تزامن كشف رئيس الفريق الدستوري ادريس الراضي عن بطنه في مجلس المشتشارين يوم الثلاثاء 12 فبراير 2013 مع نشر ابتسام لشكر الناشطة في حركة "مالي" لصورتها على حائطها الفايسبوكي مكشوفة البطن، إلى جانب ناشطات من منظمة "فيمين" عاريات؛ كلاهما عرى على بطنه احتجاجا أو دفاعا عمّا يتصوره انتهاكا لحق من الحقوق. فادريس الراضي تعرّى احتجاجا على رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران الذي ما فتئ بدوره يعري واقع الريع ويكشف للمغاربة عن "كروش الحرام"، أحيانا بالتلميح وأحيانا بالتصريح؛ أما ابتسام لشكر فعرّت عن بطنها دفاعا عن حق الشواذ في تسوية وضعيتهم القانونية في تأسيس أسرة وما يتبع ذلك من حق في الحضانة والرضاعة والنفقة والتعويضات العائلية وأشياء أخرى. والاحتجاج بالتعري في أوروبا ليس شيئا غريبا ، لا بل إن الغرب خصص يوما للاحتفال باليوم العالمي لنزع السروال، حيث يخرج الرجال والنساء والأطفال بالتبان في الشارع العام سائر اليوم. وهذا السلوك الهمجي عرفته الجاهلية الأولى عند العرب قبل مجيء الإسلام وبعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي أكمل الله به مكارم الأخلاق، ولو كانت الحداثة بالتعري لكان أهل الجاهلية العربية أكثر حداثة من الغربيين أنفسهم وأذنابهم عندنا؛ فقد كان المشركون رجالاً ونساء يطوفون حول البيت عراة، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: "كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول من يعيرني تطوافاً تجعله على فرجها، وتقول اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله، فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ". قال الإمام النووي: "وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم، ويتركونها ملقاة على الأرض ولا يأخذونها أبداً، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى اللقاء، حتى جاء الإسلام فأمر الله تعالى بستر العورة، فقال تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يطوف بالبيت عريان؛ وقيل إنهم إنما كانوا يطوفون بالبيت عراة لأن الثياب قد دنستها المعاصي في زعمهم فيتجردون منها، وقيل: إنهم كانوا يفعلون ذلك تفاؤلاً بالتعري من الذنوب". فمهما حاول الدجالون إضفاء شرعية حداثية على سلوكهم الهجين هذا، فإنه يبقى مدانا وبدائيا يذكرنا بإنسان ما قبل الحضارة، إنسان الكهوف والمغارات الذي عاش عاريا، وما زالت بقايا من آثاره تجسدها قبائل في أدغال إفريقيا؛ هؤلاء "السلفيون الجدد" الذين يقتدون بإنسان ما قبل التاريخ أو بالجاهلية الأولى، ليست لهم رسالة، إنما هدفهم إثارة الانتباه لنزقهم وانحرافهم، فمن يتعرّى احتجاجا على تعرية الفساد أو احتجاجا ضد صيانة الأسرة والحفاظ عليها من استهداف قوم لوط عليهم من الله ما يستحقون، ماذا تنتظر منه إلا مزيدا من الانتكاس والارتكاس. تقول ابتسام لشكر:" في المغرب، لا زال مجرّد الكشف عن جزء من جسد المرأة يخلق مشكلة حقيقية لدى الرجل.."، هكذا وكأن هذه المدعية لم تتجول يوما في شوارع المملكة وأسواقها، لتكتشف أن العديد من المغربيات يكشفن عن أجسادهن عدا العورة المغلظة، متأثرات في ذلك بالأفلام المكسيكية والتركية والثقافات الوافدة، إنما حديثنا هنا عن إضفاء شرعية نضالية على هذا السلوك البدائي، واعتباره نوعا من الاحتجاج في زمان الانتفاضات العربية ضد الفساد والاستبداد. لمّا خرجت المرأة اليمنية متلفعة بمرطها متنقبة إلى الشارع تطالب بإسقاط النظام، تداوي الجرحى وتواسي الثكلى، لم تكن تحمل معها عقدا نفسية تحبطها عن القيام بدورها في الاحتجاج ضد الظلم والطغيان، كذلك المرأة السورية التي حملت السلاح في وجه نظام متجبر، يقتل ويغتصب ويدمّر الحضارة والإنسان ويقول: (أنا ربكم الأعلى). إن العقد النفسية إنما تعشش في نفوس وعقول من فسدت فطرهم وانتكست قلوبهم واتخذوا الشيطان مربيا ومؤدبا يأمرهم بالفحشاء والمنكر، قال تعالى:( يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون). تريد ابتسام لشكر أن تخضعنا للفحص الكلينيكي لأنها طالعت نتفا من كتب فرويد وداروون، فتزعم أننا نخاف من جسد المرأة إذا هي تعرت، في حين لو تأملت صورتها التي نشرتها على حائطها الفايسبوكي لقرأت الخوف العميق في عينيها، والارتعاش البادي على يديها وهي ترفع ثيابها، ذلك أن نداء الفطرة لم يضمحلّ في قلبها، وجيناتها ما زالت تحمل ترسبات الثقافة الإسلامية التي تعمّقت منذ قرون في نفسها وعقلها، بينما تبدو الفتاتان الفرنسيتان إلى جنبها وهما عاريتان في هدوء واطمئنان لأنهما ورثتا هذا السلوك الهمجي كابرا عن كابر. أعتقد أن الموضة الجديدة في نقد الإسلاميين، وهم في الحكم،أن يتقمص مخالفوهم دور الأطباء النفسانيين الذين يفكون العقد، يقول أحمد عصيد في مقاله "القبلة التي كادت أن تسقط طائرة": (بدأ إخواننا الإسلاميون يتحولون بالتدريج إلى حالات عُصابية (أي حالات المرض النفسي)، تستدعي علاجا عاجلا قبل فوات الأوان، والمثير للانتباه أن ضحايا هذه الحالة المتوترة يحاولون جاهدين الظهور بمظهر الشخصيات السويّة، بينما هم في الواقع في أعلى درجات الاضطراب النفسي، فالسلوك المخجل لنواب برلمانيين مغاربة داخل طائرة مصرية، والذي وصل إلى حدّ إحداث الفوضى وتهديد أمن الركاب، لا يمكن أن يفسّر إلا بحالة العُصاب القصوى، والتي من علاماتها أن الشخصية المضطربة لا تراعي وجود الآخرين ولا تنتبه إليهم، وأنها بحكم توترات داخلية تتعامل مع محيطها بعدوانية قد تشكل خطرا على الغير، كما أنّ من علامات العُصاب كذلك الخوف الشديد من ظواهر عادية). نحن على ما يبدو أمام طبيب نفساني متخصص، ولسنا أمام مثقف يحاور وينتقد، وفي انتظار أن ألتقي الدكتور سعد الدين العثماني لأستشير معه بصفته طبيبا نفسانيا، وليس بصفته وزيراً للخارجية، في ما يقوله عصيد، فإنني أهيب بهذا الأخير أن يحلل لنا من الناحية النفسية سلوك السيد المستشار الذي عرّى بطنه في مجلس يفترض فيه حد أدنى من الاحترام، هل هذه حالة عصابية يتحمّل جريرتها رئيس الحكومة أم حالة طبيعية لا تستدعي كل هذا التهويل؟