ما عاد إحياء رأس السنة الأمازيغية من طرف النسيج الجمعوي الأمازيغي وعموم الشعب طقساً احتفالياً ورمزياً يقتصر على المنتسبين إلى الأمازيغية ببلادنا، بل هو احتفال رسمي للدولة المغربية بموجب مقتضيات الوثيقة الدستورية المعدّلة سنة 2011. وتتجلّى وجاهة وملحاحيّة هذا الطلب في التأويل الديموقراطي لمضامين تصدير الدستور والفصل الأول منه ثم الفصل الخامس فالفصل الحادي والثلاثين بالمساهمة في التربية على التشبث بالهوية الوطنية وإفساح المجال لفعل الاختيار أمام المواطنين. ومن بين التدابير الإجرائية الواجب مباشرتها وفقاً لهذه المرجعية، والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان لاسيّما الإعلان العالمي للحق في التنوع والتعددية الثقافية، إعلان بشكل رسمي يوم فاتح إينّاير Yennayer – حكّوزا- إخف ن أُوسكّاس عيداً وطنياً كما هو معمول به بالنسبة لرأس السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، وكذا جعل هذا اليوم، يوم عطلة رسمية لجميع المؤسسات والإدارات ببلادنا، وذلك إعمالاً من دون تأخير بما عبّرت عنه الوثيقة الدستورية بخصوص سؤال الهوية. هوية الدولة والمجتمع معاً. إن المنطق وعين العقل يفترضان، ونحن اليوم على مقربة من سنتين من العمل بالدستور، البدء، في مجال الهوية المغربية وفي عمقها وبنيتها الأمازيغية، بتفعيل هذا الإجراء الذي لا يتطلب كثيراً من المستلزمات المادية والبشرية اللهمّ إلا إرادة تأويل كنه الفصول المتعلقة بموضوع الهوية الوطنية كما تمت الإشارة إليها أعلاه. إن اعتراف الدولة المغربية بالأمازيغية واعتبارها صلب الهوية المغربية يعني بالضرورة والإستتباع الاعتراف وترسيم جميع الممارسات والطقوس الاجتماعية واستلهام مضامين وأهداف المنظومة العرفية الأمازيغية والقطع مع كل ما من شأنه تكريس إيديولوجية التمييز والأفضلية الثقافية والقيمية وترك استراتيجية الانتقاء في الأعلام المغربية وفي الحقب التاريخية وأسماء الأماكن في مجمل المضامين المعرفية المدرسية والمضامين الفكرية التي تخترق كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، لأن كل هذا الموروث الرمزي والثقافي والقيمي والفلسفي هو ملكٌ للشعب المغربي قاطبةً بأمازيغيّيه ومعرّبيه، مُسلميه ويهوديّيه وغيرهم مما يزخر به عمق المجتمع المغربي المعتزّ دوماً على مرّ التاريخ بهويته وتنوّع شخصيته الثقافية المثراة بالثأثيرات المختلفة خلال مساره التاريخي. لأن الغاية المثلى من هذه الاجراءات تكمن في المساهمة في تصحيح وإصلاح بعض الصور النّمطية من قبل جزء من فئة الكبار ومباشرة عملية التنشئة الاجتماعية والثقافية والتربية على قيم المواطنة وفضائلها المفضية إلى تشريب المجتمع قيمة العيش المشترك حيث سيادة احترام الآخر. وليس بالضرورة أن يكون هذا الآخر هو الأجنبي، فقد يكون مواطناً ويمارس قيماً ثقافية وطقوساً وممارسات اجتماعية ليس ملزماً بالانصياع إلى القوالب الجاهرة والموضوعة سلفاً في التفكير والقيم والتوجه. فالاعتراف بالتقويم الأمازيغي وتداوله رسمياً من طرف الدولة وأجهزتها المختلفة يعكس إلى حدّ كبير مدى الاهتمام الواجب بالهامش –المُهَمّش وحقوقه من قبل سلطة المركز، لأن هذا الهامش كثيراً ما تم التعامل معه انطلاقاً من هيمنة ثقافة الأصل والفرع، والمركز والهامش، والوطني والشعبي تماماً حينما يتم الإقدام على القول باللغة الوطنية واللهجات الشعبية إلى غير ذلك من المفاهيم النمطية والتمييزية التي لم يعد مغرب اليوم والغد يتّسع لها أكثر مما يجب أن يتّسع لازدهار الحقوق والحريات الفردية منها والجماعية والتشبث بنحت الأمل في المستقبل بين ركام الأحجار التي تعترض المسيرة. صحيح أن هناك قلاعاً إيديولوجية لم تستوعب بعد، وبما فيه الكفاية، عمق التحولات الجارية بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. تحولات غيّرت وجه/ ووجهة الأنظمة السياسية التي تحكم هذه البلدان من تكريس الأحادية الإثنية والثقافية واللغوية والدينية والسياسية نحو فسح المجال للتعددية التي تعدّ بحق عماد كل المجتمعات مهما تنكّرت لها السلطات. فرأينا كيف برزت الخريطة الثقافية والاجتماعية والسياسية بالعراق، وفي ليبيا، ولا زالت تعدُ بالمزيد في سوريا وغيرها من هذه البلدان. فمهما تسلّحت الإرادة السلطوية في تغيير ملامح المجتمع وتزوير تاريخه عبر توظيف مختلف الأجهزة الإيديولوجية للدولة، فإن إرادة المجتمع تكون أقوى بكثير في التحكم في مسار صنع مستقبله. لأن تزوير التاريخ والتّلاعب بالماضي هو تلاعبٌ مضاعفٌ بالحاضر واستهتار بأضعاف مضعّفة بمستقبل المجموعة الوطنية برمّتها. ومع ذلك، تبقى الإرادة الجماعية في إعادة تركيب أجزاء صورة المغرب التي عانت كثيراً من التهشيم الناتج عن عدم تكافؤ فرص الاهتمام والنماء بكل تلك الأجزاء، أصولها وفروعها، هي القادرة على بزوغ مغرب جديد مستوعباً لذاته مدركاً للرهانات والتحديات المستقبلية.