شرع مجلس النواب أمس الجمعة في مناقشة مشروع القانون المالية لسنة 2013، خلال جلسة عامة، خصصت لتدخلات الفرق والمجموعات النيابية تميزت بتدخل الأخ نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في الجزء الأول تطرق فيه إلى البعدين السياسي والاجتماعي للمشروع، وكذا تدخل الأخ خالد السبيع في البعد الاقتصادي والمالي لمشروع الميزانية. بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين السيد الرئيس؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب؛ نعتبر مناسبة دراسة مشروع القانون المالي فرصة سنوية لممارسة مجلس النواب لدوره التشريعي والرقابي وتقييم السياسات العمومية. من هذا المنطلق أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية للمساهمة في مناقشة مضامين وتوجهات واختيارات مشروع الميزانية لسنة 2013، مركزا على البعدين السياسي والاجتماعي في المشروع، تاركا لإخواني في الفريق تناول الميزانية في بعدها الاقتصادي والمالي. وقبل الدخول في صلب الموضوع، لابد من تسجيل الملاحظات التالية: 1- إننا في الفريق الاستقلالي نعتبر أنفسنا مكونا أساسيا من مكونات التحالف الحكومي، ليس فقط لأن الشعب المغربي بوأنا مرتبة متميزة في اقتراع 25 نونبر 2011، من أجل استكمال الإصلاحات الكبرى التي انطلقت مع الحكومة السابقة، ولكن أيضا لأن المرحلة الراهنة تقتضي منا تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام لما فيه خدمة الوطن والمواطنين؛ 2- نحرص كل الحرص على إنجاح الحكومة في إطار البرنامج الحكومي الذي على أساسه حازت ثقة مجلس النواب، والتمسك بميثاق الأغلبية النيابية الذي نعتبره خارطة طريق عملنا المشترك؛ 3- إن موقعنا كأغلبية نيابية تساند الحكومة،لا يعفينا من تحمل مسؤوليتنا وممارسة مهامنا الدستورية في التشريع والمراقبة، ولا يمكن مصادرة حقنا في إبداء الرأي، وتقديم الاقتراحات اللازمة، لإغناء العمل النيابي والحكومي، وتحسين أدائه، في إطار احترام مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها، ما دام البرلمان يبقى الواجهة الحقيقية للديمقراطية وقلبها النابض. السيد الرئيس؛ نناقش مشروع قانون المالية، والشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض لهجمة صهيونية شرسة، تجسد بحق إرهاب دولة أباحت لنفسها الحق في احتلال أراضي الغير بالقوة، وممارسة أعمال التقتيل والتخريب ضدا على المواثيق الدولية، وعلى مرأى ومسمع من المنتظم الدولي والرأي العام العالمي. إننا إذ نترحم على شهداء الحرية، نحيي أبطال فلسطين تحية إكبار وإجلال على صمودهم في وجه الغطرسة الصهيونية، ونعبر عن صادق تضامننا المطلق مع الشعب الفلسطيني في محنته، وندعو كافة المواطنين والمواطنات للتعبئة الشاملة، من أجل المشاركة الواسعة في مسيرة الشعب المغربي التضامنية بعد غذ الأحد. ونسجل باعتزاز كبير المبادرة الملكية ببناء مستشفى ميداني مغربي في قطاع غزة.وندعو المنتظم الدولي، وكافة القوى المحبة للسلام، للقيام بالتحركات الجدية اللازمة لوضع حد للهيمنة الإسرائيلية، كما نهيب بكافة الفصائل الفلسطينية بتقوية الجبهة الداخلية ووحدة الصف الفلسطيني. ولا تفوتني هذه المناسبة، دون التذكير بطلب الفريق الاستقلالي من أجل دعوة البرلمان المغربي لعقد جلسة خاصة للتضامن مع الشعب الفلسطيني. السيد الرئيس؛ نناقش هذا المشروع؛ وقد مرت أكثر من سنة على إقرار دستور جديد، بما جاء به من مضامين وأحكام لازال جلها دون تفعيل، بما في ذلك تنزيل المخطط التشريعي،الذي يشكل مدخلا أساسيا لترجمة الإرادة السياسية في التحول الديمقراطي، وبالتالي فإن تعطيل النصوص القانونية المرتبطة بهذا المخطط التشريعي، يعتبر تعطيلا للإصلاح المنشود، وتعطيلا لإرادة المغاربة في التغيير خاصة عندما يتعلق الأمر: 1-بقوانين تنظيمية يرتبط بها مسلسل الإصلاحات السياسية من قبيل: القانون التنظيمي الذي تحدد بموجبه القواعد المتعلقة بتنظيم سير أشغال الحكومة، النظام الأساسي للقضاة، انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالمحكمة الدستورية، الجهات، وغيرها. 2 -عندما يتعلق الأمر بقوانين مؤسسة كما هو الشأن بالنسبة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، تحديد صلاحيات وتركيبة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الحق في الإضراب، الحق في الولوج إلى المعلومة، إحداث المجالس الوطنية المنصوص عليها في الدستور. السيد الرئيس؛ نناقش هذا المشروع؛ وقد مرت أكثر من سنة على البرنامج الحكومي الذي يشكل تعاقدا بيننا كأغلبية وحكومة من جهة، والشعب المغربي من جهة أخرى، وما يطرحه من تساؤلات بخصوص مدى تنفيذ مضامين هذا البرنامج، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحيوية التي لا تتطلب اعتمادات مالية، كما هو الشأن بالنسبة لإصلاح الإدارة، بهدف الرفع من الأداء والارتقاء بالمرفق العام إلى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية،وإصلاح منظومة العدالة بغرض تعزيز المكانة الدستورية للقضاء وترسيخ استقلاليته. هذا دون إغفال ما التزمت به الحكومة كأولوية في برنامجها الحكومي، بتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، ووضع حد لسياسات الريع والامتيازات، بما يضمن دعم الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، لتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وغيرها من الالتزامات التي جاء بها البرنامج الحكومي. البعد السياسي في مشروع قانون المالية 1/ بخصوص تطورات قضية وحدتنا الترابية: السيد الرئيس؛ نناقش مشروع قانون المالية لهذه السنة، في الوقت الذي تعرف فيه قضية وحدتنا الترابية تطورات ومستجدات، تتمثل أساسا في ما آلت إليه المفاوضات بشأن هذا النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية،من تعثرات تستهدف إجهاض كل الاقتراحات الرامية إلى التوصل إلى حل يستجيب للشرعية الدولية، في انتظار التقرير الذي سيقدمه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة "كريستوفر روس" في 28 من الشهر الجاري، على إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها للمنطقة. إننا في الفريق الاستقلالي، نجدد التأكيد على تمسكنا بمبادرة الحكم الذاتي كما قدمها المغرب بتاريخ 11 أبريل 2007 للأمين العام للأمم المتحدة، جوابا على دعوات مجلس الأمن لإيجاد حل نهائي لهذا النزاع المفتعل، كحل نهائي يضمن لأقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا موسعا في إطار السيادة المغربية، دون انتظار أي قرار من قرارات الأممالمتحدة، مادام الأمر يتعلق باستكمال وحدة المغرب الترابية، كما أشر إلى ذلك جلالة الملك في أكثر من مناسبة عندما أكد على أن " المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية، للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي، للنزاع المفتعل حولها، على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية..." إن دعوة الجارة اسبانيا إلى الحوار بخصوص المدينتين السليبتين سبة ومليلية والجزر التابعة لهما من أجل انهاء الاحتلال يظل مطلبا ملحا لاستكمال وحدتنا الترابية،لأنه من غير المعقول، أن تبقى دولة أوروبية مستعمرة لجزء من بلد دخلت معه في شراكة استراتيجية، توجت بمنحه صفة الوضع المتقدم. 2/ بخصوص تعزير الديمقراطية المحلية: لقد اعتبر الفريق الاستقلالي على الدوام أن الديمقراطية كل لا يتجزأ، بحيث لا يمكن تحصين البناء الديمقراطي،إلا بتعزيز الديمقراطية المحلية التي تشكل الدعامة الأولى لتدبير الشأن العام على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي. فإذا كانت بلادنا قد خطت خطوات مهمة في هذا المسار، فإن تفعيل الدستور الجديد يقتضي إعادة النظر جذريا في القوانين المؤطرة للجماعات الترابية، بما فيها الميثاق الجماعي، القانون المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم، وكذا القانون المتعلق باختصاصات العمال. كما يعتبر الفريق الاستقلالي استكمال المسلسل الانتخابي مدخلا رئيسيا لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود، مادامت الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة، هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وما يقتضي ذلك من ضرورة التعجيل بمراجعة القوانين الانتخابية، بما يضمن القطع مع ممارسات الماضي. إن إقرار الديمقراطية المحلية لا يمكن أن يتحقق بدون إرساء جهوية متقدمة،وتقوية الامركزية والاتمركز، انسجاما مع أحكام الدستور الجديد ومتطلبات الحكامة الترابية، وهذا ما يقتضي التعجيل بإصدار القانون التنظيمي للجهات، الذي سيمكن من إفراز مؤسسات جهوية منتخبة قوية وذات اختصاصات فعلية، واعتماد تقطيع جهوي من شأنه توفير مؤهلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لكل جهة وبشكل متوازن، وكذا عبر إعادة صياغة مشروع الاتمركز الإداري في علاقته مع الجهوية المتقدمة. هذا علاوة على توفير الآليات المالية التي تضمن المساهمة المتوازنة لكافة الجهات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا. البعد الاجتماعي في مشروع قانون المالية السيد الرئيس؛ إننا في الفريق الاستقلالي نثمن التدابير ذات البعد الاجتماعي التي جاء بها المشروع لفائدة الفئات الاجتماعية المستضعفة، باعتبار هذه الاجراءات اختيارا إراديا، ينسجم مع مضامين الدستور وتوجهاته، في بناء مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، والعيش الكريم، ويعكس إرادة الحكومة في تقويم سياستها الاجتماعية، في اتجاه مواجهة المرحلة الدقيقة التي نعيشها، مما يتطلب إصلاح القطاعات ذات الأولوية بما يكفي من الاستجابة لحاجيات المواطنين وانتظاراتهم. إن حزب الاستقلال كان على الدوام في صلب المنظومة التعليمية انطلاقا من مواقفه المبدئية والتاريخية، وقد سبق لنا في الفريق الاستقلالي أن سجلنا السنة الماضية المفارقات التي نعيشها في قطاع التعليم، حيث أن المغرب يحتل مراتب متقدمة في الاعتمادات المخصصة للتعليم، دون أن تكون النتائج في مستوى الإنفاق العمومي وبذات الجودة المطلوبة. هذا الأمر يتطلب من الحكومة إجراء بحث شامل ودقيق للوقوف على مكامن الخلل، لتقويم ما اعوج في منظومتنا التعليمية وتصحيح ما اختل منها، وهو ما يتطلب منا جميعا فتح حوار وطني حول منظومتنا التعليمية، وتحديد أهدافها وربطها بمجالات التشغيل. كما نؤكد في الفريق الاستقلالي، انطلاقا من الهوية الإنسية المغربية المتعددة الروافد، على إيلاء اللغة العربية واللغة الأمازيغية الأولوية في كافة برامج التربية والتكوين،وتقوية الآليات البيداغوجية القمينة بالنهوض الفعلي بتعلم اللغة الأمازيغية. مع العمل على ضرورة تكثيف الجهود من أجل محاربة الأمية، وما يتطلب ذلك من ضرورة التسريع بإخراج الوكالة الوطنية لمحو الأمية لهيكلة القطاع بشكل ناجع، حتى لاتظل هذه الآفة وصمة عار في جبيننا، ايمانا منا كفريق استقلالي بأنه لا مستقبل بدون هوية، وأن مستقبلنا في هويتنا بكل حمولاتها الدينية والسياسية والفكرية والثقافية. السيد الرئيس، إن القطع مع أشكال الفساد واقتصاد الريع، نعتبره في الفريق الاستقلالي المدخل الأساسي لمحاربة البطالة وتوفير فرص الشغل، خاصة في ظل تزايد أعداد العاطلين ليس بين صفوف حاملي الشواهد فقط، وإنما بين باقي الفئات من مختلف شرائح المجتمع. إن عدد مناصب الشغل المعلن عنها برسم هذه الميزانية، والتي إن تبقى غير كافية لاستيعاب العدد كبير من المتخرجين والباحثين عن العمل، تعبر عن إرادة سياسية ملموسة لهذه الحكومة، سيما في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية. السيد الرئيس؛ إن رد الاعتبار للعالم القروي والمناطق الجبلية بما يضمن شروط التنمية الحقيقية، يتطلب تحقيق التوازن ما بين الجهات والمجالات الترابية، وهو ما يستدعي اعتماد مقاربة ترتكز على الاندماج الترابي، وتكامل وتناسق التدخلات القطاعية في مجالات إنجاز الطرق القروية، والمراكز الصحية، والمؤسسات التعليمية، والربط بشبكات الماء والكهرباء والاتصال، وفك العزلة عن المناطق النائية. إن التدابير المالية التي نص عليها مشروع القانون المالي في هذا الإطار، من خلال تعزيز الإمكانيات المالية لصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، تعتبر إجراءات مهمة، ولكنها تبقى بعيدة عن إعطاء البعد الاجتماعي مدلوله الحقيقي، ولا تستجيب لمتطلبات وحاجيات وانتظارات سكان البادية، ولا تجسد توجهات واختيارات البرنامج الحكومي الذي التزمت من خلاله الحكومة، بإخراج سكان العالم القروي من دائرة الفقر والتخلف والإقصاء والتهميش، وتحسين مستواهم المعيشي، وتعزيز البنيات التحتية الكفيلة بتحريك عجلة التنمية المستدامة. السيد الرئيس؛ إن التضامن والتماسك والتآزر عقيدة راسخة لدى المغاربة، تجد مرجعيتها الأولى في التعاليم الإسلامية وسندها في مقتضيات الدستور، وهذا يجعلنا في الفريق الاستقلالي نثمن أوجه الصيغ التضامنية التي جاءت بها الحكومة في هذا المشروع لترسيخ التماسك الوطني، بما فيها المساهمات التضامنية، التي تستهدف تمويل صندوق التماسك الاجتماعي لضمان تمويل المساعدة الطبية، وبرنامج تيسير، وغيرها من البرامج، التي تسعى إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطين وبخاصة الفئات الضعيقة، وضمان استفادتها من الخدمات الأساسية. إن هذه الإجراءات التي أتى بها المشروع، شكلت في حزبنا أولويات برنامجنا الانتخابي، وإن تطبيقها على الوجه المطلوب يعني استفادة أكثر من مليون نصف من الفقراء من الولوج للخدمات الصحية مجانا، وتمكين أريعة ملايين تلميذ من متابعة دراستهم، ووقف نزيف الهدر المدرسي. كما نسجل بارتياح المبادرات الجريئة التي جاءت بها الحكومة لمعالجة بعض الاختلالات الاجتماعية كما هو الشأن بالنسبة للقرار القاضي بمنع الأطر التربوية من العمل بالتعليم الخاص، وكذلك الشأن بالنسبة للعاملين بقطاع الصحة العمومية من أطباء وممرضين من العمل بالقطاع الخاص، وكذا إصدار لائحة المستفيدين من السكن الوظيفي بقطاع العليم، ونشر قائمة المستفيدين من المقالع، في أفق أن تشمل هذه الاجراءات جميع القطاعات الحكومية الأخرى كالصيد البحري والأراضي الفلاحية. السيد الرئيس؛ إن الحكومة مطالبة بمواصلة الجهود لتقليص القوارق الاجتماعية، وتجنب مخاطر توسيع دائرة الغاضبين والمهمشين من أبناء هذا الوطن العزيز، ذلك أنه إذا كان الدستور قد أوكل إلينا، برلمانا وحكومة مهمة ومسؤولية السهر على الحفاظ على توازن مالية الدولة، فإن الواجب الوطني يفرض علينا الحرص علبى ضمان التوازن الاجتماعي الذي يشكل الدعامة الرئيسية للاستقرار، هذا التوازن الاجتماعي الذي بدأت مؤشراته مع حكومة التناوب التوافقي، من خلال إعادة النظر في الاعتمادات الهزيلة المخصصة للقطاعات الاجتماعية، هذا التوازن الاجتماعي الذي لازال بعيد المنال في غياب توزيع عادل لثروات البلاد وخيراتها، ما دامت العدالة الاجتماعية مجرد شعارات، ومادامت المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين مجرد مبادئ، ومادام اقتصاد الريع والامتيازات والإثراء غير المشروع يطبع تدبير الشأن العام. السيد الرئيس؛ علينا أن نستحضر الآمال الكبيرة التي يعلقها الشعب المغربي على هذه الحكومة، وما يتطلع إليها من تدابير اقتصادية واجتماعية ملموسة، تصاحبها قرارات سياسية جريئة تسهم في تخليق الحياة السياسية والعامة، ومكافحة جميع أنواع الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بعيدا عن أساليب التحكم والسيطرة وزرع ثقافة التيئيس والاتكال، بما يضمن لجميع المغاربة خاصة الشباب منهم، الانخراط الفعلي في تدبير الشأن العام بروح وطنية صادقة، وهذا ما جعلنا على الدوام نتمسك بخيوط الأمل والثقة في المستقبل، هذه الثقة التي تدفعنا للتصويت لصالح مشروع القانون المالي لسنة 2013، باعتباره يجسد إرادة الحكومة القوية في الاصلاح والتغيير لغذ أفضل. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته المحور الثالث البعد الاقتصادي في المشروع السيد الرئيس؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب؛ إن مناقشة مشروع القانون المالي في بعده الاقتصادي، تستوجب منا التركيز على التوازنات المالية والاقتصادية، ودور الاستثمار في تحريك عجلة التنمية والعراقيل التي تواجهه، في أفق إعادة النظر في السياسة الاقتصادية المتبعة، دون إغفال أهمية الجانب الجبائي في تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن المجالي. وقبل التطرق لهذه المواضيع، لابد من إبداء الملاحظات التالية: إن اعتماد الحكومة نسبة نمو تصل إلى 4.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتخفيض عجز الميزانية إلى 4.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ونسبة التضخم في حدود 2 في المائة، يجسد بحق إرادة الحكومة في نهج سياسة طموحة من أجل تحصين الاقتصاد الوطني، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة، ولكن هذا التوجه المحمود يفرض على الحكومة القيام بالمجهودات اللازمة لجعل هذا المبتغى واقعا ملموسا. إننا نثمن الاجراءات الجريئة التي جاء بها مشروع القانون الحالي لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية، والتحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، والتفاعل مع انتظارات المواطنين في القطاعات الحيوية، كالتعليم والصحة والسكن، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، مواصلة سياسة الأوراش الكبرى... وغيرها من التدابير الكفيلة بمواجهة الوضعية الراهنة. كنا نأمل أن يأتي مشروع القانون المالي بإجراءات مصاحبة تسهم في دعم توجهاته واختياراته من قبيل: إخراج القانون التنظيمي للمالية الجديد إلى حيز الوجود، بعدما أصبح النص الحالي الذي نناقشه في إطاره مشروع الميزانية متحاوزا، ولا يستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة؛ الإصلاح الجبائي الشامل، بعدما أصبحت منظومته لاتواكب متطلبات الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد بما يضمن العدالة الجبائية والاجتماعية؛ محاربة اقتصاد الريع وسياسة الامتيازات بكل أنواعها؛ معالجة وضعية الاقتصاد غير المنظم، معالجة أنظمة التقاعد، إصلاح صندوق المقاصة؛ إصلاح الإطار القانوني للصفقات العمومية؛ معالجة وضعية الحسابات الخصوصية؛ إن هذه الاجراءات المصاحبة وغيرها من شأنها تعزيز الثقة في المستقبل لدى المواطن المغربي. السيد الرئيس؛ في إطار هذا المنظور، يرى الفريق الاستقلالي ضرورة تقوية الاقتصاد الوطني، ودعم تنافسيته، ومسايرة متطلبات العولمة في ظل الوضعية الاقتصادية الدولية الراهنة، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير والأولويات أهمها: أولا- الحفاظ على التوازنات الماكرو_ اقتصادية من خلال: التخفيف من عجز الميزانية كآلية أساسية لدعم النمو. إن تفاقم عجز الميزانية الذي أخذ طابعا هيكليا في الميزانية العامة للدولة، يتطلب سن رؤية متكاملة لتدبير المالية العامة للحد من عجز الميزانية، طبقا للفصل 77 من الدستور الذي يؤكد على أن البرلمان والحكومة مسؤولان على الحفاظ على توازن مالية الدولة، وبالتالي فالمطلوب الإبقاء على نسبة العجز في مستوى مقبول لتفادي أي انعكاسات على الاستثمار والتشغل، وجعل التوازنات الماكرو-اقتصادية في خدمة التوازنات الاجتماعية، بواسطة الإجراءات التالية: ترشيد النفقات وذلك من خلال خفض تكلفة تسيير الإدارة واستهداف السياسات والتحكم في الإنفاق العمومي؛ إصلاح صندوق المقاصة بما يضمن تحقيق الأهداف المتوخاة من إحداثه واستهداف الفئات الاجتماعية المحتاجة، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود، دون إغفال الطبقة المتوسطة التي تشكل صمام الأمان داخل المجتمع المغربي. الحد من تفاقم المديونية العمومية بعدما وصلت إلى مستويات قياسية، وذلك من خلال الحد من الإنفاق العمومي الزائد، وتوجيه المديونية نحو الاستثمار العمومي المنتج، بدل تخصيصها للمنتجات الاستهلاكية. مراجعة شاملة للمنظومة الجبائية: من خلال الأخذ بعين الاعتبار المقترحات التالية: تبسيط مجموع التدابير الضريبية والرسوم على المقاولات، وتصحيح النظام الضريبي للمقاولات الصغرى والمتوسطة والمضي قدما في اعتماد الضريبة على الشركات بحسب الشرائح؛ عصرنة النظام الجبائي وتكييفه مع تحديات التنافسية والإنتاجية التي يواجهها النسيج الإنتاجي الوطني. أهمية الميزان التجاري في تطوير الاقتصاد الوطني. إننا نقترح في الفريق الاستقلالي على الحكومة، وهي تنبري لمعالجة الوضعية المقلقة للميزان التجاري نهج التدابير التالية: التدبير الأول: دعم القطاعات الموجهة نحو التصدير، في إطار العمل على ضبط المبادلات، وتبسيط المساطر، وتمتين وتنويع العلاقات التجارية؛وتكثيف التسويق مع العديد من البلدان؛ التدبير الثاني: التقليص من الواردات لفائدة استهلاك المنتوج الوطني، وتحسين تنافسية اقتصاده في الأسواق الداخلية والخارجية، وحماية المستهلك المغربي؛ التدبير الثالث: تشجيع الإنتاج الوطني من خلال تقوية تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتعزيز الاستثمار الداخلي؛ التدبير الرابع: مراجعة اتفاقيات التبادل الحر من خلال إعادة النظر في مضامين هذه الاتفاقيات، بما يمكن المغرب مستقبلا من ضبط عملية التوازن في مبادلاته . ضرورة التحكم في ميزان الأداءات والاحتياطي من العملة الصعبة. وفي هذا الصدد نوصي في فريقنا الحكومة بالعمل بمقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي القاضي ب" اللجوء إلى جهاز للتنميط أكثر فعالية مع إشراك الفاعلين الاقتصاديين"، والتطبيق الصارم لقواعد المنشأ، بما من شأنه أن يخفف من خطر التبديد المحتمل للتدفقات لصالح اتفاقات التبادل الحر المبرمة مع المغرب. ثانيا- اتباع سياسة استثمارية ناجعة السيد الرئيس؛ نثمن ما جاء في مشروع قانون المالية لهذه السنة من تدابير لتعزيز الاستثمارات العمومية، ومواصلة سياسة المشاريع الكبرى للبنيات التحتية، وتسريع وتيرة إنجاز الإستراتيجيات القطاعية، وسيبلغ المجهود الاستثماري الإجمالي للقطاع العام بجميع مكوناته ما قدره 180.3 مليار درهم برسم سنة 2013. وقد رسخت الحكومة التطبيق الفعلي، والمهنجي لنظام الأفضلية الوطنية في تنفيذ الصفقات العمومية، من خلال إرساء الصفقة على المقاولة الوطنية في إطار تشجيعها وإعطائها الأولوية على المقاولات الأجنبية. وتماشيا مع هذا السياق نرى في الفريق الاستقلالي، أن الحكومة مطالبة بإعادة النظر في السياسة المنتهجة في مجال الاستثمار العمومي، من خلال اعتماد التدابير التالية: القيام بتقييم للاستثمارات السابقة لمعرفة مدى استجابة الاستثمار العمومي لمتطلبات النمو الاقتصادي؟ ومقارنة ذلك بالاعتمادات المخصصة له، وبمدى تحقيقه للأهداف المرجوة؟ توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية من خلال تحسين مناخ الاستثمار لفائدة المقاولات الكبرى، والصغرى، والمتوسطة الوطنية على السواء،وتوجيه الاستثمارات العمومية نحو البرامج المنتجة والأكثر مردودية والمحدثة لفرص الشغل. ثالثا- تقوية ودعم تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة السيد الرئيس، في إطار العناية التي توليها الحكومة لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، تم إعطاء الأولوية في تسديد الضريبة على القيمة المضافة لهذا الصنف من المقاولات، بحيث استفادت المقاولات العقارية إلى غاية نهاية أكتوبر 2012 من تسديدات برسم الضريبة على القيمة المضافة بلغت 885 مليون درهم في إطار السكن الاجتماعي، كما ستخصص الدولة نسبة لا تقل عن 20% من الصفقات العمومية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، وستدفع الشركات الأجنبية الفائزة بالصفقات العمومية إلى اللجوء إلى المقاولات الوطنية في حال المناولة. ونثمن في الفريق، ما أقدمت عليه الحكومة في إطار دعمها للمقاولات الصغرى والمتوسطة من تخصيص مبلغ مالي إجمالي قدره 510 مليون درهم سنة 2013، وكذا تأهيل المقاولات التي توجد في طور التحديث، والمتوفرة على إمكانيات هامة للنمو، ومشاريع الشركات المبتكرة والمتواجدة لأقل من سنتين، والحاملة لمشاريع تستخدم نتائج البحوث والمشاريع المبتكرة بتغطية 90% من هذه المشاريع في حدود مليون درهم. بالإضافة إلى دعم الحكومة 75% من خدمات الخبرة، وتمويل 50% من نفقات الشركات في إطار مشاريع التطوير والبحث في حدود 4 ملايين درهم. علاوة على دعم التكوين المهني بحيث ستستفيد المقاولات في إطار العقود الخاصة للتكوين من دعم مالي يقدر ب 400 مليون درهم سنة 2013 . كما نسجل في الفريق الاستقلالي، مبادرة الحكومة في دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، من خلال اعتماد آليات جديدة ترمي إلى تشجيع الابتكار والبحث، عبر تخصيص ما يناهز 110 مليون درهم لبرنامجي 'انطلاق' و 'تطوير' فضلا عن دعم برامج 'امتياز' و'مساندة' و 'إنماء' لمواكبة المقاولات التي تتوفر على إمكانيات ذاتية للتطور من خلال تخصيص مبلغ 400 مليون درهم.