أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطاب العرش، عزم المملكة المغربية على الاستمرار في الانخراط بحسن نية، في مسلسل المفاوضات الهادف إلى إيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي المشهود له بالجدية والمصداقية من طرف المجتمع الدولي، وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية. وجاء هذا التأكيد الملكي القوي والواضح، في وقت تصاعدت فيه الحملة التضليلية الخداعية التي تمارسها الأطراف المعادية للمشروعية والمتنكرة للحقوق المشروعة للشعب المغربي في أن يحمي وحدته الترابية، ويمارس سيادته الكاملة على كل شبر من الوطن. وبذلك يكون جلالة الملك قد وضع الأمور في نصابها، وأكد على الثوابت الوطنية، وأزال كل لبس، ودحض كل ادعاء، وفند الأباطيل، وأبطل المزاعم، وردَّ الشبهات التي يروجها خصوم الحق والمشروعية ودعاة التوتر والصراع وإطالة أمد النزاع المفتعل في هذه المنطقة من أفريقيا. وزاد جلالة الملك المسألة وضوحًا وجلاء، قطعًا لدابر كل التباس، ومنعًا من الوقوع في أي تفسير مغلوط، فأردف قائلا ً في قوة بيان ونصاعة منطق، إن انخراط المغرب في هذا المسلسل الذي يجري برعاية الأممالمتحدة، لا يعادله إلا عزمه على التصدّي بكل حزم لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا، أو للإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات. وهي المعايير القانونية التي حددها قرار مجلس الأمن، والتي لا يمكن الخروج عنها، بأي حال من الأحوال، تكريسًا للشرعية الدولية، وانسجامًا مع منطوق القرار الدولي الذي هو القاعدة القانونية لمسلسل المفاوضات. إن التأكيد الصارم والواضح والحاسم على الموقف المغربي في هذا الظرف الدقيق، يعبر عن تمسك المغرب بالشرعية الدولية، كما يعبر عن حرصه على إتاحة الفرصة لمجلس الأمن ليواصل الاضطلاع بمسؤوليته في إيجاد الحل السياسي المتفق عليه لهذا النزاع المصنوع الذي طال أمده، والذي أصبح يقلق الضمير العالمي ممثلا ً في مجلس الأمن، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم في المنطقة. ويتحمل الطرف الآخر، بتواطؤ مع الطرف الداعم له الذي يقف وراءه، المسؤولية في تفاقم الوضع، وفي انغلاق الأفق أمام تسوية سياسية عادلة تتم في إطار القانون الدولي. فالمغرب إذن، حريص أشدَّ الحرص، وفي جميع الأحوال، على الدفاع إلى آخر المدى، عن مصالحه العليا، وعن حقوقه المشروعة، وعن سيادته الوطنية ووحدته الترابية، ولن يقبل بأي مساس بهذه المصالح الاستراتيجية، أو بأي تفريط في هذه الحقوق التي تعززها وتدعمها حقائق التاريخ والجغرافية. وعلى الرغم مما يكيده خصوم الوحدة الترابية المغربية من مؤامرات ودسائس ويخلقونه من مشاكل يفتعلونها افتعالا ً، فإن المغرب ماضٍ في الطريق التي اختطها لنفسه لا يلوي على شيء، واثق الخطى، موفور الثقة بالنفس، إلى أن ينتهي هذا النزاع المفروض على المنطقة، ويصل هذا المسلسل إلى حيث أراد مجلس الأمن له أن يصل إليه، في إطار السيادة المغربية والوحدة الترابية للمملكة. ولقد أوضح خطاب العرش هذا المعنى بما لا مزيد عليه، حيث جاء فيه : «وفي أفق التوصل إلى حل سياسي دائم في إطار الأممالمتحدة، وانطلاقًا من الشرعية التاريخية للمغرب، ورجاحة موقفه القانوني، فإن المغرب منكب على تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية، ومواصلة إنجازات أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة الأثيرة لدينا، ولدى قلوب المغاربة أجمعين». ويتجلى في هذا الربط المحكم بين السعي من أجل إنهاء النزاع المفتعل في إطار قرار مجلس الأمن، وبين مواصلة العمل لترسيخ قواعد الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية، البعدُ الاستراتيجي للاختيارات المستقبلية التي يتميز بها العهد الجديد بعد اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أجداده الميامين، والتي رسخها الدستور الجديد الذي هو بكل المقاييس، نقلة نوعية في الحياة السياسية المغربية. وفي ذلك معنى التكامل الموضوعي الذي ينبني على الرؤية الشمولية للأمور، والذي يهدف إلى بناء المغرب الجديد على قواعد الديمقراطية في أبعادها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الجملة، فإن خطاب العرش أكد على الثوابت الوطنية، وشدَّد على العزم الذي يحدو المغرب لإيجاد حل سياسي متفق عليه للمشكل المفتعل في الصحراء المغربية، وعبر عن قوة الموقف المغربي، وعن رجاحة مركزه القانوني، أوضح ما يكون التعبير.و بأي تفريط في هذه الحقوق التي تعززها وتدعمها حقائق التاريخ