تحل اليوم الذكرى الثالثة والثلاثون لتحرير وادي الذهب واكتمال تحرير الصحراء المغربية، بعد استرجاع الساقية الحمراء قبل ذلك بثلاث سنوات في 28 فبراير سنة 1976. وجاء تحرير هذا الاقليم الغالي من الوطن في يوم 14 غشت سنة 1979 بعد معركة حاسمة فاصلة جرت في موقعة إمكارن أبلى فيها الجيش الملكي المغربي البلاء الحسن في صدّ الهجوم الفاشل الذي شنه البوليساريو بدعم كبير من الجزائر، للاستيلاء على مدينة الداخلة، وفرض السيطرة على وادي الذهب، ووضع المغرب صاحب الحق الشرعي في الإقليم، أمام الأمر الواقع، ليخسر هذا الجزء الذي لايتجزأ من الصحراء المغربية. لقد كانت البطولة العظيمة التي أظهرتها القوات المسلحة الملكية في صدّ قوات المرتزقة مثالاُ للقوة الضاربة وللحسم السريع في دحر المعتدين الطامعين في التراب الوطني المغربي، وفي التعامل معهم بكل الشجاعة والجرأة والإقدام، في ملحمة رائعة من ملاحم التاريخ المغربي المعاصر، ستظل خالدة في سجل القوات المسلحة الملكية، ومثار فخر واعتزاز للشعب المغربي في الحاضر والمستقبل. فلقد كان المخطط الجهنمي الشنيع يرمي إلى اغتنام الفرصة بالمباغتة وبأسرع ما يمكن، للدخول إلى مدينة الداخلة بمجرد خروج الإدارة الموريتانية منها، لتتم السيطرة على الإقليم، ولكن عيون المغرب كانت بالمرصاد، والقوات المسلحة الملكية كانت على استعداد تام، فأعطيت أوامر القيادة لها لتواجه العدو على امتداد الرقعة التي تسلل إليها، وللتعامل معه بمنتهى القوة لكسر شوكته، ولإبطال مخططه، ولحمله على التراجع إلى حيث أتى بعد أن انهزم الانهزام الكامل في الميدان ، بفضل شجاعة رجالنا البواسل الذين دحروه ولقنوه درساً لن ينساه هو ومن كان يقف وراءه. لقد تمثلت في هذا الحدث التاريخي الذي نحتفل به اليوم، كل القيم الراقية والمبادئ الرفيعة التي ينبني عليها كيان القوات المسلحة الملكية، وهي القيم التي آمن بها المغاربة عبر تاريخهم الحافل بالأمجاد، والتي قامت عليها الدولة المغربية. ولذلك فإن استحضار تلك القيم والمبادئ اليوم، ونحن نخوض معركة ترسيخ قواعد الدولة المغربية الحديثة على أساس متين من إصلاح دستوري غير مسبوق، هو الدرس الأول الذي نستخلصه من هذه الذكرى الخالدة التي تقترن بالمسيرة الخضراء، وباسترجاع الساقية الحمراء، والتي تعدّ من مفاخر عهد جلالة الملك الحسن الثاني محرر الصحراء وباني الدولة المغربية الحديثة. ففي مثل هذا اليوم استكمل المغرب تحرير صحرائه الجنوبية بإقليميْها الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكانت المسيرة الخضراء هي المنطلق إلى هذا التحرير الذي ردّ الحق إلى نصابه، وأثبت للعالم كله أن المغرب قادر كل القدرة، على أن يصنع مصيره، ويفرض إرادته على الأرض، ويبطل المخططات الاستعمارية القديمة منها والحديثة.فبتحرير وادي الذهب في تلك المعركة الفاصلة وبتلك البطولة العظيمة، استرجع المغرب صحراءه الجنوبية، واستكمل بسط سيادته الوطنية عليها. وهو الأمر الواقع الذي لايرتفع، والحقيقة الثابتة على الأرض التي لاسبيل إلى إنكارها أو الجدل بشأنها. فتلك هي إرادة المغرب التي تحدّى بها الأطماع والمؤامرات والدسائس والمكائد والخيانات، والتي تؤكد بما لايرقى عليه الشك، أن ما يريده المغرب ويقرره، هو الأمر الذي يكتسب الشرعية التي لاتنازعها أية شرعية مزيفة. فالوجود المغربيُّ في الساقية الحمراء ووادي الذهب هو هذه الشرعية التاريخية والقانونية والواقعية التي تمثل إرادة الشعب المغربي. وكذلك هي الحقائق التي ينكرها خصوم الوحدة الترابية المغربية، سواء أكانوا خصوماً مباشرين أم غير مباشرين. لقد أعطى استرجاع وادي الذهب في مثل هذا اليوم من سنة 1979، قوة دفع جديدة للمغرب الجديد الذي أقام قواعده جلالة الملك الحسن الثاني، ويرفع بنيانه جلالة الملك محمد السادس، في مسيرة وطنية متواصلة الحلقات، بدأت بتحرير الأرض، ثم انتقلت إلى تحرير الإنسان ببناء الدولة المغربية الحديثة، وبالإنطلاق في التنمية الشاملة المستدامة، وبالإصلاحات الدستورية والقانونية والاقتصادية، وبتجاوز المعوقات التي كانت تعترض الطريق نحو تحقيق الأهداف الإنمائية التي تغطي مجالات الحياة جميعاً. ومن هنا تأتي الأهمية لهذا الحدث التاريخي الذي نحتفل اليوم بذكراه الغالية.