية الفرنسية أن يكون سحر بلد الأنوار آخذا في «الانطفاء» تحت ثقل القوانين المتخذة ضد الجالية الإسلامية، وأن تنتزع بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا، وأيضا بريطانيا، الصدارة من فرنسا، صاحبة ال80 مليون سائح بأرباح تفوق 40 مليار أورو سنويا. وتفيد أرقام المكتب الفرنسي للسياحة أنّ عدد الوافدين إلى باريس من الشرق الأوسط ودول الخليج تجاوز عتبة المليون زائر سنة 2010، من بينهم 570 ألفا في موسم الصيف و380 ألفا في فترات أعياد رأس السنة.. ويشكل الخليجيون نصف هؤلاء الزوار، وهم من أهم المنعشين لقطاعات الفندقة (بمعدل يوم مبيت ب300 أورو) وأيضا للمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية المختلفة. ويفضل هؤلاء التسوق بنسبة 52%، متقدمين على اليابانيين والأمريكيين، ثم سياحة المتعة والترفيه (41%) فالسياحة الشاطئية (3%) وسياحة المآثر التاريخية (2%).. وقد تعوّد أصحاب الفنادق والمطاعم على نمط العيش اليوميّ للقادمين من دول الخليج خلال فصل الصيف، فهم ينامون في ساعات متأخرة من الليل (حوالي الرابعة صباحا) ولا يُبدون اكتراثا بوجبات الفطور عند استيقاظهم، بل يفضلون وجبة دسمة من الطبخ العربيّ، وخاصة المغربي، على نغمات شرقية وخليجية، وأن تكون الذبائح على الطريقة الإسلامية. وكما لا يمكننا تصور شارع «الشانزيليزي» من دون مظاهر الصّخب والتمرد في موسم الصيف، فلا يمكننا، أيضا، أن ننظر إلى هذا الفضاء العريق بمعزل عن عشرات الآلاف من السياح الشرق أوسطيين والخليجيين الذين يتوافدون عليه، لأنه الوحيد من بين واجهات باريس العديدة والمتمايزة الذي تغمره حياة المتعة ليلا ونهارا، فهو شارع المشاهير بامتياز وشارع المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم الفاخرة.. وهو أيضا شارع الموسيقى والمراقص الليلية وممتهنات الجنس من مختلف جنسيات الكون. والمتجول صيفا في أماكن اللهو والمراقص الليلية وفي محلات «السّكس شوب» المختصة في بيع مقتنيات الجنس وأشرطة الفيديو، لا بد أن يقف على التوافد الكبير عليها من قِبَل السياح الشرق أوسطيين والخليجيين على الخصوص، بحثا عن بعض اللوازم الجنسية أو عن ليلة حميمية في أحضان واحدة من بائعات الهوى الشقروات. وتتجلى مظاهر التهافت الجنسيّ العربي بشكل أقوى في المحلات التجارية الكبرى في شارع «الشانزيليزي»، ومن بينها محل العطور «سيفورا»، وهو من بين أعرق محلات العطور في العالم، حيث تتكرر السيناريوهات نفسها وتستمر المغازَلات والملاحقات لتشمل المضيفات والبائعات وحتى الفتيات اللواتي يأتين للتبضّع.. وكشف استطلاع صحافي أنجزته «لوباريزيان» في قلب المحل، أنّ من بين الفتيات من فضلن الاستقالة أو العمل في أجنحة أخرى غير تلك المرتبطة بالضيافة أو البيع، على غرار «إلهام»، وهي مغربية من أصول تطوانية، لم تعد تطيق المضايقات المتكررة لبعض «شيوخ» الخليج، فطلبت الانتقال من خلية الإرشادات والاستقبال إلى جناح التغليف :»لقد ولدت وتربيت مسلمة في باريس وتعرّفت على الخليجيين والعرب بشكل عامّ من خلال عملي، لكني طلبت الانتقال إلى جناح التغليف بعد المضايقات و»المهازل» التي أشاهدها يوميا من بعض العرب الخليجيين»، تقول «إلهام» مضيفة أن «البعض يبدون متعطشين إلى المرأة وكأنهم كانوا محبوسين في كهف.. ثم إن طريقتهم في اللباس وفي اختيار الألوان الفاقعة، كالأصفر والبرتقاليّ، تبدو لي مضحكة».. وتقاطعها صديقتها الفرنسية، «بولين»، وهي تعمل في أجنحة البيع، لتكشف أنها تتلقى يوميا عشرات أرقام الهواتف وهدايا ودعوات من شيوخ عرب يدعونها إلى قضاء «ليلة ساخنة»، ويفعلون ذلك داخل المحل، وزوجاتهم في طابق آخر للتسوق.. «فالبنت عند هؤلاء جسد للمتعة فقط، وهذا ما يُضايقنا نحن البائعات كثيرا حتى وإنْ كان البعض منا يستسلمون لإغراءات الهدايا والمال»، تقول «بولين»، قبل أن تؤكد أن الأموال التي تحصدها بعض صديقاتها من العرب الخليجيين في فترات الصيف وأعياد رأس السنة تُغنيهنّ عن العمل طيلة السنة إلى أن يحين الصيف، لتتكرر التحرشات نفسها والسيناريوهات نفسها.