يعتبر اللباس والستر من أمور الفطرة التي جبل عليها الناس من لدن آدم وحواء عليهما السلام، والتي اعتنى بها الشرع وزكاها وأحاطها بأحكامه وتوجيهاته، قال تعالى: "فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ" (21) الأعراف، فبعد أن جرَّأهما الشيطان وغرَّهما, فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها, انكشفت لهما عوراتهما, وزال ما سترهما الله به قبل المخالفة, فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما. وفي الآية دلالة على أن كشف العورة من عظائم الأمور, وأنه كان ولم يزل مستهجَنًا في الطباع, مستقبَحًا في العقول. قال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى:"{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَةِ سُلِخَ عَنْ كِسْوَتِهِ (...) وَحُطَّ عَنْ مَرْتَبَتِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى سَوْأَتِهِ مُنْكَشِفَةً قَطَعَ الْوَرَقَ مِنْ الثِّمَارِ وَسَتَرَهَا" وقال سيد قطب رحمه الله عن شعور آدم وحواء بأن" لهما سوءات , تكشفت لهما بعد أن كانت مواراة عنهما . فراحا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه في بعض(يخصفان) ويضعان هذا الورق المشبك على سوآتهما - مما يوحي بأنها العورات الجسدية التي يخجل الإنسان فطرة من تعريها , ولا يتعرى ويتكشف إلا بفساد في هذه الفطرة من صنع الجاهلية !". ومع نزول آدم إلى الأرض نزل معه ما يصلح باطنه من الوحي ولباس التقوى، وما يصلح ظاهره من لباس يقيه الحر والبرد ويستر عورته ويزين مظهره، قال تعالى:" يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسَ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف، ومما قاله الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير تعقيبا على هذه الآية "ولما كان إلهام الله آدم أن يستر نفسه بورق الجنة منة عليه، وقد تقلدها بنوه، خوطب الناس بشمول هذه المنة لهم بعنوان يدل على أنها منة موروثة، وهي أوقع وأدعى للشكر، ولذلك سمى تيسير اللباس لهم وإلهامهم إياه إنزالا، لقصد تشريف هذا المظهر، وهو أول مظاهر الحضارة، بأنه منزل على الناس من عند الله"فاللباس والستر فطرة وشرع وحضارة. ولا تتبعوا خطوات الشيطان: ولن يعدم الشيطان حيلة في صرف الناس جملة أو بالتدريج عن الفطرة والشرع والحضارة الحقة، ولن يهنأ له بال ولا لجنوده من الإنس والجن حتى ينزع عن الناس لباس التقوى وفضيلة الستر والعفة، فما فعله مع أبوينا من قبل لن يبرح يكرره مع كل واحد منا، قال تعالى:" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون[27] الأعراف. فالعري محبوب للشيطان في المواطن والمواضع التي يأباها الشرع، وإذا لم يقدر عليه كاملا قنع بما دون ذلك انتظارا لخطوة أخرى في جولة موالية، فيرضى بتجسيم العورة وتجسيدها إذا لم يقدر على كشفها، ويرضى بشفافية الثوب إذا لم يقدر على نزعه، ويقبل استمرار الثوب الصابغ مع إفراغه من مضمونه فيوسوس بالخضوع في القول وميوعة الحركة وتسيب في العلاقات، وقد يبدأ بنزع لباس التقوى ليطير قشرة القماش بعده، أو يبدأ بتوهين لباس الظاهر وقصده لباس الباطن، ولا يضيره بأي حال بدأ، فلا تتبعوا خطوات الشيطان. شدي عليك ثيابك بأزرار التقوى: لا حل مع إبليس سوى في الفرار إلى الله والاعتصام بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ليحدد لنا معنى اللباس الذي يرضي الله عز وجل، ومعنى العورة التي يحرم كشفها، ومعنى الشروط المطلوبة، حتى لا يدخل الشيطان على الخط فيميع لنا المعنى ويلغي علينا الشروط. فكما حرم على الرجال الحرير والذهب وجر الثوب خيلاء، أباح للنساء التزين بالذهب والحرير وحرم عليهن التطيب عند الخروج وأمرهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، حيث قال تعالى:" {يَا أَيُّهَا النَّبِيء قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتِك وَنِسَاءِ الْمُومِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُوذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. قال ابن العربي في الأحكام" اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِلْبَابِ عَلَى أَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، عِمَادُهَا أَنَّهُ الثَّوْبُ الَّذِي يُسْتَرُ بِهِ الْبَدَنُ، وقال عن التبرج في قوله تعالى "غير متبرجات بزينة" مِنْ التَّبَرُّجِ أَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {رُبَّ نِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ، مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا}. وَإِنَّمَا جَعَلَهُنَّ كَاسِيَاتٍ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُنَّ بِعَارِيَّاتٍ لِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا رَقَّ يَكْشِفُهُنَّ؛ وَذَلِكَ حَرَامٌ. وفي منتقى الباجي على موطأ مالك في شرحه لمثل هذا الحديث:" قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ قَالَ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا فَهُنَّ كَالْكَاسِيَاتِ بِلُبْسِهِنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ , وَهُنَّ عَارِيَاتٌ لِأَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ لَا تُوَارِي مِنْهُنَّ مَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَسْتُرْنَهُ مِنْ أَجْسَادِهِنَّ (...) وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْخِفَّةُ فَيَشِفُّ عَمَّا تَحْتَهُ , فَيُدْرِكُ الْبَصَرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْمَحَاسِنِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الصَّفِيقَ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْأَعْضَاءَ بَلْ يَبْدُو حَجْمُهَا . قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ نَهَى النِّسَاءَ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقَبَاطِيَّ (جمع قبطية وهو ثوب مصري رقيق أبيض ) قَالَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَشِفُّ فَإِنَّهَا تَصِفُ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى تَصِفُ أَيْ تَلْصَقُ بِالْجِلْدِ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعْنَى "مائلات مميلات" يَتَمَايَلْنَ فِي مَشْيِهِنَّ وَيَتَبَخْتَرْنَ حَتَّى يَفْتِنَّ مَنْ يَمُرَّنَّ بِهِ " وفي مسند أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:" كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لم تلبس القبطية قلت يا رسول الله كسوتها امرأتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :مرها فلتجعل تحتها غلالة ( ما يلبس تحت الثوب) إني أخاف أن تصف حجم عظامها" والخلاصة أن لباس المرأة المسلمة ليس شيئاً هيناً تتولاه أنامل مصممي الأزياء، بل هو دين وهوية، به تعبد المرأة ربها وبه تُعرف أيضاً، ولذا فهو لباس يستمد شروطه من كتاب الله وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.ويريد الشيطان من جهته ومن جهة حزبه وأوليائه أن يميل الناس عن تلك الشروط والضوابط ميلا عظيما مع الأهواء والشهوات، ويريد بإصرار أن ينزع عن أخواتنا ونسائنا لباسهن الساتر الكامل، ويبقى السؤال عن الأزرار التي يمكن تركيبها على اللباس حتى لا ينزعه الشيطان ؟ وعند التأمل لن تجد تلك الأزرار غير التقوى وسبيل المتقين والمتقيات كما قال تعالى:(ولباس التقوى ذلك خير) مبررات موضوع ضوابط اللباس الشرعي: فإيمانا منا بأن الحجاب طاعة ربانية ورسالة حضارية ومنارة إيمانية وأخلاقية. وكونه حصنا للقيم النبيلة، وبأن لباس التقوى يرفع به الله المرأة إلى منزلة الطهر والعفة والنقاوة. نطرح هذا الموضوع ونلح على أخواتنا المسلمات الالتزام بشروط اللباس الشرعي، مستحضرين مع الأسف الشديد، مظاهر الميوعة والتبرج والعري وما انتشر في السنوات الأخيرة من أنماط وأشكال متعددة من الحجاب غابت فيها المقاصد التربوية والأخلاقية، حيث تم تفريغ الحجاب من كل دلالات الستر والحياء. فتحول إلى متعة ذاتية (حجاب الموضة) وإلى عادة اجتماعية. وقاصدين تصحيح مجموعة من المفاهيم والمقاصد المتعلقة بالحجاب شكلا ومضمونا ومساهمين في إعادة الاعتبار لحجاب المرأة المسلمة و لشروطه الشرعية بما يحقق مقاصده في الستر والعفة. فالموضوع يستهدف اللواتي لم يحتجبن بعد، وكذلك اللواتي يفرطن في شروطه ومواصفاته ومقتضياته. وعلى المومنة أن تتخذ قوله تعالى:" رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" (8) آل عمران، شعارا لها، حتى تتذكر كل من وفقها الله من أخواتنا وبناتنا ونسائنا معاشر المسلمين واقتنعت بفرضية الحجاب،أن الشيطان قد يأتيها من قبيل كيفية وضع هذا الحجاب وطريقة التزي به و وقوع بعض الاختلالات في شروطه ومواصفاته، فالآية تنبيه إلى شعار المومنين ودعائهم ربهم: بألا يصْرِف قلوبهم عن الإيمان به بعد أن من عليهم بالهداية لدينه وشرائعه وأحكامه ومن ضمنها أحكام الستر واللباس الشرعي, ويسألون ربهم أن يمنحهم من فضله ورحمته الواسعة, لأنه تعالى هو الوهاب: كثير الفضل والعطاء, يعطي مَن يشاء بغير حساب. وهو دعاء يعبر عن هواجس الخوف من سوء المصير، ذلك أن حال الذين في قلوبهم زيغ ليسوا في الغالب إلا من عقلاء البشر، وما كان ضلالهم إلا من حرمانهم التوفيق، واللطف، ووسائل الاهتداء. وركوبهم سبل التأويل السيء واتباع المتشابهات وترك المحكمات، كمن تحاول جاهدة تبرير التبرج وتجويز النمص وإباحة الطيب والعطور في حضور الأجانب من الرجال وغير ذلك. ولابد من إعادة المضامين الشرعية والتربوية لهذه الشعيرة العبادية التي نسميها الحجاب والتي تحتاج بدورها إلى الإخلاص والصواب في ذلك وفق ما رسمته الشريعة الغراء. مقاصد اللباس الشرعي: فمن مقاصد اللباس الشرعي للمرأة: ستر العورة حسب ما حددها الشرع، قال تعالى:"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى" وروي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قوله أَنَّهَا تَكُونُ جَاهِلِيَّةً أُخْرَى. وكأنه تنبأ بحال التبرج في زماننا والذي لا يساوي حال التبرج الأول شيئا أمامه. ورفض حال التبرج حتى من قواعد النساء فقال"وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" قال ابن العربي شارحا مضمون الآية بقوله:"غَيْرُ مُظْهِرَاتٍ لِمَا يُتَطَلَّعُ إلَيْهِ مِنْهُنَّ، وَلَا مُتَعَرِّضَاتٍ بِالتَّزْيِينِ لِلنَّظَرِ إلَيْهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ لَيْسَ بِمَحَلِّ ذَلِكَ مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَوَاعِدَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِنَّ لِانْصِرَافِ النُّفُوسِ عَنْهُنَّ، وَلَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ بِالتَّسَتُّرِ الْكَامِلِ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ لَهُنَّ مِنْ وَضْعِ الثِّيَابِ. وساق ابن كثير في تفسير هذه الآية قول المرأة التي دخلت على السيدة عائشة رضي الله عنها تسألها : ( ما تقولين في الخضاب والّنفاض (إزار) والصبغ والقراطين والخلخال وخاتم الذهب وثياب الرقاق ؟ فقالت : يا معشر النساء قصتكن كلها واحدة , أحل الله لكن الزينة غير متبرجات , أي لا يحل لكن أن يروا منكن محرما ) فمن إجابة عائشة رضي الله عنها اتضح أنها صرفت جميع ما ورد في السؤال إلى معنى الزينة التي هي إضافة إلى أصل الخلقة،. وأكد هذه المعاني أيضا قوله تعالى:"وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود رضي الله عنه : كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه، وقال ابن عباس : " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : وجهها وكفيها والخاتم . وقد كان نساء السلف يخترن أكثف الثياب ليستترن بها روى أبو داود عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن أكنف (قال ابن صالح أكثف) مروطهن فاختمرن بها " وَمُرُوط مَعَ مِرْط هُوَ الكِسَاء يُتَّزَر بِهِ، أَيْ اخترن الْأَسْتَر وَالْأَصْفَق مِنْهَا . وروى مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا" قال أبو الوليد الباجي في شرح الحديث: قَوْلُهَا دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ يُحْتَمَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ أَنْ يَكُونَ مَعَ رِقَّتِهِ مِنْ الْخِفَّةِ مَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الشَّعْرِ , وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْأَعْضَاءَ وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا لِشِدَّةِ رِقَّتِهِ وَلُصُوقِهِ بِالْأَعْضَاءِ , وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْخِمَارِ فَكَرِهَتْ لَهَا عَائِشَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا ذَلِكَ , وَشَقَّتْهُ لِتَمْنَعَهَا الِاخْتِمَارَ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعْطَتْهَا مَا تَخْتَمِرُ بِهِ خِمَارًا كَثِيفًا تَتَّخِذُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَهُ , وَتَرَيْهَا الْجِنْسَ الَّذِي شُرِعَ لَهَا الِاخْتِمَارُ بِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ تَعْوِيضَهَا مِمَّا شَقَّتْهُ مِنْ خِمَارِهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا وَرِفْقًا بِهَا . ولا فرق بين لباس الستر واللباس الذي يجزيء في الصلاة إن لم يكن لباس الصلاة أخف، فقد روى مالك عن محمد بن زيد عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت تصلي في الخمار(غطاء الرأس) والدرع (القميص) السابغ إذا غيب ظهور قدميها" وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت إن المنطق يشق علي أفأصلي في درع وخمار فقال نعم إذا كان الدرع سابغا" قال أبو الوليد الباجي:" الْمِنْطَقُ هُوَ الْإِزَارُ ،فالمرأة اسْتَفْتَتْ عُرْوَةَ إِنْ كَانَ لَهَا رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ لُبْسِ الْمِنْطَقِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ يَسْتُرُ مَا يَسْتُرُهُ الْإِزَارُ لِسُبُوغِهِ وَتَمَامِهِ . ومن مقاصد اللباس الشرعي بعد الستر أن تعرف المرأة بالعفة فلا تؤذى قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا" قال مجاهد لا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة وقوله تعالى " وكان الله غفورا رحيما " أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك . وثالث المقاصد طهارة القلوب: الحجاب داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات. وصدق الله سبحانه "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن". رابعا: الحجاب علامة على العفيفات: الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دار إلا أكسبتها الهناء. خامسا: المرأة عورة والحجاب ساتر لها: وهذا من التقوى، قال الله تعالى: "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير" (الأعراف / 26). قال عبدالرحمن بن أسلم (رحمه الله تعالى) في تفسير هذه الآية: يتقي الله فيواري عورته فذاك لباس التقوى. وفي الدعاء المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ) رواه أبو داود وغيره. سادسا: حفظ العرض: الحجاب حراسة شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الريبة والفتنة والفساد. سابعا: الحجاب من مكارم الأخلاق: الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، ودرء لمساويها من التلوث بالشائنات كالتبذل والتهتك والسفالة والفساد. ثامنا: في الحجاب قطع الأطماع والخواطر الشيطانية: الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وإبعاد قالة السوء، ودنس الريبة والشك، وغيرها من الخطرات الشيطانية. تاسعا:في الحجاب حفظ الحياء: وهو خلق يودعه الله في النفوس التي أراد - سبحانه - تكريمها، فيبعثها على الفضائل، وهو من خصائص الإنسان، وخصال الفطرة، وخلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإٍسلام ودعا إليها، قال عنترة العبسي: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي **** حتى يواري جارتي مأواها فالحجاب وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء. عاشرا: الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية: فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ. إحدى عشر :حفظ الغيرة: فالحجاب باعث عظيم على تنمية الغيرة على المحارم أن تنتهك، أو ينال منها، وباعث على توارث هذا الخلق الرفيع في الأسر والذراري، غيرة النساء على أعراضهن وشرفهن، وغيرة أوليائهن عليهن، وغيرة المؤمنين على محارم المؤمنين من أن تنال الحرمات، أو تخدش بما يجرح كرامتها وعفتها وطهارتها. فاللهم حبب لنسائنا وبناتنا وأخواتنا الستر والعفاف واحفظهن من شرور التبرج والعري والميوعة والانحلال.