موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والمنعطف المؤسس لمشروع جديد للنهضة
سياسة واشنطن بين تيارين
نشر في العلم يوم 19 - 08 - 2013

مكن تدخل قوات الأمن المصرية صباح يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013 لفك إعتصام أنصار حركة الإخوان المسلمين في كل من ميداني النهضة ورابعة العدوية بمدينة القاهرة واللذان كان قد مضى عليهما زهاء ستة أسابيع، من التحديد الواضح لعدة معطيات لها أبعادها على الساحة المصرية أولا والشرق أوسطية ثانيا.
المسجل أن فك الإعتصام الذي لوحت به الحكومة عدة مرات قبل تنفيذه، تم تحت أعين العشرات من رجال الإعلام الأجانب والمصريين بترخيص من السلطات، وهو ما كان جزء من محاولة لمنع نشر معطيات خاطئة أو مدسوسة، ولكن ذلك لم ينفع سوى بنسبة محدودة.
وصفت مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" في القاهرة ابيغيل هاوسلوهنر في تقرير لها من ساحة رابعة نشرته الصحيفة يوم الخميس 15 أغسطس ما رأته من مشاهد وحوادث بينما كانت عالقة يوم الاربعاء بين المعتصمين واطواق رجال الأمن المصريين الذين فرقوهم وتقول: وصلنا، اثنان من زملائي في "واشنطن بوست" وأنا، إلى الموقع قبيل الساعة 8 من صباح الأربعاء، قبل نحو ساعة من بدء قوات الأمن في مداهمة المخيم الذي "ظلت التحذيرات تأتي على مدى أسابيع بقرب إخلائه.
الهجوم من جانب قوات الشرطة المصرية على مخيم قوى المعارضة الرئيسي كان مذهلاً وسريعا، وهو هجوم حول الميدان والشوارع المحيطة إلى ساحة حرب.
وارتفعت سحب الدخان الأسود والأبيض من النيران وقنابل الغاز المسيل للدموع في الداخل. وهدمت الجرافات الخيام والجدران الاسمنتية وصفوف اكياس الرمل التي اقامها المحتجون.
وبحلول الظهر، اخذت الاشتباكات التي حصرتنا تنحسر، بعد ان دفعت الشرطة المتظاهرين بعيداً عن طوقها. وتلمسنا طريقنا مارين بصفوف من افراد الشرطة بمعداتهم، وسيارات حيث جلس رجال احتجزتهم القوات الحكومية" وأمامهم كمية من الأسلحة النارية والذخائر.
المعطى الأول بعد فك الاعتصامين كان أنه كان هناك سلاح بين أيدي أنصار حركة الإخوان وهو ما كانوا ينكرونه ويؤكدون أن احتجاجاتهم سلمية. بعد أيام وأثر تأكيد عشرات المصادر المحايدة وجود سلاح في قبضة أنصار الرئيس السابق محمد مرسي، حاول الإخوان تبرير الأمر حيث ذكرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور: أن المتحدث بإسم التحالف المؤيد للشرعية محمد عقدة صرح لها دعونا لسلمية المظاهرات ولكننا لا نستطيع منع الشباب من اللجوء للعنف، نحن لا نستطيع السيطرة عليهم، محذرا من أن الأمور ستصبح أكثر عنفا.
المعطى الثاني هو أن التمكن من إنهاء اعتصامي النهضة ورابعة خلال ساعات، صدم حركة الإخوان وأنصارها الداخليين والخارجيين الذين راهنوا على مواجهة طويلة ترافقها هجمات واسعة للإخوان في كل أنحاء مصر. خبراء عسكريون أمريكيون ذكروا في تقاريرهم المرفوعة إلى البيت الأبيض، أن اعتصامي القاهرة كلما طالت مدتهما يمكن أن يتحولا إلى حرب واسعة تشق صف الجيش المصري وتسمح بتدخل خارجي تحت غطاء وقف الحرب الداخلية.
شق الصفوف
المعطى الثالث كان رغبة الإخوان وحلفائهم بث الخلاف بين مكونات السلطة الجديدة في مصر بشأن طريقة إنهاء الاعتصام، والعمل على كسب تأييد مكونات سياسية شاركت في انتفاضة 30 يونيو الشعبية التي أسقطت الرئيس مرسي. بعض من التخطيط نجح بعد استقالة البرادعي من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية المؤقت. هنا يجب التذكير أن عدة قوى سياسية مصرية مناهضة للإخوان كانت قد اعترضت على تعيين البرادعي معتبرة أنه بمثابة حصان طروادة الأمريكي على الساحة المصرية، تماما كما كان للعراق قبل الغزو الأمريكي سنة 2003.
رباب المهدي استاذة العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في القاهرة قالت قبل فض إعتصامي رابعة والنهضة: "هناك توجهان متعارضان داخل الحكومة"، يتمثل الأول بقادة وزارة الداخلية والجيش ويؤيدون التدخل، فيما "لدى الفريق الاخر الممثل بنائب الرئيس محمد البرادعي ونائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين مقاربة أكثر ديموقراطية".
وبذلك تجد الحكومة نفسها عالقة بين ضغط شعبي يطالب بسرعة تفريق المعتصمين ودعوات دولية لضبط النفس كما قال اتش.ايه هيلير الباحث في معهد "بروكينغز انستيتيوت".
لكن المهدي قدرت أن تصعيد هجمات المقاتلين المتشددين في البلاد كما في الخارج قد يجعل كفة الميزان تميل لصالح حل امني.
وقالت المحللة السياسية في هذا الصدد "ان تزايد الخطر في سيناء، كذلك الأحداث في اليمن او في باكستان، سيدفع الحكومة للقول أن ما يجري دليل على أن الإسلاميين يقعون في الإرهاب، وذلك يخفف قليلا من الضغط عليها".
ولاحظت أنه بتكثيف التحذيرات والاعلانات المخادعة عن تدخل وشيك عبر الصحف "حاولت الحكومة القيام بكل ما بوسعها للحد من المخاطر"، آملة في أن يغادر معظم المتظاهرين المتجمعين مع نساء وأطفال في مكانين في القاهرة من تلقاء أنفسهم، كما قال اتش.ايه هيلير. وبذلك لن يكون أمام الشرطة سوى مواجهة المتشددين.
لكن أيا تكن تدابير الحيطة التي تتخذها قوات الأمن فان موقف المتظاهرين سيكون حاسما في تتمة الأحداث بحسب الخبراء. فهم متهمون من قبل الحكومة وكل الصحافة تقريبا بتخزين أسلحة فيما أفادت منظمة العفو الدولية عن حالات تعذيب لمعارضيهم ضمن الاعتصامات.
تجنب الفخاخ
المعطى الرابع كان أنه خلال الأسابيع الستة التي استمرها الإعتصام، وتصورها الإخوان كمؤشر ضعف من طرف الحكومة، تقلص عدد المتجمعين في رابعة والنهضة رغم التسهيلات المادية والمعنوية وذلك رغم الزيادات الدورية في عدد المعتصمين كلما شعرت قيادات الإخوان أن الهجوم أصبح وشيكا. في الجانب الأخر كانت أجهزة الأمن المصرية تحصن نفسها من مواجهة فوضى جديدة مثل تلك التي حدثت في أعقاب أحداث 25 يناير 2011، وخاصة مهاجمة السجون وإطلاق سراح عشرات آلاف سجناء الحق العام وغيرهم مما يولد الفوضى وينشر الجريمة، كما جاء التفويض الشعبي العارم بأكثر من 22 مليون متظاهر يوم 9 أغسطس 2013 لحماية الشرعية الثورية ودعم جهود مكافحة الإرهاب ليعزز عزيمة رجال قوات الأمن ويسد الطريق على أي محالة لإنسحابهم من المواجهة.
الأسابيع الستة مكنت كذلك الأجهزة الأمنية من رصد كل ما أمكن من المسلحين سواء في صحراء سيناء أو أرجاء مصر الأخرى ومصادرة الأسلحة التي كان يسعى لتهريبها سواء من قطاع غزة أو الحدود الليبية لتعزيز الترسانة الموجودة التي لم يتم كشفها.
الخطة الأمنية لمواجهة تداعيات ما بعد تصفية إعتصامي رابعة والنهضة، كانت تنص على عدم الإنجذاب وراء خطط الإخوان لتشتيت قوى الجيش والشرطة في كل أرجاء البلاد لمواجهة الهجمات التي ستشن، والإبقاء على تركيز الجهد الرئيسي في القاهرة التي تضم أكثر من 20 مليون نسمة أي حوالي ربع سكان البلاد الذين يقدرون حاليا بحوالي 90 مليون نسمة، والتي يحشد الإخوان أغلب جهدهم فيها، على أن يتم لاحقا وبعد حسم المواجهة على ساحة القاهرة الكبرى تحويل جهد التأمين الأمني على باقي أقاليم مصر وخاصة منطقة المنيا التي تعتبر أهم تركيز للإخوان خارج العاصمة.
وفي حين لوح تحالف "دعم الشرعية" الذي تقوده جماعة "الإخوان" ب "فوضى عارمة في الشارع"، شدد الحكم المؤقت على الإصرار على المضي قدما في تنفيذ خريطة الطريق التي كان الجيش قد حددها مطلع شهر يوليو 2013، والتي تنص أساسا على إجراء إنتخابات خلال الثلث الأول من سنة 2014 والعودة بالبلاد إلى النظام الديمقراطي المعتمد على صناديق الإقتراع.
الناطق بلسان "الإخوان" جهاد الحداد قال لوكالة "رويترز" بعد فض تجمعي القاهرة، إن الجماعة وحلفاءها تلقوا "ضربة قوية جدا من أجهزة الدولة، وفقدنا القدرة على التنسيق المركزيً"، مشيرا إلى إن إراقة الدماء زادت صعوبة إقناع أعضاء الجماعة بالالتزام بالسلمية للحكومة. هكذا لخص القيادي في التنظيم الوضع داخل الجماعة التي تشتهر بالتنظيم والالتزام بالتكليفات التي تخرج من داخل اجتماعات القيادات، ما أيده نائب رئيس حزب "الوطن" السلفي المنخرط في تحالف "دعم الشرعية" يسري حماد الذي هدد في تصريحات لصحيفة "الحياة" اللندنية ب "فوضى عارمة في الشارع". وقال "سيكون هناك عنف وفوضى عارمة، ولن تستقيم أي دولة تقوم على الانقلاب، وواهم من يظن أن هناك رئيس ستستقيم له الأمور في المستقبل".
كمال حبيب، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أرجع ارتباك "الإخوان إلى عدد القتلى الذي وصل إلي أكثر من 600 شخص وفقا للأرقام الرسمية، موضحا "التنظيم مرتبك، ففي كل شعبة يوجد قتيل أو مصاب، وهو ما يؤثر على عدد الموجودين في الشوارع". مصادر رصد أوروبية ذكرت أن غالبية من سقطوا في المواجهات المسلحة مع قوات الأمن كانوا من قادة خلايا التنظيم في مختلف أنحاء مصر ومن المصنفين ضمن النخبة المدربين جيدا سواء في صفوف حماس أو عبر قنوات أخرى على حمل السلاح وتنظيم المقاومة والتسليح.
ولم يخطب أي من قيادات الجماعة طوال اليومين اللذين تبعا تفكيك الاعتصامين خلافاً لما كان عليه الحال خلال الأسابيع التي تلت عزل محمد مرسي في الثالث من يوليو. لا موقف "إخوانياً" سوى رسالة مطولة من المرشد العام محمد بديع نشرت على موقع الجماعة، "إخوان أونلاين"، وجاء فيها: "الشعب الأبي يمارس المقاومة السلمية رغم ضراوة ووحشية الانقلابيين، وسيظل هكذا حتى يزول الانقلاب".
الدكتور عمار علي حسن، الباحث والمحلل السياسي، قال من جانبه أن صفحة تنظيم جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر قد طويت على الأقل في الفترة الحالية، مشيرا إلى أنه في جميع المرات السابقة في تاريخ "الإخوان"، كانت الجماعة مجرد تنظيم سري مقاوم، وليس حاكماً، وينظر إليه على أنه أحد فصائل المعارضة، ويتلقى تعاطف الكثيرين من الشعب المصري.
وتابع حسن "الوضع الآن مختلف، فالجماعة بعدما أصبحت في السلطة ، بدأت في اتخاذ قرارات ووضع مشاريع خاصة بها ولمصلحتها، وأساءت إلى الوطن والمواطنين"، مضيفاً "الجماعة في السابق كانت تواجه من قبل أجهزة الحاكمة، أما الآن فالجماعة تواجه من جانب شعب غاضب بأكمله"، لذلك فإنّ "قدرتها على إعادة تنظيم صفوفها مرة أخرى تحتاج إلى فترة طويلة من الزمن".
وأشار حسن إلى أن التنظيم الدولي للجماعة المتمثل في حركة حماس في فلسطين، و"حركة النهضة" في تونس وغيرها من الدول، سيجاهد من أجل مساندة الجماعة في مصر، لافتا إلى أن مفاتيح قوة جماعة "الإخوان المسلمين"، المتمثلة في الجهاز السري والتنظيم الدولي والمال، قد أصابها الخلل.
وأكد القيادي السابق في الاخوان مختار نوح فقدان السيطرة على تنظيم "الإخوان" الذي كان يوصف ب"الحديدي"، وذلك نتيجة لتحالف الجماعة مع تنظيمات وكيانات إسلامية لا تتقارب معها في تفكيرها الدعوي، على غرار "الجماعة الاسلامية"، مضيفا "الاخوان ليس من افكارهم مواجهة المسيحيين، لكن وجود اعضاء الفكر السلفي بين صفوف المتظاهرين هو ما يدفعهم إلى إحراق الكنائس".
تحديد المعسكرات والتحالفات
المعطى الخامس كان الإثبات شبه المطلق سواء للرأي المصري والعربي أو الدولي أن الولايات المتحدة قد نسجت تحالفا وثيقا ليس مع حركة الإخوان في مصر وحدها بل مع ما يطلق عليه التنظيم الدولي أو العالمي للإخوان، وأن هذا التحالف مبني على تبادل مصالح وتفاهمات سياسية، جزء منها منبثق عن مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي وضعت خطوطه الأكثر حداثة خلال حكم الرئيس بوش الإبن.
إلا أنه رغم هذا التحالف تبينت محدودية قدرة واشنطن على التدخل، وهو ما زاد من تخبط وتضارب تصريحات وتحركات مراكز تحديد سياسة البيت الأبيض.
كتب المحلل في "رويترز" بول تيلور في مقال كتبه يوم الجمعة 16 أغسطس انه "بعد فشل الحكومات الغربية في إثناء حكام مصر الجدد عن شن حملة على أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بدأت تلك الحكومات في التعبير عن إدانتها والبحث عن سبل للتأثير على النتيجة التي ستؤول إليها الأوضاع في البلاد.
حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معا تيسير التوصل إلى حل سياسي سلمي للمواجهة بين الجيش و"جماعة الإخوان المسلمين" وحثتا حتى آخر لحظة على تجنب العنف.
وتساءل مينزيس كامبل العضو البارز في البرلمان البريطاني المنتمي إلى حزب الديمقراطيين الأحرار الشريك الصغير في الحكومة الائتلافية "ما الذي كان بإمكاننا أن نفعله غير ذلك؟" وأضاف: "هذا لم يؤكد فشل الدبلوماسية الغربية بقدر ما هو عجز".
وأبلغ كامبل "رويترز" في حديث هاتفي: "لا شك في أن هذه انقسامات أساسية بخصوص نوعية المجتمع الذي يريده كل طرف من طرفي الخلاف".
وبعد أن عجز عن إقناع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي والمؤسسة الأمنية بالعدول عن موقفهما بات الغرب يواجه مأزقا بخصوص كيفية التوفيق بين مبادئه المعلنة ومصلحته الحيوية في مصر التي توجد بها قناة السويس.
وقال دانيال ليفي مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وهو مؤسسة بحثية: "يحتاج الغرب إلى إيجاد طريقة مدروسة لتعليق المساعدات والمزايا الاقتصادية تظهر للطبقة السياسية غير العسكرية أنها ستدفع ثمنا في أشياء تهمها".
وأدان الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشدة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية وأعلن يوم الخميس 15 أغسطس إلغاء مناورات عسكرية مشتركة مع مصر، وأضاف أوباما أن واشنطن تريد أن تكون شريكا لمصر على المدى الطويل وتضع نصب عينيها مصالحها الوطنية في هذه العلاقة القديمة.
خطوة إلغاء المناورات المشتركة إعتبرها البعض سخافة لأنه لم يكن من الممكن إجرائها على أي حال في ظل الظروف الحالية.
وفي ظل ما يواجهه أوباما من ضغوط في الكونغرس من جانب المحافظين الجدد وأنصار تحالف واشنطن مع حركة الإخوان لوقف المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لمصر سنويا وقيمتها 1550 مليون دولار قال الرئيس الأمريكي إنه يدرس مزيدا من الخطوات التي قد تكون ضرورية في علاقة الولايات المتحدة مع القاهرة.
غير أن المساعدات الأمريكية ومعظمها في صورة مبيعات أسلحة أمريكية تبدو الآن ضئيلة خاصة إذا ما قورنت بتلك التي تعهدت السعودية والإمارات والكويت بتقديمها للقاهرة وقدرها 12000 مليون دولار بعد أن عزل الجيش مرسي في الثالث من يوليو استجابة لاحتجاجات شعبية عارمة.
وقال الرئيس اوباما عن التضارب في المصالح "ندرك مدى تعقيد الوضع"، وندد بالذين ينتقدونه، بمن فيهم الذين في مصر، الذين يلومون أمريكا على ما يعانون منه. وذكر اوباما "وجه انصار مرسي اللوم إلينا. ووجهه إلينا الطرف الآخر. وهذا الأسلوب لا يفيد في مساعدة المصريين في بلوغ المستقبل الذي يرنون إليه".
وأعرب مسئولون في ادارة اوباما عن قناعتهم بان الانتقاد المضاد لامريكا دليل على أنهم غير منحازين. غير أن رسالة واشنطن كانت متباينة في بعض الأوقات.
وخلال شهر أغسطس قال وزير الخارجية جون كيري أن عزل الجيش لمرسي كان تنفيذا لرغبة غالبية المصريين، لكنه عاد سريعا ليحاول شرح ما كان يعنيه ولكن بشكل مختلف. وقبل ذلك ببضعة اشهر، حاولت السفيرة الامريكية في مصر آن باترسون التقليل من أهمية المعارضة الشعبية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، وتصوير ثورة عشرات الملايين من المصريين على الرئيس المعزول على أنها مفبركة ويقودها مخربون وبلطجية.
استطلاعات الرأي أظهرت أن مكانة الولايات المتحدة في المنطقة قد انخفضت بوجه عام مع إنتشار إقتناع لدى الجماهير بأن واشنطن تطبق ما يسمى بسياسة الفوضى الخلاقة التي وضعها المحافظون الجدد من أجل إعادة رسم خريطة دول المنطقة وتقسيم دولها إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية ومذهبية ومناطقية مما يسهل على الغرب الهيمنة على المنطقة الشرق أوسطية سياسيا وإستراتيجيا وإقتصاديا.
آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام الأمريكي سابقا، والذي يعمل حاليا نائبا لرئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء في واشنطن ذكر في تعليق على موقف البيت الأبيض "كان هذا ضربة قوية لمصداقية ومكانة امريكا. وان كنت اعتقد انه ليس نهاية العالم بالنسبة مصالح امننا الرئيسية".
سياسة العصا والجزرة
يقول كامبل العضو المحنك في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني "الرد المناسب من أمريكا الآن هو أن تراقب الجيش عن كثب وتقول إنها ستوقف إرسال الأموال غدا". وأضاف "ذلك لن يؤثر مثقال ذرة على قدرة الجيش... لم أكن لأقول ذلك علنا ولكنني بالتأكيد كنت سأقوله في الاجتماعات الخاصة "هل تدركون أن كل هذا الدعم قد يكون معرضا للخطر؟'".
الحقيقة أنه لم يعد أمام إدارة أوباما سوى خيارات معدودة بعد أن أثارت حفيظة دول الخليج باحتضانها ما سمي انتفاضات الربيع العربي التي قادت وأدخلت أربع دول عربية في دوامة العنف والفوضى والتدهور الإقتصادي وهددت بتحويلها إلى دول فاشلة معرضة للتفتت والتقسيم على أسس عرقية ودينية ومذهبية.
هناك هاجس آخر يطارد ساسة واشنطن سواء في يقظتهم أو منامهم، وهو استغلال موسكو فشل سياسة البيت الأبيض في المنطقة العربية وتصعيدها عبر تحالفاتها مع تكوينات سياسية معينة لعداء الشعوب، لإعادة نفوذ الكرملين إلى المنطقة المركز في منطقة الشرق الأوسط الكبير.
مثلا يبدو أن زيارة عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوريين جون مكين ولينزي غراهام إلى القاهرة خلال النصف الأول من شهر أغسطس بدعوى المساعدة على إبعاد مصر عن شفا الهاوية وإنقاذ الدور السياسي المستقبلي لحركة الإخوان، قد جاءت بنتائج عكسية إذ مكنت الجيش من حشد الرأي العام لرفض "التدخل الأجنبي".
ويقول دانيال ليفي مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن السيسي أما خلص إلى أن الولايات المتحدة تهوش فقط وأنها لن تجرؤ على تعليق المساعدات بسبب الحرص على معاهدة السلام مع إسرائيل أو انه رأى أن حجم المساعدات ضئيل مقارنة بالمساعدات الخليجية لمصر.
أوروبا وبعد تردد إنحازت إلى الموقف الأمريكي الهادف للضغط على مصر حيث أدان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأشد العبارات الحملة الأمنية، وقال بيان رسمي إن هولاند استدعى بنفسه السفير المصري، وهو حدث دبلوماسي نادر، ليعبر له عن إدانته لاستخدام القوة ويطالب "بوقف فوري للقمع" قائلا إنه يجب بذل جميع الجهود الممكنة "لتفادي الحرب الأهلية".
وحاولت باريس أيضا أنه تثير أمر هذه الحملة في الأمم المتحدة رغم أن مسئولين فرنسيين أقروا بأن روسيا والصين اللتين حالتا دون اتخاذ المنظمة الدولية أي إجراء ضد الرئيس السوري بشار الأسد سوف تعرقل أي إجراء في مجلس الأمن الدولي حيال مصر لأنه شأن داخلي.
وزير الخارجية السويدي كارل بيلت أقر أن فرص تأثير الاتحاد الأوروبي على الأحداث في مصر محدودة للغاية نظرا لأن المتشددين في القيادة المصرية يبدون عازمين على اتباع نهج صارم. وأبلغ "رويترز" أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى النظر في برامج مساعداته لمصر غير أن العقوبات الاقتصادية قد لا يكون لها تأثير سياسي يذكر.
وذكر جوناثان ايال مدير الدراسات الدولية في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في بريطانيا إن أسوأ رد يمكن أن يصدر من الغرب هو الانزلاق في حالة من "السخط نابع من التعالي".
وأضاف أن تعليق المساعدات يجب أن يكون تمهيدا إلى السعي للتواصل مع الجيش المصري بهدف إقناع السيسي بتجنب ما وصفه ايال بأنه "الكابوس الأكبر" المتمثل في حظر جماعة الإخوان المسلمين ودفعها إلى العمل السري وإجراء "انتخابات " تعيق أي تسوية في المستقبل.
المصالح الأمريكية
إذا كانت غالبية مراكز تحديد سياسة البيت الأبيض مستمرة في التكتيك الهادف إلى إعادة الإخوان إلى السلطة في القاهرة أو على الأقل ضمان عدم استبعادهم مرة أخرى من الحياة السياسية، فإن هناك المزيد من الأصوات ذات التأثير تطالب بالتخلي عن هذا التوجه محذرة من أنه سيقود إلى إلحاق مزيد من الضرر بالمصالح الأمريكية، وربما بالإعدام على مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقول المحافظون الجدد أنه يصلح الأخطاء التي لم يصححها إتفاق سايس بيكو عندما وضع خطوط حدود دول المنطقة العربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
رالف بيترز، وهو ضابط جيش متقاعد ومحلل استراتيجي بشبكة فوكس نيوز" الأمريكية، حمل جماعة الإخوان المسلمين مسئولية العنف والدم في مصر. وقال إن "الإخوان المسلمون هم الذين اختاروا طريق الدم، وليس الجيش المصري".
واستدل المحلل الاستراتيجي الأمريكي على ذلك بتحليل حمل عددا من الأسئلة شديدة الأهمية التي أجاب عنها، وتساءل: "ما هو مستقبل مصر الذي تريده الولايات المتحدة، هل ديمقراطية متنوعة أم نسخة إسلامية سنية من إيران"؟ مشيرا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يفضل على ما يبدو الخيار الثاني، منوها بأنه يبدو أن تصريحات كيري الأخيرة عن التطورات التي تشهدها مصر قد حصلت على موافقة البيت الأبيض.
وقال إن "السلطات الأمريكية قد تأهبت ووجهت كل أشرعتها في إصرار على اتجاه أن جماعة الإخوان المسلمين لها حق في "التظاهر بالوسائل السلمية" وأضاف " إنه يبدو أن "الوسائل السلمية" تعني استخدام أفراد الجماعة المسلحين لبنادق الكلاشنيكوف، وقتل رجال الشرطة، وخطف وتعذيب المعارضين، وتحويل المساجد إلى سجون، ومهاجمة المسيحيين وحرق الكنائس القبطية".
وتابع قائلا "إن قادة جماعة الإخوان رفضوا جميع العروض للتوصل إلى حل وسط وجميع المطالبات بتفريق الاعتصامات".. مشيرا إلى أن اختيار جماعة "الإخوان" تمثل في المقاومة العنيفة، واستخدام النساء والأطفال كدروع، ونوه بأنه تكتيك أصيل يتبعه الإرهابيون الإسلاميون المتشددون.
هل أمريكا بحاجة لهذا التحالف؟
وطرح المحلل سؤالا مباشرا: "هل نحن بحاجة حقا إلى التعاطف مع الشيطان"، وأجاب بالقول: "في ظل التخبط والتقلب والتأخر لتأييد من يبدو أنه له اليد العليا في نهاية المطاف، عملت إدارة أوباما على مساعدة فصيل واحد في مصر، وأنه ليوم مؤسف ذلك الذي تحرض فيه الإدارة الأمريكية على الشمولية الدينية، كما فعل البيت الأبيض عندما حاول نظام مرسى "المنتخب ديمقراطيا" أخونة الحكومة والمجتمع في مصر".
وقال المحلل الاستراتيجي الأمريكي "إن هناك انقلابا لكنه ليس من الصحيح أن كل الانقلابات تنطوي على استخدام الدبابات"، وشدد على أن الانقلاب الحقيقي جاء بعد انتخابات غير ناضجة ومعيبة ومشوهة إلى حد بعيد في مصر، عندما استبعد مرسى وجماعة الإخوان تماما غير الأخوان من العملية السياسية، وتم قمع الحريات الإعلامية ومحاكمة الصحفيين، والتعدى على المسيحيين، وتسارع الخطى نحو إقامة دولة دينية متشددة لا تريدها أغلبية المصريين.
وأضاف "إن عشرات الملايين من المسلمين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على تمادي الإخوان في الطغيان، ولم يتحرك الجيش ضد هذا النظام إلا بعد أن استنفذ كل المحاولات لإقناع مرسى غير النادم على فشله الأخرق.. وبطلب من الشعب المصري الذي هلل فرحا بالخلاص من نظام مستبد". وذكر المحلل الأمريكي: "ولكن سفيرتنا التي "لا تتمتع بالكفاءة" على نحو مذهل ساندت نظام مرسى حتى النهاية.. هذه ليست الدبلوماسية.. إنها الحماقة"، وأضاف: "ولكن كل ما عليك القيام به لخلق ذعر أحمق في واشنطن هو الصراخ بالقول "انقلاب عسكري!".. وللأسف فإن الجيش هو في بعض الأحيان الذي يمنع التعصب القاتل".
كما تساءل المحلل: "رغم إراقة الدماء، فهل نحن بالفعل نفضل العودة إلى حكم جماعة الإخوان المسلمين علينا أن نعود إلى الصواب السياسي ونكون واقعيين" وقال: "هل الجيش المصري حليف مثالي كلا.. ولكنه رهان أفضل بكثير من دعم أوباما لجماعة الإخوان".
وأوضح المحلل الأمريكي: "يكمن الخطر الآن في أن الإدارة والسذج في الكونغرس سيميلون إلى قطع المساعدات عن الجيش المصري ويتقوقعون.. وهو ما سيجعل المصريين الذين يريدون مصر حرة بشكل معقول ومتسامحة وديمقراطية بشكل عام في نهاية المطاف أكثر حنقا على الولايات المتحدة.. ومصر هي أهم دولة عربية".
وتساءل رالف بيترز ضابط الجيش المتقاعد والمحلل الاستراتيجي بشبكة فوكس نيوز" الأمريكية، "هل نحن بحاجة حقا لإضافة أعداء جدد لنا في المنطقة من المعتدلين والعلمانيين في محاولة لأن نكون "عادلين" مع المتعصبين.
وأجاب بالقول: "حان الوقت للتغلب على أنفسنا.. يجب أن ندرك أن اعتقادنا النرجسي بأننا يمكن بل ويجب أن نقرر مصائر شعوب الشرق الأوسط، أمر مدمر.. نعم يمكننا أن نلعب دورا بناء على الهامش في بعض الأحيان، ولكننا حتى لسنا جيدين في ذلك"، وأضاف: "إدارة أوباما بحاجة إلى شعار جديد في السياسة الخارجية: "أولا، لا تتسبب في الضرر".
وقال المحلل الاستراتيجي الأمريكي: "نحن بحاجة إلى وضع سياساتنا على أساس مصالحنا طويلة الأجل، وليس على أساس عناوين الصحف هنا وهناك.. إن عدو الشعب المصري والشعب الأمريكي هو نفس العدو: التطرف الديني.. وهزيمة المتطرفين الراديكاليين ليس عملا يحتاج إلى وجه مبتسم".
واختتم المحلل الأمريكي بالقول: "عندما يصر شخص ما على أنه يعرف ما يطلب الله من الجميع أن يقوموا به.. فإما أن نسلم بذلك أو نقاومه.. وقد اختار الشعب المصري أن يقاوم.. والاخوان اختاروا الدم ، وليس الجيش المصري.
حقيقة ما حصل في 30 يوليو
كتب المحلل والصحفي علي الصراف: ما حصل في الثلاثين من يوليو 2013 في مصر لا يعادل انقلابا تاريخيا يكفي لتغيير مفاهيم فحسب، ولكنه منعطف أيضا، يصح القول انه يؤسس لمشروع جديد للنهضة.
نعم، ثمة مظاهر للفوضى وللتجاذبات. ولكنها فوضى وتجاذبات كل منعطف.
ما حصل هو أن ثلاثة وثلاثين مليون مصري، اصدروا حكما على آخر الأنظمة الشمولية التي عرفتها المنطقة.
وما حصل هو أن أولئك المواطنين الذي تقاطروا على ساحات التظاهر من كل حدب وصوب، قالوا كلمتهم ليس في حكم الرئيس محمد مرسي، ولكنهم قالوا كلمة التاريخ في كل حكم يصدر عن أجندة "فوق وطنية" أو سياسات عابرة للحدود، أو خيارات تمضي إلى عوالم فنتازية عابرة للقارات، أو تهاويم أيديولوجية تجتاز القضايا الملموسة لمصالح الوطن وحياة المواطن.
إذا كانت الأحداث قد أطاحت بالشمولية السياسية، ولو بعد نصف قرن من التجارب المضنية، فان عاما واحدا من السلطة كان كافيا ليكشف مدى الفشل الذي مثلته الشمولية السياسية للإخوان المسلمين.
وحيثما تستند الأجندة السياسية للإخوان إلى أساس "فوق وطني" وعابر للحدود، فالمكتوب كان واضحا من عنوانه!
ليست "فوق الوطنية"، هنا، نكرانا للانتماء أو اتهاما بخيانة. إنها مجرد توصيف لواقع يقول إن الأوطان في نظر هذه الحركة، لا تعدو كونها حالات مؤقتة، وعابرة، وغير ذات بال، مقارنة بالتطلعات فوق الوطنية التي تحدد لهذه الحركة هويتها.
وهذه الهوية لا تنبذ حدود الوطن "القطر" فحسب، بل أنها تستصغره، وتحط من قدره، وتستهين بقضاياه، وتعمل على تجنيده لخدمة القضايا الكبرى، لتجعل منه في النهاية وسيلة لغاية، بدلا من كونه غاية قائمة بذاتها.
الإنعاكسات العملية لهذه الرؤية، واضحة تماما.
صحيح أن الإخوان المسلمين لم يحكموا في مصر إلا وقتا قصيرا نسبيا، إلا أن ثمانين عاما من فكر الأخوان، ظل يدلي بالشيء نفسه، وهو أن الأوطان "الصغرى" "القطر" لم تكن لتحتل المرتبة الأولى في سلم الاهتمامات. وما من قضية وطنية إلا وكانت قيمتها مرتبطة، في نظر الحركة، بما فوقها من قضايا كونية،.. "أهم".
الإنعكاس الأول، إذن، هو أن سلم الأولويات يعني أن الأوطان الصغرى، قضاياها صغرى. وقد تنكسر أرجل السلم بفعل ضغوط تلك القضايا، إلا ان السلم لا قيمة فيه بحد ذاته إلا بوصفه جسرا للعبور إلى هدف آخر. وهو ما جعل إصلاح درجات السلم، أمرا ثانويا قياسا بالقضايا الكلية والفوقية والعملاقة التي يجدر التركيز عليها.
لهذا السبب لم تكن قضايا محلية من قبيل الفقر والبطالة وأزمات المواصلات والسكن والتعليم، إلا ندوبا موضعية في جسد تلهبه حميات أخرى خارجة عنه، ويحسن، الاهتمام بها أولا.
الإنعكاس الآخر، هو موقع المواطنة في الوطن. فالمواطن في بلد صغير أو مستصغر، إما أن يتحول إلى جندي لخدمة "القضية المركزية"، أو أنه لا يستحق أن يتمتع بأي حقوق. وأداء الواجب تجاه تلك "القضية المركزية"، هو ما يحدد معيار المواطنة، وهو ما يقرر حدود فرصها في الحياة.
لهذا السبب، كان من السهل أن تتحول المطالب الشعبية بهذا الشيء أو ذاك، إما إلى خيانة أو إلى كفر. وكان يكفي لأي مواطن أن يكون مختلفا، بالقليل أو الكثير، حتى لا يعود ليستحق أن يعامل كمواطن، أو حتى كبشر.
الإنعكاس الثالث، وربما الأخطر، هو أن كلية الفكر وشموليته، كان من السهل عليها أن تذهب إلى مدى أبعد من استصغار الوطن واحتقار المواطن.
ذلك أن أهل المعرفة الكلية، والدراية المطلقة، هم وحدهم الذين يحق لهم أن يقرروا كل شيء. ومعرفتهم التي لا جدال فيها، ظلت تؤهلهم للتعامل بفوقية شديدة حتى مع الجمهور الذي حملهم على الأكتاف.
ولا حاجة إلى القول انه ما من دكتاتورية شمولية عرفها التاريخ، إلا وكانت دكتاتورية ذوي "معرفة مطلقة".
ما حصل في الثلاثين من يونيو هو أن العالم العربي شهد ولادة لمسار جديد، مسار تنهض فيه الوطنية لتعيد ترتيب الأولويات، فتكون قضايا من قبيل الفقر والبطالة هي "القضية المركزية". وما من قضية أكبر من حقوق المواطن في وطنه. وهي حقوق تبدأ وتنتهي داخل حدود وطن،.. كبير بذاته وقائم بحد ذاته، وطن يستحق أن تتم معالجة مشاكله أولا، قبل أن يتم التبرع به لمعالجة مشاكل الكون.
حتى إذا ما اقتضت الضرورة لهذا الوطن أن يخدم قضية أخرى خارج حدوده، فانه يخدمها بتقدمه وغناه، لا بتخلفه وفقره.
omar_najib2003@yahoo/fr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.