بقرارها الأخير، القاضي بتخفيض سعر البنزين الممتاز فقط من دون الغازوال والفيول الصناعي، تثبت حكومة السيد عبد الإله بنكيران في نسختها الثانية على أنها ما زالت مستمرة في التعاطي مع تدبير الشأن العام الاقتصادي بطريقة سياسوية، بل إنها مستمرة في التضحية بالقضايا الاقتصادية لأهداف سياسية. يبدو أن الحكومة الجديدة دشنت دخولها الاقتصادي بقرار يتسم بالعشوائية والارتجالية والانتقائية، من دون جدوى لا على المواطنين والمواطنات، ولا على الاقتصاد الوطني، ولا على المالية العمومية، وذلك عوض وضع تصور ورؤية واضحة المعالم لإصلاح حقيقي وناجع لنظام المقاصة. اليوم، حكومة بنكيران 2، عمدت إلى تخفيض سعر لتر البنزين الممتاز ب 32 سنتيما ابتداء من 16 أكتوبر2013، ليصبح سعره 12,45 درهم بعدما كان محددا منذ 16 شتنبر الأخير في 12,77 درهم، في حين لن يطرأ أي تغيير على الغازوال والفيول الصناعي. إن تطبيق هذا التخفيض «فقط» على سعر البنزين، من دون الغازوال والفيول الصناعي، يستوجب الوقوف على مجموعة من الملاحظات والمفارقات، حيث أن الحكومة في بلاغها المتعلق بهذا التخفيض تفادت الإعلان على أن هذا القرار جاء على أساس تطبيق قرار نظام المقايسة الموقع من طرف السيد رئيس الحكومة. لعل ذلك راجع إلى كون نظام المقايسة يرتكز على سعر برميل النفط في الأسواق الدولية، مع تحديد قانون المالية لهذا السعر في 105 دولار بالنسبة لسنة 2013، دون تمييز بين الغازوال والبنزين. وبالتالي، فإنه من غير المفهوم، لا اقتصاديا ولا علميا، كيف يتم اليوم، خفض سعر البنزين الممتاز دون الغازوال. كما أن تطبيق نظام المقايسة والرفع من أسعار البنزين والغازوال والفيول الصناعي في منتصف شهر شتنبر كان على أساس معدل سعر البترول في الأسواق الدولية، بحسب المؤشرات المعتمدة من طرف «THOMSONS-REUTER»، خلال الشهرين الذين سبقا الزيادة والذي حدد في 108,99 دولار. أما الآن، فمعدل الشهرين السابقين هو 111,25 دولار للبرميل، ومع ذلك تم تخفيض السعر الوطني للبنزين الممتاز، فعلى أي أساس تم ذلك؟؟؟؟ ومن جهة أخرى، لعل الحكومة لم تقرر تخفيض سعر الغازوال، كون أن تخفيض 32 سنتيم في سعر الغازوال، سيكلف خزينة الدولة بالاعتماد على الاستهلاك الشهري تقريبا أزيد من 133 مليون درهم في الشهر، في حين أن خفض سعر البنزين لن يكلف الميزانية أكثر من 14 مليون درهم إلى غاية منتصف نونبر القادم، وهو مبلغ ضئيل، لن يكون له تأثيرا ملحوظا على الغلاف المخصص للمقاصة. ولعلنا نتساءل هنا عن جدوى مثل هذه الإجراءات التي تهم البنزين الممتاز والتي ليس لها أي مضمون اقتصادي، بل هدفها الوحيد هو تغليط الرأي العام واستمالة مشاعر المواطنين والمواطنات، خصوصا وأن الحكومة ألمحت غيرما مرة إلى أنها تتوجه نحو تحرير كلي لسعر البنزين الممتاز خلال الأشهر القليلة القادمة. وبناء على كل ما سبق، يمكن أن نستشف أن قرار تخفيض السعر اليوم للبنزين «فقط»، لا يعدو إلا أن يكون إجراءا سياسويا، يبين جليا أن الحكومة تواصل استغباء الرأي العام وتتعامل باستخفاف مع تطلعات المواطنين والمواطنين. بل تبتغي حكومة بنكيران في نسختها الثانية، من دون شك، من وراء هذا القرار إيهام الشعب المغربي بأنها تخفض سعر المحروقات ولو كلفها الأمر التضحية ب14 مليون درهم، والحقيقة أنها لم تعمد إلى تخفيض سعر الغازوال، الذي يؤثر بشكل مباشر على المعيش اليومي للمواطن، في حين أن تخفيض سعر البنزين الممتاز يخدم بالأساس الفئات الميسورة والغنية التي تقتني السيارات الفارهة التي تستهلك البنزين. إننا اليوم، إذ نحلل القرار الأخير القاضي بتخفيض سعر البنزين الممتاز، إنما نحث الحكومة في نسختها الثانية على أن تقطع مع ممارساتها السابقة، وأن تبتعد عن الاستغلال السياسوي الضيق للقضايا الوطنية المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وأن تكف عن التلاعب بمشاعر الشعب المغربي، وأن تحرص بايجابية ووطنية على اتخاذ الإجراءات وإنتاج القرارات وفق منظومة للإصلاحات الاقتصادية الشاملة وأجندة وطنية متحكم فيها ومعلومة لدى كافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين. على الحكومة الجديدة أن تكف عن التضحية بالشأن الاقتصادي لأهداف سياسية، وأن تسعى لوضع رؤية اقتصادية واضحة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، من أجل إخراجه من الأزمات التي يعانيها، والتي لن تعالجها إجراءات معزولة، قيمتها المضافة الاقتصادية منعدمة وقيمتها المضافة الاجتماعية سلبية. على الحكومة الجديدة أن تعي أننا لا ننخرط في السجالات السياسوية والمزايدات السياسية الفارغة، بل يحركنا الحس الوطني الذي طبع توجهات حزب الاستقلال على مدى تاريخه الحافل بالنضالات من أجل الصالح العام قبل وبعد الاستقلال. «إلى العمل» ألم تكن هذه، بحسب قول رئيس الحكومة نفسه، هي نصيحة الملك محمد السادس إلى الحكومة الجديدة. فعليها إذن أن تعمل وتعطي الإشارات الحقيقية والعملية للمواطن، على أنها انخرطت فعليا في تفعيل شعاراتها بخصوص الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وتحسين الحكامة ومحاربة الفساد واقتصاد الريع، مما سيساهم حتما في إعادة الثقة لجميع الفاعلين وانخراط الجميع في حماية المصالح العليا للبلاد، انسجاما مع الروح التي بثها تبني الشعب المغربي للدستور الجديد، الذي أسس لاستثناء مغربي في محيطه الإقليمي، نريده جميعا أن يبقى كذلك.