فاطمة الزهراء بنيس، شاعرة، أو بالأحرى قصيدة شعرية طالعة من الحمامة البيضاءتطوان. فيها الشيء الكثير من بهاء تطوان ورقة تطوان ورمانسية تطوان، والمرء ابن بيئته وزمانه وسليل منازله ومدارجه. مع طلائع الألفية الثالثة تواتر الشدو الشعري لفاطمة الزهراء، بدأب وانتظام، متجددة ومتوقدة في شدوها باستمرار، وقد أصدرت لحد الآن ثلاثة أعمال/ لوعة الهروب 2004 بين ذراعي قمر 2007 وطيف نبي، المعروض في هذا المعرض 2011 وجدير بالإشارة، أن الديوان الأول (لوعة الهروب) صادر عن مطابع الشويخ بتطوان. والعمل الثاني (بين ذراعي قمر) صادر عن دار ملامح للنشر بالقاهرة. والعمل الثالث (طيف نبي) صادر عن دار الغاوون للنشر والتوزيع ببيروت. وهكذا، في أقل من عقد من الزمان، حلقت فاطمة الزهراء شعريا كما حلقت جغرافيا بين كبريات العواصم العربية وشاركت في أكثر من عكاظ عربي، بل وشاركت في أكثر من عكاظ عالمي. وكانت بحق سفيرة شعرية فوق العادة لبلدها. والعمل الشعري الأخير للشاعرة (طيف بني)، الذي نحن بصدد تقديمه، ليس ديوانا بمعنى الكلمة، أو مجموعة شعرية، أو إضمامة شعرية، حسب العبارة الرائجة مؤخرا. بل هو نص شعري واحد ومتعدد، منطلق على سجيته ورمله، بلا ضابط أو روابط، مدفوعا، بجنوح الروح. ومنتشيا بهذا الجنوح. نقرأ في فاتحة النص/ [أي انتشاء نذرتني ياجنوح الروج]. ص 7 إن النص، بعبارة، نفتات ولواعج وترانيم غنائية عاطفية، وانخطافات صوفية إشراقية يحدوها جنوح الروح. وجنوح اللغة. ولأمر ما، طبع ونشر هذا النص. عن (دار الغاوون)ببيروت، الرافعة لشعار الغواية الشعرية، كما تبتدئ من عنوان الدار. (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون.) حسب منطوق ومفهوم الآيات القرآنية الواردة في سورة الشعراء، فهي إذن غواية.. شعرية وتناصية مع الايات. غواية مشاغبة على الآيات. علما بأن كلمة (الغاوون) حسب بعض التفاسير، هي تهجية عربية لكلمة (الراوون) الذين يروون الشعر. وقد نزل القرآن، كما هو معروف، على سبعة أحرف، أي سبعة قراءات. هل تُراني ذهبت بعيدا عن النص، محور التقديم؟! ما أظن ذلك. أليس عنوان النص هو (طيف نبي)؟! إننا إذن مع أطياف النبوة وكفى بذلك شاهدا ومؤشرا. وقد وردت كلمة الطيف، علاوة على العنوان ثلاث مرات في النص/ نقرأ في ص. 24/ حدوسي من نذرتني طيف نبي على هديه همت جنونا مترقرق الرؤى ونقرأ في ص. 40/ (موَّجني طيف أعنف من ملمس الخيل ظلاله أرق من هبة عصفور ما إن هجس: عطرا وتهاليل حتى أمطرت نينداً ونقرأ في ص. 61/ (كما لو كنت سأكتفي بمغازلة الأطياف). لا شك في أن هذه الشواهد الثلاثة تقربنا كثيرا من لغة هذا النص، وهي لغة طيفية، انخطافية وندية ناعمة في آن. تعتمد، خلافا للعملية السابقين للشاعرة، الجملة القصرة المشذرة على نحو قريب من شعر الهايكو. كما تجمع المعجم الشعري بين كلمات متفاوتة أو متباعدة الدلالات والإيحاءات من قبيل/ طيف بني جنون مترقرق الذي موج ملمس الخيل هبة عصفور عطر وتهاليل . نبيذ . مغازلة.. ان العبارةالآنفة (هِمتُ جُنوناً مُتَرقْرقَ الرؤى تلخَّص في رأيي، لغة هذا النص وطبيعة عزفه الشعري. وجديرة بالإثارة مرة أخرى وأساسية، أن النص مُرفقُ ومشفوع بترجمة فرنسية شعرية أنجزها الكاتب والمترجم المتمرس عبد الرحمان طنكول، وهذا سبق جميل في ديوان الشعر المغربي، حسب علمي، علما بأن ترجمة النص الشعري تبقى دائما دون النص وقد تكون فوق النص. أو كما قال الراحل محمود درويش، إن ترجمة القصيدة، كالقبلة من وراء زجاج. ومع ذلك فإن الترجمة معبر ضروري نحو الآخر. سيما وأن الشاعرة كثيرا ما تحظر الملتقيات الشعرية العالمية، هنا وهناك. وعلى غرارعمليها السابقين، ثمة إهداء يتصدر النص تقول فيه/ ) إلى من أسكنني أعلى مراتب الكون) وأعلى مراتب الكون هذه، هي أحد هواجس الأنثى الشاعرة في هذا النص. ومن هنا هذه الأثيرية الشعرية الهائمة، المرتفعة المتسامية عن الأرض والترابي. أثيرية تجمع بين الرومانسية والصوفية والعشق الديونيزوسي للحياة. ( مدايَ جسْرُ نحو الغَيمِ خارقَ ولهى به). ص 13 - (هذا الأثير منفاي في رحابه أخاصر نجماً يغربُ) . ص. 15 (ها أنا غيرُ أناي أي سواي صرتُه).ص. 39 تحضر الأنثى بجلاء في هذا النص، وعبر مختلف الحالات والمراتب الروحية والشعرية. فهي حينا فائرة/ (فائرة ألاهثُ وجعي الأبهى). ص 8 وحينا فائضة/ - (فائضة تبٌزغ أقْداحي بلسان الحُلْم أقاربُ لحسها) ص. 9 وحيناِ مصلوبة خاشعة/ - (مصلوبة في جناني بلاَ خطوٍ أسير خاشعة حيال رؤاي). ص 12 وحينا آخر ، مُلْهبة مُمْطرة / -(ملهبة ممطرة كقبلة محرمة). ص 37 لكنها، في جميع الحالات والمراتب، تظلُّ أنثى شاعرة مسكونة بنخٌوة الأنثى / - (بنخوة الأنثى أغامزُ طيُورَ الغسق في عراء الذات). ص. 47. وهذا ما يُضفي مسحة أنثوية ندية على لغة النص لقد تعمدت الإنصات الى النص واستحضار أو استقطار بعض شواهده. . لأن القراءة الإصغائية، في تصوري، هي أنجعُ مدخل إلى الشعر. إن نص (طيف نبي)، نص واحد ومتعدّد. طويلٌ وقصيرٌ في آنِ نص مسترسل طويل نفسه، لكن قصيرةٌ ومكثفةٌ ومشذرة جملة وفقرة كما أسلفت. إن نسق النص قريب من قصيدة النثر وداخلٌ في مدارها. ومع ذلك فهو ينوسُ في الأغلب، بين تفعيلتي المتدارك (فاعلن) والمتقارب (فعولن)، وهما التفعيلتان اللتان تسدان بعض الرمق الموسيقي في القصيدة الحزبية، وفي القصيدة العربية بعامة. إنه، بعبارة، نصٌ يمارس غوايته الشعرية الخاصة، ولو في حضرة (طيف نبي). - فاطمة الزهراء بنيس/ طيف بني. ط، 1 . 2011 دار الغاوون للنشر والتوزيع بيروت لبنان