ما لا يمكن للجزائر و لجبهتها الانفصالية إدراكه واستيعابه _أو على الأقل الإقرار به _ هو أن مواقف الحكومة الإسبانية من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية تختلف و تتباين عن مواقف الطبقة السياسية الإسبانية من هذا النزاع ، الأمر يتفاوت ما بين موقف صادر عن حزب سياسي يمارس السياسة استنادا إلى معطيات داخلية صرفة قد ترتبط بممارسة المعارضة أو المساندة و ما بين موقف للدولة الإسبانية يستند إلى الحرص على حسن تدبير المصالح الإسبانية الإقليمية و الدولية ، لذلك نفهم كيف يكون الحزب الشعبي الإسباني مساندا للانفصاليين حينما يكون في المعارضة لأنه يكون بصدد معارضة خصمه الحزب الاشتراكي ، لكنه ما أن توصله صناديق الإقتراع إلى تدبير شؤون الحكم حتى يسارع إلى تبني موقف مختلف يراعي مصالح الدولة الإسبانية الإقليمية ، و يصبح ملزما بالإمتثال لقرارات الأممالمتحدة الذي تشارك الدولة الإسبانية في صياغة قراراتها ، و العكس صحيح تماما بالنسبة للحزب الإشتراكي الإسباني . إن طبيعة تعاطي الحكومة الجزائرية و جبهتها الإنفصالية يتسم بالقصور في فهم هذه المعادلة الطبيعية ، و العلاقات الدولية لا تستحمل مثل هذا القصور الذي يفتقد إلى الواقعية و البراغماتية ، لذلك لا طائلة من الاهتمام كثيرا بما دعت إلية الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو الانفصالية خلال اجتماعها الأخير للحكومة الإسبانية في شأن النزاع المفتعل في أقاليمنا الجنوبية لأن منطق العلاقات الدولية السائد لا يتقبل هذا الخروج الكبير عن النص ، فالحكومة الإسبانية لا يمكن أن تكون مستعدة للمجازفة بمصالح بلدها الاستراتيجية من أجل ترضية و جبر خواطر من لا وجود له في خريطة تدبير هذه المصالح ، لذلك نفهم إسراع وزير الخارجية في حكومة الجارة الإسبانية بالرد على دعوة هذه الأمانة الوطنية التي خلدت فيها بعض الأسماء بالتأكيد على أهمية العلاقات بين المغرب و إسبانيا في الظروف الدقيقة الحالية . الديبلوماسية الجزائرية و ربيبتها الجبهة الانفصالية في حاجة جد ملحة إلى كثير من الدروس في هذا الصدد لضمان تأهيلها لمسايرة المنطق الذي يستوجبه التعاطي مع أبجديات العلاقات الدولية ، خصوصا و أن بلدا في حجم إسبانيا لا يمكن أن يكون خاضعا لمنهجية البيع و الشراء أو الإغراء .