لماذا لا تزال بعض عناصر إدارة الجمارك مصرة على عدم الانخراط في منظومة مكافحة الرشوة والارتشاء؟ ولماذا تظل هذه العناصر (وهي قليلة لحسن الحظ) محور حديث وشكايات المواطنين بصفة تكاد تكون يومية؟ ولماذا تتوحد هذه الشكايات تحت عنوان واحد هو ابتزاز بعض عناصر الجمارك للمواطنين؟ نحن هنا لا نتحامل على أية جهة، والحقائق الدامغة والملموسة تؤكد على حجم الفساد المستشري داخل منظومة الجمارك، ففي الأمس القريب جاءنا خبر تواطؤ عنصر هام من جمارك الناضور مع بارونات مخدرات، وقبلها أخبار متواترة عن توقيف ومحاكمات عدة جمركيين لنفس السبب، وشكايات أخرى أثارت الرأي العام الوطني، مما جعل الملك محمد السادس وهو يستجيب لشكايات المواطنين، يأمر بالبحث والتقصي ومحاكمة عدد من الجمركيين بسبب الرشوة وابتزاز المواطنين من أبناء الجالية المغربية خلال توافدها على المغرب. نحن نتوفر في الجريدة على العديد من شكايات المواطنين التي تحكي قصصا مثيرة، غير أن الكيل طفح، وصبرنا نفد عند توصلنا بشكاية من شابة في منتصف العشرينيات تعرضت لابتزاز مثير من طرف عنصر من جمارك مطار محمد الخامس يوم الأحد 21 أبريل حوالي الساعة الخامسة والنصف بعد الزوال. تقول الشابة المشتكية إنها وصلت إلى مطار محمد الخامس في الساعة الخامسة، وعندما كانت تهم بحمل حقائبها تقدم منها أحد الحمالين لمساعدتها فوافقت، لكن الحمال المذكور أسرَّ لها أن الحقيبتين كبيرتين، وأن عليها مساومة عنصر من الجمارك ليسهل مغادرتها دون تفتيش، فأخبرته أنها لا تحمل غير ملابسها العادية، وتوجهت إلى الجمركي لتكتشف أنه يُسَخِّر الحمالين لتقديم النصح إلى بعض المسافرين لإرشاء الجمارك. إذ بادرها أن حالتها ميسورة بالخارج، ولا بأس أن تتنازل عن مبلغ لفائدته، مقابل عدم تفتيش الحقيبتين. كان رد الفتاة صارما، حيث امتنعت عن تقديم أية رشوة، داعية الرجل للقيام بمهمته بالتحري والتفتيش وإيقاع المخالفات وحجز الجواز، فما كان منه أمام موقف الفتاة الشجاع إلا أن استسلم للواقع وأفسح لها الطريق. عندما كانت هذه المشتكية تجر عربة حقائبها رفقة الحمال العامل في المطار، استأنف هذا الأخير حديثه معها، مؤكدا أنه هو وزملاؤه يعملون لصالح بعض عناصر الجمارك لتحفيز بعض المسافرين على تقديم رشاوى، وعند وضعه للحقائب احتج احتجاجا غريبا على مبلغ مائة درهم الذي ناولته الفتاة إياه؟! قائلا إنها كانت خارج المغرب وكان عليها أن تدفع أكثر. كنا نعتقد أن فضائح الجمارك لا تتعدى طنجة وتطوان والناظور وبني أنصار، غير أن المصيبة الكبرى أن العدوى انتقلت إلى أكبر مطارات المغرب أي أكبر مدخل إلى الوطن. وإذا كنا لا نعمم، فإن ما يحكى عن الرشوة في الجمارك تكاد تشيب له الولدان. إن إدارة الجمارك مطالبة بالتدخل عاجلا وبصرامة لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تبدأ باستفزاز المسافرين بكل وقاحة خلال تفتيشهم حتى يرضخوا ويلبوا نزوات بعض عناصر الجمارك. المواطنون متذمرون ويطالبون بحمايتهم من هذه الاستفزازات، وهم ليسوا ضد التفتيش القانوني السليم والدقيق، وليسوا ضد توقيع العقوبات والمخالفات وحجز الأمتعة، شريطة أن يكون ذلك قانونيا. المواطنون يحاولون الانخراط بجدية في مسلسل محاربة الرشوة، ويقدرون الوصلات الاشهارية التي تهم مكافحة الرشوة فلنحمهم من بعض العناصر الفاسدة.