عندما زفَّت إلينا الحكومة بشرى رفع أسعار المحروقات هذه الرة فضَّل بنكيران أن يزفه عبر بيان، وترك الأمور لوزيره الذي تولى مخاطبة المواطنين لطمأنتهم بأن هذا القرار لايمس قدرتهم الشرائية، وأن ما أقدمت عليه الحكومة يندرج في إطار المقايسة، وأن الحكومة ستدفع الفرق من خزينتها إلى أرباب النقل. الرفع من أسعار المحروقات سواء كان عن طريق المقايسة أو تحت أية مظلة أخرى يظل هو هو بالنسبة للمواطن، ولابد أن يضرب قدرته الشرائية في الصميم، إذ لايمكن أن تقنعنا الحكومة بأن قرارها لن يمس جيوب المواطنين، وأن الموادَّ الغذائية لن يطالها أي ارتفاع في الأسعار، وأن أرباب النقل سيحصلون على الفارق بين السعر القديم والجديد للمحروقات من ميزانية الدولة. »المقايسة« التي اختارتها الحكومة هذه المرة لتمرير أو لتبرير هذه الزيادة مصطلح اقتصادي يصعب على المواطن البسيط استيعابه، بل إنه اصطلاح نادرا مايلجأ رجال الاقتصاد المتخصصين لاستعماله إلا في بعض الدراسات التي تظل نظرية أكثر منها عملية. وأنا العبد الضعيف إلى الله لم يتناه إلى مسمعي اصطلاح المقايسة إلا لِمَاماً، ولم أكن أتوقف عنده أبداً إلى أن تداولته حكومة بنكيران في الأيام الأخيرة وطبقت الزيادة في أسعار المحروقات في إطاره يوم 16 شتنبر 2013. والمناسبة شرط كما يقال، فقد ذكرتني »المقايسة« بما كنت أقرأه في الكتب القديمة، واستسمحكم في أن أسرد ما أعرفه عن هذا الاصطلاح، لعل ذلك يفيد المواطنين الذين لايعرفون المقايسة، وآمل أن أساعدهم لمعرفة مدلول المقايسة الحقيقي. فحسب ماقرأت عن المقايسة أنها ترتبط بإبليس لعنه الله، فقد ذكر حسن البصري، »قاس إبليس، وهو أول من قاس« وقال محمد ابن سيرين: »أول من قاس إبليس، وماعبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس«. ويروى أن إبليس نظر في نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أفضل من آدم. فامتنع عن السجود، مع وجود الأمر الإلاهي له ولسائر الملائكة بالسجود والقيام، وقد لعن الله إبليس لأنه قاسَ نفسه بآدم، وعصا أمر الله عز وجل، لذلك استحق الطرد، فهو من فساد نفسه قاس نفسه بآدم عليه السلام. وأنا إذ أسرد مقايسة إبليس عليكم، أرجو ان تضعوا أمامها مقايسة الحكومة، وتنجزوا مقايسة بين المقايستين، فقد تقرب لكم مدلول رفع سعر المحروقات، ومهما أسفرت عنه مقايستكم فإنني لا أتمنى أن يكون مآل مقايسة حكومتنا هو نفس مآل مقايسة إبليس، رغم أن هناك حقا ما مشتركا بينهما يتجلى في كون الطرفين معاً قاما بالمقايسة لأول مرة. وبعد.. ما ضَيْرُ حكومة بنكيران أن تبتعد عن هذه المقايسة التي تذكرنا بمقايسة إبليس لعنه الله، وذلك من خلال تنفيذ وعودها بإصلاح صندوق المقاصة؟، لو قامت بذلك لكانت 40 مليار درهم المخصصة لدعم المحروقات والسكر والدقيق كافية لتغطية الفرق بين أسعار المحروقات داخل المغرب مع نظيرتها في السوق الدولية، لكنها الإملاءات والضغوط، وهي التي جعلت فقراء المغرب وأثرياءه على قدم المساواة يكتوون بهذه الزيادة. وإذا كان بنكيران يجيد فن الكلام والتواصل، فقد فشل هذه المرة في إقناع المواطنين بهذه الزيادة، لا، بل تحاشى التحدث إليهم لشرح أبعاد هذا القرار، لسبب وحيد هو أن ليس له مايبرر به القرار المذكور. والآن، على أية حالة، فقد رفعت الحكومة أسعار المحروقات، وكما يردد السيد بنكيران دائما: »والآن انتهى الكلام«.