تناولت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في تحليل صحافي اعده محررها الدولي سايمون تيسدال الصعوبات التي يواجهها التدخل العسكري الفرتسي في مالي وقالت: ان الكشف عن أن احدى طائرتين من سلاح الجو الملكي البريطاني كان من المفروض ان تتوجه لدعم التدخل الفرنسي في مالي قد تعطلت بصورة موقتة، يمثل التجاوب الدولي المفكك وغير المنسق وغير المركز بصورة خطرة على الازمة في احدى دول غرب افريقيا. تواجه فرنسا وقد قفزت فجأة على قدميها كليهما احتمالات مريبة في قتال يطول وحملة صعبة بصورة متزايدة لمكافحة التمرد من دون دعم مناسب او صادق من حلفائها في "ناتو" او في المنطقة. جاء رد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مطابقا الى حد ما لردود الفعل المتخاذلة في العواصم الاوروبية على قرار الرئيس الفرنسي فرنسوا اولاند لتقديم المساعدة الى حكومة مالي. وقال للبي بي سي أن "ما يجري في مالي يصب في مصلحتنا، ويجب ان ندعم القرار الفرنسي". ويقول مقر رئاسة الوزراء في داوننغ ستريت انه يقر بان الثورة المتطرفة تمثل "تهديدا مباشرة للسلام والامن الدوليين"، مثلما جاء في بيان مجلس الامن الدولي الاسبوع الماضي. غير ان كاميرون اوضح انه لن "يرسل قوات بريطانية الى مالي" وانه في الوقت الذي تبدي فيه بريطانيا استعدادها لتوفير دعم لوجستي محدود، فانه لا سبيل للانضمام الى الحملة الجوية الفرنسية، على خلاف ما حدث في ليبيا قبل عامين. كما ان وجهة نظر لندن في هذه الحرب لا ترى تورط تحالف "ناتو" فيها. الا ان التوقعات بخلاف ذلك، ترى ان تقوم الدول المجاورة، وهي تعمل عبر المجلس الاقتصادي لدول غرب افريقيا بالانضمام الى الحملة وبالتالي اللحاق بالحملة الفرنسية. وعلى الاقل فان بريطانيا تقوم بعمل شيء ما. وكما هو في العادة بالنسبة لهذا الوضع هذه الايام، فان المانيا التي تعتبر اقوى الدول الاوروبية، تظل مطأطئة راسها. وتفضل برلين بيع الاسلحة على استخدامها، وهو ما كشفت عنه دراسة لصحيفة دير شبيغل فيما يتعلق بسياسية ميركل. فيما تسير ايطاليا واسبانيا ودول اوروبية اخرى في جنوب الاتحاد الاوروبي الذي يخشى اكثر من غيره من انتشار الارهاب الذي يستلهم اعماله من تنظيم "القاعدة" شمالا من الساحل الافريقي. وقال غيدو فيسترفيله، وزير خارجية المانيا، ان "التدخل الفرنسي جاء بناء على طلب للمساعدة من حكومة مالي، الا انه ليس هناك مجال لبحث موضوع انتشار قوات المانية مقاتلة فيها". وقد تشارك المانيا في مهمة تدريب اوروبية لقوات جيش مالي، على ضوء تطورات الاحداث، حسب قوله. "الصراع في مالي لا يجد حلا دائما الا عبر الحلول السياسية التي تتحدث عن عودة النظام في كل انحاء مالي، مع اخذ اهتمامات الشمال المعقولة في الحساب". واذا كانت هذه التصريحات المنمقة قد خلفت طعم المرارة، فان رد فعل واشنطن لم يكن اكثر قبولا. اذ تقول ادارة اوباما انها تقدم دعما غير محدد. وقالت الناطقة بلسان الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند "نقوم بالتشاور عن كثب مع حكومة فرنسا". اما وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان، فقال ان البنتاغون تعهد بالمساعدة اللوجستية وتوفير معلومات المخابرات عبر الاقمار الصناعية والقيام بالتموين اثناء الطيران بالنسبة للطائرات الفرنسية فيما وصفه ب"التضامن الكامل من قبل الولاياتالمتحدة". وكان على لودريان ان يلقي نظرة تفحصية واقعية. فالسياسة الامريكية في مالي وفي المنطقة المجاورة مقطعة الاوصال. فقد بحثت واشنطن في الصيف الماضي موضوع تدخلها المباشر، لكنها قررت ان الامر خطير للغاية. فالاسلوب الذي اتبعته الولاياتالمتحدة في السابق لبناء جيش مالي ليكون درعا في مواجهة القاعدة وانصار الدين والمجموعات الاسلامية الاخرى انقلبت الى ضدها خاصة عندما انقلب القادة الذين كانت ترعاهم الولاياتالمتحدة لينضموا الى صفوف الثوار، وقد حملوا معهم الاسلحة والمعدات، بعد ان قام احد المتدربين الامريكيين وهو النقيب امادو سانوغو بقيادة انقلاب في باماكو في شهر مارس 2012. وقال الجنرال كارتر هام، قائد القوات الامريكية في افريقيا "اصبت بخيبة امل شديدة عندما قامت قوات لنا معها علاقات تدريب بالمشاركة في عملية انقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة. وليس هناك من وصف لذلك افضل من انه غير مقبول بالمرة". بينما قال ضابط من مالي لصحيفة "نيويورك تايمز" ان "ذلك كان كارثة". ورغم ان بوركينا فاسو والنيجر والسنغال دُفعت لارسال قوات الى باماكو، فان الاداء الضعيف للمجلس الاقتصادي لدول غرب افريقيا وللشركاء، الاتحاد الافريقي، لم تكن فاعلة بقدر كاف عندما تكشفت الازمة في مالي. ورغم ان فرنسا حصلت على دعم مجلس الامن الدولي، فانها لا تتوقع معونة بكيرة منه ايضا. وكان تقرير للامين العام للامم المتحدة بانكي مون في نوفمبر 2012 قد حذر من مخاطر التدخل المتسرع وغير المنسق. وقال "ادرك تماما ان اي تدخل عسكري في الشمال ليس مدروسا ولا ينفذ بعناية، قد يزيد من سوء الوضع الانساني الهش وتنشأ عنه اساءات كبيرة لحقوق الانسان". ويقول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان الحملة الفرنسية ستنتهي في "غضون اسابيع". ولعل لديه قناعة بذلك. ولكن كم عدد المرات التي صرح فيها السياسيون بمثل هذه البيانات عندما يصدرون اوامر باتخاذ اجراء عسكري؟ توحي التجارب بان فرنسا، التي لا تلقى معونة صادقة من اصدقائها، بدأت عملا ستجد صعوبة كبيرة في انهائه.