هدد وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو يعلق على إضراب الشغيلة التعليمية في 24 و 25أبريل الماضيين، باقتطاع اليومين من أجرة المضربين، ولإسناد القرار بحجة دامغة قال إن ذلك معمول به في جميع دول العالم، وإذا صدقنا ما صرح به نبيل بنعبد الله باسم الحكومة كلها، فإن الاقتطاع من أجرة المضربين سلوك قانوني عالمي لا غبار عليه ولا غضاضة على الحكومة المغربية أن تعمل به من أجل كبح جماح الشغيلة التعليمية المستضعفة حتى لا تكرر اللجوء إلى الإضراب مرة أخرى، وليضرب من يضرب منهم عن بينة متحملا كامل المسؤولية. لا نتحدث هنا عن الأسماء والهيئات والأشخاص، ولكننا نتحدث عن القيم والأفكار وروح القوانين، وسلوك حامليها بين الأمس واليوم، فقد كان كل من وزير الاتصال ووزير التربية الوطنية والشباب معا ينتميان إلى نقابة عتيدة وتيار سياسي يساري مناضل شارك في تنظيم إضرابات لا تعد ولا تحصى طالت عدة بعض منها حتى تجاوزت مدة يوم أو أكثر في عصر القوة والانتشار. فكيف فقد هذان الرجلان، وإخوان لهما في النقابة والتيار، ذاكرتيهما وانقلبا على نضاليتهما السابقة وتاريخهما الحافل بالإضرابات والاحتجاجات دفع فيها اليسار عموما ثمنا باهظا من الحرية والكرامة والحقوق. وإذا كان من المفهوم أن يتحمل السياسي مسؤوليته السياسية عندما يصبح مسؤولا في الحكومة ويبتعد ما أمكن عن النظرة السياسوية الحزبية وهو ما لا يفعله كثير من وزرائنا المتحزبين فلا أقل من أن يحافظ الواحد منهم على التوازن والوسطية فلا يسارع إلى الدوران دورة كاملة تدع الحليم حيران والمناضل الحزبي فاقد البوصلة والاتجاه? وإذا سلم أحد بأن كثيرا من الدول المتقدمة في العالم مثل فرنسا وألمانيا تقتطع للمضربين من أجورهم وهم على علم مسبق بذلك فإن الخاص والعام يعلم تمام العلم أن تلك الدول المقتدى بها في الاقتطاع تقدم حقوقا اجتماعية وسياسية ونقابية للمضربين لا تقدمها الحكومة المغربية التي تأخذ ما يعجبها من سلوك تلك الدول إن كان في صالحها وتترك الباقي إن كان في غير صالحها ومحرجا لها. وهذا سلوك أقل ما يوصف به أنه كيل بمكيالين وانتهازية مريضة استقبحها القرآن الكريم عندما فضح قوما ترتفع أصواتهم عندما يكون الواقع غنيمة لهم وفي مصلحتهم المادية والمعنوية، لكنهم يخرسون ويختفون عندما يكون ضدهم وفيه مغرم لهم? معاناة التعليم وشغيلته بدأت منذ زمن بعيد، ولم تعالجها أي حكومة من الحكومات حق المعالجة، وطغى فيها الصراع السياسي والحزبي على المصلحة التربوية والعلمية المحلية للمملكة المغربية. وما يزال الأمر يستفحل ويتورم أكثر فأكثر، ولئن لم يرتفع المعنيون بالأمر إلى المستوي المطلوب فوق الحزازات والحسابات السياسية والحزبية والنقابية، فإن مستقبل المغرب سيكون أشد حلكة وسوادا مما هو عليه الآن? ومهما هدد وزير التربية الوطنية أو وزير الاتصال بالاقتطاع من الأجور والأموال المنهكة بالضرائب والهزال، فإن الشغيلة التعليمية المستضعفة ستواصل الكفاح والنضال.