في مدرجات كلية الحقوق تعلمنا أن القوانين والدساتير والمساطر ليست مجرد قوالب جامدة لا ياتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأنها لم توضع لتستمر إلى أبد الآبدين... بل هي قابلة للتعديل والتنقيح ومسايرة الأوضاع الاجتماعية.. وتلك مهمة المشرع والبرلمان بوجه خاص. فقد ظهر محتالون قناصو فرص من نوع آخر، وجدوا في جمود القوانين والدساتير فرصاً مناسبة للتحايل والقفز على هذه القوانين لتحقيق مآرب شخصية آنية، تجعلهم بمنأى عن كل متابعة أو عقاب. المثال الساخن حالياً هو قضية أمينة الفيلالي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد.. وللقانون مسؤوليته في المأساة التي حدثت حين ظل يحتفظ بمادة تجيز زواج المغتصب ممن اغتصبها لتفادي عقوبة الاغتصاب. وفجرت القضية قضب المجتمع المدني برمته الذي يطالب بإلغاء هذه المادة وتوجيه أصابع الاتهام إلى مسؤولي الحق المدني. إذن نحن أمام مادة قانونية جامدة تتطلب التغيير. في مجال الدستور هناك فصل يتعلق بممارسة الحريات العامة ويجيز اللجوء إلى الإضراب كحق دستوري، لكنه سكت بعد أن وعد بتحديد الشروط التي يُمارس من خلالها الإضراب.. فكان الأمر أشبه بحمار جحا الذي توقف عند العقبة. لكن الإضراب حالياً أصبح يثير الكثير من القلاقل ووجع الدماغ بعد أن أصبح اللجوء إليه سهلا بل وممتعاً، ذلك أن بعض المحتالين كما قلت يجدون فيه أياماً للراحة والعطلة المؤداة، فلا يشاركون في إضراب ولا هم يحزنون بل يمكثون في بيوتهم هانئين سالمين.. أما بعض النقابات الداعية إلى الإضراب فلا يهمها سوى النفخ في نسب نجاح هذا الإضراب لتؤكد قوتها. ثم بدأ الإضراب يتحول إلى فوضى حين تتبعه تجمعات وحركات للتنديد واقتحام المؤسسات . هنا انتبهت الحكومة إلى الخلل الذي يعتري ممارسة حق الإضراب، وربما هي منهمكة في إعداد الشروط المؤطرة له.. وقد بدأت بالحديث عن أسهل الحلول أي باقتطاع أيام الإضراب من أجور المضربين. والخشية أن يؤدي هذا القرار إلى مزيد من الحنق.