هل أصبح المجتمع المغربي مهددا بالانخراط في ظاهرة التعري وخلع الملابس للاحتجاج؟ وهل تباشير موسم التَّعري تلوح في الأفق؟ وهل لم يعد لدينا من وسيلة للاحتجاج ولفت الأنظار سوى أن نتَجرد من ملابسنا لإثبات وجودنا والمطالبة بحقوقنا؟ منذ أسابيع، وتحت قبة البرلمان، وأمام وسائل الإعلام، وكاميرات التلفزيون؟ لم يجد ذلك المستشار البرلماني من طريقة للتعبير عن نزاهته وخلو ذمته سوى أن يقف أمام رئيس الحكومة ورئيس الجلسة وزملائه البرلمانيين ويتجرد من قميصه، ليكشف عن بطنه في إشارة إلى أنها فارغة من «العجينة»، لدحض اتهامات اعتبرها موجهة إليه تطعن في ذمته، وهي لقطة تناقلتها وسائل الإعلام الوطنية والدولية. وبالأمس القريب، وفي خطوة احتجاجية فريدة، قام ناشط جمعوي في العرائش بالتعري وتجرد من كل ملابسه أمام الملأ، ولم يكتف سوى بتُبّان يستر عورته، كل ذلك من أجل إبلاغ احتجاجه لعدم السماح له بالحضور خلال انعقاد دورة المجلس البلدي، حيث كان ينتظر أن ينقل للمجلس المذكور معاناة الحي الذي يقطنه، ويُمثله، وطبعا فإن صاحبنا تعرض للاعتقال من طرف العناصر الأمنية لكونه أخَلَّ بالحياء العام. خلع الملابس والتعري ظاهرة أصابت الجنس اللطيف، فقد أطلقت حركة «فيمن» (FEMEN) النسائية دعوة إلى يوم الكفاح العالمي بالصدور العارية، وتحرير النهود من أصفادها، كل ذلك من أجل التنديد بالفساد والدعارة والرشوة واستغلال النساء. ومن الغريب أن حركة (FEMEN) عرفت النور في أوكرانيا منذ سنة 2008، وتحاول الآن الانتشار في دول العالم، غير أن الشقيقتين مصر وتونس كانتا المستهدفتين أكثر، حيث أقدمت الشابة المصرية علياء المهدي سنة 2011 بنشر صورها عارية على مدونتها بالأنترنيت، تنديدا بالعنف والعنف الجسدي ضد النساء في مصر، وبعدها حاولت بعض نساء تونس، وفي حالات معزولة الانضمام إلى هذه الحركة، ويدعون إلى الاحتجاج أمام السفارات التونسية في دول العالم وهنّ عاريات احتجاجا على نظام الحكم في تونس، واعتبرن أن التعري يظل أفضل وسيلة للاحتجاج. والحمد لله أن الأخلاق العربية والإسلامية التي تتحلى بها نساء مصر وتونس، وباقي البلاد العربية والإسلامية مازالت وستظل حصنا منيعا ضد هذه المظاهر، لذلك سارعت التونسيات والجزائريات والمصريات إلى الخروج في مسيرة جابت الشوارع وهن يرتدين لباسهن التقليدي، مثل الحايك وغيره، تعبيرا عن رفضهن لمثل هدف الدعوات الماجنة التي تطلقها بعض المواقع الاجتماعية في الأنترنيت. كما نحمد الله على أن هذه الدعوات لم تجد لها صدى في المغرب، الذي سبق أن تصدى مواطنوه من قبل للدعوة التي أطلقتها بعض الجهات في موضوع حرية المواطن في إفطار رمضان أو صيامه. الفرق بين الإنسان والحيوان، هو ستر العورة، وارتداء لباس يخفي تقاسيم جسمه، كل الحيوانات عارية، بل خلقها الله بوبر وصوف وجلد يقيها من تقلبات الطقس، من حرارة وبرد وأمطار، فكيف للإنسان الذي كرمه الله تعالى أن يفكر في التعري وإظهار مفاتنه احتجاجا على أمرها. وحسب شيخنا الأستاذ عبدالباري الزمزمي فإن ظاهرة التعري تعتبر أسلوبا قديما عرفه العرب. أيام الجاهلية الأولى، وأن هناك مثلا عربيا يقول: «أنا الندير العريان»، وقال العلماء أن الرجل كان إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه، وأشار به إليهم، إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما قد يداهمهم من خطر، كما كان الجاهليون يلجأون إلى التعري عندما تعتزم قبيلة محاربة قبيلة أخرى، فيعمد واحد من القبيلة التي تعتزم الهجوم إلى كشف عورته أمام القبيلة المستهدفة بالهجوم. هذه إذن عادة جاهلية تحاول بعض الجهات إحياءها، لكن هل البرلماني الذي عرى بطنه يعرف ذلك؟ أم أنه كان ينتظر أن يعرض بطنه للكشف بواسطة جهاز السكانير لمعرفة ما يحتويه؟، وهل تهدف نساء حركة (فيمن) إلى استغلال هذه الظاهرة لِتَتَحَرَّرْنَ من قيود الأخلاق والفضيلة والمجتمع؟، ومن يضمن لنا أننا لن نشاهد بعض أعضاء حركة التعري هذه، وهي تستعرض نهودها وصدورها مثل الأبقار والماعز في مسيرة مثل مسيرة فاتح ماي؟ نحمد الله على أننا في المغرب سنظل بعيدين عن الإنجراف وراء هذه المظاهر والبدع التي يرفضها العالم الغربي قبل غيره، نحمد الله على أننا دولة عربية متشبثة بأخلاقها، مغرب مسلم متشبث بقيمة الدينية والروحية، وشعب بعيد عن مظاهر الحيوانية، ولنا قانون ينظم شؤون حياتنا وتصرفاتنا، وفوق ذلك فإن للحرية حدودها..