لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل ومخططات ترسيخ وهم أرض الميعاد
مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني من أجل استعادة وطن
نشر في العلم يوم 26 - 03 - 2012

يوم الجمعة 9 مارس 2012 بدأت إسرائيل جولة جديدة من الحرب ضد قطاع غزة، وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وخلال جلسة حكومته العادية يوم 11 مارس، أقر أن قواته هي التي بدأت الهجوم لأنه حتى حسب المنطق الإسرائيلي لم يكن هناك عمل عسكري فلسطيني يقتضي التدخل، لكنه برر ذلك بالقول: «في يوم الجمعة تمت تصفية إرهابي كبير يقصد رئيس لجان المقاومة الشعبية، زهير القيسي، خطط لتنفيذ عمليات إرهابية كثيرة ضد دولة إسرائيل، وكان مشغولا في الآونة الأخيرة بتخطيط عملية إرهابية أخرى وجهت لحدودنا مع مصر.
واستطرد نتنياهو ولا نزال على أهبة الاستعداد أمام احتمال وقوع عملية إرهابية هناك، لذلك أوعزت بإغلاق الطريق الذي يقع على حدودنا الجنوبية مع مصر، ولكن لا شك أن عملية جيش الدفاع الإسرائيلي قد أحبطت هذا المخطط، وسنرى إلى أي مدى تم إحباط هذه العملية خلال الأيام القريبة. ومن البديهي أن عملية التصفية التي قمنا بها أدت إلى القتال مع لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي ومنظمات إرهابية أخرى، ولا نزال في أوج هذا القتال، ويسدد جيش الدفاع ضربات موجعة لهذه المنظمات. وأريد أن أشيد بجيش الدفاع وبالأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وقد أجبرنا الإرهابيين على دفع ثمن باهظ ولا نزال نجبرهم على ذلك وسنواصل العمل وفق الحاجة».
أهداف أخرى
في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحدثوا صراحة عن أهداف أخرى لهذا العدوان، لا تتعلق بخطط الفصائل الفلسطينية المسلحة ولا العمليات ضد إسرائيل. وكتب ألكس فيشمان، المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، المعروف بكثرة مصادره في قيادة الأجهزة الأمنية، أن عملية الاغتيال كانت بمثابة كمين نصبته القوات الإسرائيلية بهدف جر أقدام الفلسطينيين إلى الرد عليها، ومن خلال ذلك تحققت عدة أهداف، أهمها: إجراء تجربة أخرى على منظومة «القبة الحديدية» أي الصواريخ التي تدمر صواريخ العدو في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها، ومعرفة مدى التزام حماس بالتهدئة، وهل هي فعلا ستمنع الفصائل الفلسطينية من إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، وإقناع المجتمع الإسرائيلي بمدى أهمية «القبة الحديدية»، حتى يتم منع وزارة المالية من تقليص الميزانية التي يطلبها الجيش للتزود بمزيد منها.
وزير الدفاع الإسرائيلي باراك، أكد خلال جلسة الحكومة، على أهمية هذه المنظومة. وتحدث عن ارتفاع نسبة نجاحها في تدمير صواريخ العدو من 55 في المائة قبل سنة مرورا ب70 في المائة في صيف سنة 2011 وصولا إلى 90 في المائة في سنة 2012. وطلب اعتبارها «مشروعا وطنيا ضخما تسخر له كل الموارد».
ولكن بارك لم يذكر في استعراض عضلاته أن اليوم الثاني من المواجهات كلف إسرائيل، من ناحية الدفاع بواسطة منظومة القبة الحديدية، أربعة ملايين دولار، على الأقل، حيث اطلقت المنظومة، حتى ساعات بعد ظهر اليوم الثاني، واحدا وأربعين صاروخا بتكلفة مئة ألف دولار لكل صاروخ. وبالنسبة إلى باراك، فهذه الخسارة شكلت ربحا في معركته حيث اعتبرها دليلاً على ضرورة زيادة الموازنة العسكرية. ولم يكتف باراك بالإعلان عن نصب منظومة رابعة خلال شهر أبريل، بل راح يقدم طلباته للاستمرار في تعزيز قدرة جيشه على حماية السكان، وأعلن انه سيطرح للنقاش مجددا اقتراح صناعة منظومة «العصا السحرية» المتعددة الطبقات واعتبارها مشروع «طوارئ قومي»، وذلك لإلزام الجهات ذات الشأن المصادقة عليها وصناعتها.
نتنياهو أثنى على ذلك إذ قال في الجلسة نفسها: «منظومة القبة الحديدية تثبت فعاليتها بشكل ملموس، وسنقوم بتزويد جيش الدفاع بالمزيد منها خلال الأشهر والسنوات المقبلة».
الجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي معني بتسويق منظومة «القبة الحديدية» وبيعها لدول في الخارج، ولكنه لن يستطيع ذلك من دون أن يجربها ويثبت ميدانيا أنها ناجحة.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، تحدث بدوره عن هدف آخر، وهو معرفة نوعية الصواريخ الموجودة بحوزة الفصائل الفلسطينية، وهل وصلت إليها صواريخ حديثة متطورة. وقد أكد خلال حفل تبادل مراكز في قيادة اللواء الأوسط في الجيش، أن المعارك دلت على أن فصائل فلسطينية صغيرة مثل «ألوية صلاح الدين» و»سرايا القدس»، أطلقت صواريخ «غراد»، التي كانت موجودة في الماضي فقط بحوزة حماس.
وكان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي قد أدلى ببيان خلال اجتماع الحكومة ذكر فيه أن الفلسطينيين أطلقوا 120 صاروخا على إسرائيل، أدى أحدها إلى إصابة 10 أشخاص، بينهم عامل تايلاندي جراحه بالغة. وقال إن أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي يتعرضون لخطر الصواريخ.
وعلى الرغم من أن حركة حماس لم تطلق الصواريخ وحرصت على إظهار ذلك علنا، وتتعرض لانتقادات شديدة داخل غزة وخارجها بسبب موقفها هذا، فقد حملها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون، مسؤولية استمرار إطلاق الصواريخ. وهدد يعلون حماس بدفع «ثمن باهظ في حال لم تقم بوقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل».
أفي سخاروف المحلل في صحيفة «هآرتس»، كتب يقول حماس تدرك أنها في وضع حرج، فهي تريد البقاء في الحكم ومواصلة لعب دور المقاومة في ذات الوقت، في المقابل فإن الضغوط الإسرائيلية في حال رضوخ حماس لها، من شأنها أن تظهر أن حماس تخلت عن المقاومة وأخذت نفس الدور الذي لعبته السلطة الفلسطينية في كبح العمليات ضد إسرائيل والتنسيق الأمني معها، وهذا ما دفع الحركة إلى توجيه وفد إلى القاهرة ومطالبة الجانب المصري بالتدخل للتوصل إلى تهدئة مع إسرائيل.
مصادر رصد أوروبية ذكرت أنه كان هناك هدف آخر من العملية الإسرائيلية ضد غزة وهو إمتحان القدرة المصرية على تتبع ورصد حركة الطيران الإسرائيلي فوق كل المنطقة الجنوبية من فلسطين المحتلة المحاذية لسيناء إنطلاقا من إيلات شرقا حتى قطاع غزة غربا. وأشارت تلك المصادر أنه كما حدث من قبل خلال عملية الرصاص المصبوب على غزة نهاية سنة 2007 وبداية 2008 سجل أن الجيش المصري تتبع طلعات الطيران الإسرائيلي وأبقاها على مدار الساعة على شاشات رادراته، وهو ما يعني أنه لو كانت هناك مواجهة كان بإمكانه توجيه دفاعاته الجوية نحو الطائرات الإسرائيلية طوال المدة التي تنطلق فيها من المدرجات وحتى عودتها بعد إنجاز مهامها.
حقل التجارب
يوم الاثنين 19 مارس 2012 نقلت وكالة أنباء الاناضول التركية عن خالد مشغل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تأكيده أن إسرائيل تستخدم قطاع غزة كحقل تجارب لاختبار قدراتها العسكرية. وقال مشعل خلال زيارة إلى تركيا قام بها من الجمعة حتى الأحد 18 مارس أن إسرائيل تعتبر غزة حقل تجارب. لقد اختارت إسرائيل غزة حين رغبت باختبار درعها المضادة للصواريخ وهي تحضر لنزاعات أخرى. من جانبه دعا رئيس الوزراء التركي اردوغان لتفويت الفرصة على محاولات إسرائيل جر غزة إلى حرب.
مصادر رصد غربية وشرقية قدرت في نهاية سنة 2011 أن هناك تنازعا بين تيارين داخل مراكز القرار سواء في تل أبيب أو واشنطن. الفريق الأول يطالب بإحتلال كامل قطاع غزة أو ما يوصف اختصارا في بعض الملفات الخاصة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية «بعملية الحل»، مما سيدفع مئات الالاف من الفلسطينيين إلى اللجوء إلى الأراضي المصرية في سيناء وبذلك يتحقق لإسرائيل جزء من مشروعها حول إيجاد وطن بديل للفلسطينيين، وبعد ذلك يعيد الجيش الإسرائيلي تحت غطاء تبريرات مختلفة سيطرته الكاملة في عمليات عسكرية دامية على الضفة الغربية، وهو ما سيدفع كذلك آلاف الفلسطينيين إلى اللجوء إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن. وهنا يمكن لساسة الصهاينة زيادة التركيز على مقولتهم أنه لا يوجد متحدث فلسطيني يعتد به، وأن الشعب الفلسطيني إختراع من صنع العرب وبعض خصوم الشعب اليهودي، وأنه على العرب والعالم تحمل مسؤولياتهم وإيجاد حل لهؤلاء الذين تسمونهم الفلسطينيين.
لا خلاف على الهدف النهائي
الفريق الثاني لا يختلف كثيرا عن سابقه فيما يخص الهدف النهائي للتحركات الإسرائيلية، الخلاف يتعلق فقط بالتكتيك، حيث أن هذا الطرف يقدر أن الظروف الدولية تجعل من الصعب على تل أبيب تنفيذ المشروع الأول والأكبر في المرحلة الحالية والقفز على المراحل، وأنه يجب إنتظار تحقيق تقدم مرحلي مهم للمشروع الصهيوأمريكي للشرق الأوسط الكبير قبل التصفية النهائية للقضية الفلسطينية ومعها لمشروع وحدة المنطقة الواقعة بين الخليج العربي شرقا والسواحل الأفريقية المغاربية على المحيط الأطلسي.
هذا الفريق الذي يخوض حروبا في نطاق يشبه بالمسلسلات، يريد أن يزرع روح اليأس أولا بين شعب الأرض الفلسطينية، وثانيا بين كل شعب الشرق الأوسط الكبير، بحيث تسقط كل الثوابت ويسود الشك والفرقة وتتحول التطلعات الوطنية إلى أوهام، ويتفرق الأخوة وحتى أفراد الأسرة الواحدة إلى أقطاب متصارعة.
وهكذا وعبر تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير القاضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة متصارعة ومقسمة على أساس طائفي ومناطقي وديني سيمكن تمرير عملية التهجير الكبرى الثانية للفلسطينيين وبالتالي إخلاء الأراضي التي تريدها تل أبيب في هذه المرحلة.
الحروب القادمة
خلال الثلث الثاني من شهر مارس 2012 سرب إلى بعض وسائل الإعلام الدولية جزء من دراسة أعدها الخبير العسكري الإسرائيلي أيهود عيلام أستاذ التاريخ العسكري والدبلوماسي بجامعة تل أبيب، هذه الدراسة تدخل في نطاق ما تحدث عنه خالد مشغل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بشأن استخدام إسرائيل قطاع غزة كحقل تجارب لاختبار قدراتها العسكرية وللتحضير لنزاعات أخرى.
الدراسة جاءت تحت عنوان أهمية سيناء كجبهة عسكرية لأي حرب مستقبلية مع مصر، وتقول أن إسرائيل وطوال الحروب الأربع التي خاضتها ضد مصر، تخلت إسرائيل عن سيناء مرتين، رغم كل ما تمثله من أهميتها في مجالات الردع والإنذار المبكر وجمع المعلومات الاستخباراتية علي اعتبارها جبهة دفاعية أمامية وأرض غنية بالموارد الطبيعية والنفط، ويمكن من خلالها السيطرة علي قناة السويس وتأمين خليج العقبة والممرات الجوية والبحرية حتى مضيق باب المندب، إلي جانب كونها ساحة مناسبة لتنفيذ تدريبات جوية وبرية ولإمتصاص كثافة بشرية هامة.
وتابع الخبير أنه في حال اندلاع حرب جديدة سيزيد الجيشان المصري والإسرائيلي من جهودهما من أجل السيطرة علي مفارق الطرق المحورية في سيناء قبل الطرف الآخر.
كذلك تطرق عيلام إلى المطارات في سيناء وأهميتها، خاصة في ظل تعاظم دور الطيران والسلاح الجوي خلال الحروب التي شهدتها شبه الجزيرة سيناء بين مصر وإسرائيل، موضحا أن إسرائيل قامت خلال احتلالها لسيناء بإنشاء عدد من المطارات الجوية وبعد انسحابها وسعت القاهرة هذه المطارات بشكل كبير وأعدت ممراتها للتحمل أكبر الطائرات كما أوجدت العديد من مقاطع الإقلاع التي تجعل من الممكن استخدام الطائرات العسكرية لها ولو تعرضت للقصف. وهذه الوضعية موجودة في مطار «رفيديم» بوسط سيناء، ومطار أوفير»شرم الشيخ حاليا» ومطار عتسيون «طابا حاليا» ومطار إيتان «العريش حاليا».
ونوه عيلام إلي أنه علي ضوء أهمية المطارات في سيناء فمن المتوقع في حال نشوب حرب جديدة بين مصر وإسرائيل أن يحدث تسابق بينهما من أجل السيطرة علي تلك المطارات لضمان فرض السيادة الكاملة. وعلي ضوء بعد المسافات بين مطارات سيناء، وبين حدود البلدين فيتوقع أن ينجح الجيش المصري في السيطرة علي مطار بئر الجفجافة وبئر تمدة وشرم الشيخ، بينما يمكن للجيش الإسرائيلي السيطرة علي مطاري العريش وطابا، والأمر سيكون في نهاية المطاف منوطا بمدي سرعة رد فعل كل طرف من الأطراف.
ويقدر عيلام في المقابل أن الجيش المصري سينجح في عبور قناة السويس بثقله الكامل بواسطة الجسور والأنفاق، وسيسعي للسيطرة بشكل أساسي علي الممرات الجبلية، خاصة وأنه متدرب عليها بشكل جيد. لكن المشكلة الرئيسية التي ستواجه الجيش المصري هي مناطق السهول المنتشرة في شمال سيناء، حيث يتوقع أن تشهد قتالا عنيفا.
وطرح عيلام تساؤلاً مهما في دراسته، وهو ماذا سيكون الهدف الرئيسي للجيش الإسرائيلي في حال اندلاع حرب جديدة مع مصر؟ وبرأيه، هناك ثلاث خيارات أساسية مطروحة أمام الجيش الإسرائيلي في تلك الحالة: الأول، المبادرة بالقضاء علي أية قوة عسكرية مصرية ضخمة تحاول الوصول إلي سهول شمال سيناء، مع عدم إبقاء قوات إسرائيلية بالمكان. الثاني، تنفيذ هجوم استراتيجي مضاد لاحتلال جزء كبير من سيناء، أو ربما كل أرض سيناء، وتدمير الجيش المصري المتواجد فيها، أما الثالث والأخير، بحسب عيلام، فهو التركيز علي استهداف القوات الجوية المصرية، وتنفيذ هجمات جوية داخل العمق المصري لإجبار الجيش المصري علي الانسحاب من سيناء.
ويتابع عيلام بالقول علي أنه على أية حال يمكن الدمج بين الخيارات الثلاثة، رغم أن كل خيار يحمل بعض المميزات وبعض العيوب.
ويسجل أنه في نطاق التصعيد والاستفزاز صرح وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي موشيه يعالون خلال شهر مارس 2012: «بالنسبة الينا، فإن هؤلاء الإرهابيين يمشون اليوم وهم ميتون فلا يوجد أحد في قطاع غزة يتمتع بالحصانة»، «التصعيد او الهدوء مرتبطان بالجانب الفلسطيني، أما النظرية التي خرج بها البعض وتقول أن الوضع الجديد في مصر يكبل يد إسرائيل فهي نظرية فاشلة.
وقال: «في جولات التصعيد الماضية لعبت مصر دور الوسيط ونحن لا نجري مفاوضات مع حماس المسؤولة عما يجري في قطاع غزة، فنحن نريد ان نوصل رسالة واضحة للغاية إذا واصلتم إطلاق النار فسنطلق النار عليكم وإذا ما أوقفتم إطلاق النار فسنوقف إطلاق النار، وأضاف بلهجة متعجرفة: «لا نخشى من أن تمس جولة التصعيد الحالية باتفاقية السلام مع مصر نحن أقوى.
قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، طال روسو، ذكر أنه «لا حلول نهائية لمواجهة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه البلدات الإسرائيلية في الجنوب، في الغارات الحالية لسلاح الجو». وأضاف أن «وقف صواريخ غزة بشكل كامل، يتطلب أوامر بتنفيذ عمليات أوسع من التي تم تنفيذها، إذ لا يوجد في قطاع غزة تنظيم واحد يسيطر على كل الأوضاع، ويوجد العديد من الأجسام التي تعمل هناك، ومن بينها العناصر التي ترفض التهدئة». وتابع روسو: «لا نستطيع السيطرة على كل هذه التنظيمات في قطاع غزة، إن ذلك من المستحيلات، ولكن يوجد لدينا العديد من مصادر القوة التي قد نستخدمها في جولات مقبلة. نحن على استعداد دائم وفي حالة تأهب واستعداد لأي طارئ على الأرض».
كل الطرق تقود إلى...
الأمر الذي قد يمر أمام البعض بدون الغور في أبعاده التي قد تكشف عن جزء من المخططات الإسرائيلية، هو أن تل أبيب في حديثها عن تهديدات المقاومة الفلسطينية وروابطها وتمويلاتها الخارجية، ينتهي بها المطاف إلى تصوير شبه جزيرة سيناء كالموقع الأساسي للتهديد.
بتاريخ 21 مارس 2012 نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصدر أمني إسرائيلي كبير تأكيده إن خبراء عسكريين أجانب يعملون في قطاع غزة كما يقومون بتشكيل «خلايا إرهابية» في سيناء.
وأشارت «هآرتس» إلى أن هذا المصدر أفاد إن الخبراء المعادين ينتقلون إلى السودان ومنها إلى مصر ثم يصلون إلى سيناء وقطاع غزة وأنه «تلحظ شارات إنشاء بني إرهابية من جانب الخصوم في مختلف أرجاء سيناء». وبحسب تقديرات هذا المصدر فإن هؤلاء الخصوم يمارسون ضغوطاً شديدة على لجان المقاومة الشعبية وعلى حركة الجهاد الإسلامي لمواصلة العمل عسكريا ضد إسرائيل.
ويضيف المصدر إنه على الرغم من تجاوب إسرائيل مع كل المطالب المصرية لتعزيز قواتها في سيناء وعلى عكس ما نصت عليه بنود اتفاقية كامب ديفيد للحد من حشد القوات، فإنه منذ بدء أحداث 25 يناير 2011 لم تلحظ أية عملية عسكرية كبيرة للجيش المصري ضد المنظمات الإرهابية في سيناء، والوضع مشابه لما كان سابقا، ومنذ كارثة التخلي الإسرائيلي عن سيناء». وقال المصدر إن هناك في سيناء ثلاثة أنواع من الخلايا: أولها، محلي يتشكل من البدو ممن تبنوا أيديولوجيا المنظمات الجهادية العالمية، والثاني، جهات تقف خلفها أطراف معادية وتحاول تجنيد وبناء بنية ليس فقط في سيناء وإنما أيضا في مصر كلها، والثالث، جماعات فلسطينية مسلحة.
ويستطرد المصدر الإسرائيلي بالقول «ينبغي أن نتذكر أن المنظمات الفلسطينية تستخدم سيناء حاليا كأرض مريحة للعمل»، وإن مجموعات مشكلة من أجانب وصلوا من دول إسلامية ويتواجدون في سيناء وهؤلاء يرتبطون بالجهاد العالمي وبينهم أناس من العراق وأفغانستان واليمن والسعودية. وأشار إلى أن زيارة رئيس حكومة «حماس» في غزة إسماعيل هنية إلى طهران لم تفلح في إعادة العلاقات إلى مجراها وقد أوقفت إيران دعمها ل»حماس».
قواعد اللعبة
يشير محللون عسكريون أوروبيون تخصصوا في دراسة عدد من النزاعات المسلحة التي دارت بين شعوب تخضع أراضيها للإحتلال، وقوة مستعمرة متفوقة عسكريا وتقنيا وماديا، أن النجاح حالف الثائرين على الاحتلال فقط عندما أصبحوا هم من يضع قواعد المواجهة. ويضيف المحللون، أنه في كل هذه النزاعات كانت القوة المحتلة تعمل على خداع خصومها أو الضغط عليهم بطرق شتى حتى يبدلوا قواعد المواجهة وبالتالي يسقطون في فخ خوض الصراع المسلح بأساليب لا تضمن لهم إلحاق أكبر خسائر مؤلمة بالخصم، وهو ما يحرره من أن يجبر في نهاية المطاف على التسليم بالهزيمة بأسلوب ما.
في كل المواجهات التي خاضها الصهاينة سواء مع الفلسطينيين حتى إعلان قيام الكيان الإسرائيلي سنة 1948، أو بعد ذلك مع بقية الأطراف العربية، تمت ممارسة لعبة تضخيم قوة خصوم تل أبيب وخطرهم على دولة أرض الميعاد. بهذا الأسلوب تم تجنيد جزء كبير من الرأي العام خاصة في الغرب للدفاع عن إسرائيل المهددة، وفي نفس الوقت غذى آمال الفلسطينيين خاصة والعرب عامة في التحرير، ودفع بقيادات كثيرة إلى ركوب قطار مخاطر في وقت غير مناسب وبقدرات ليست كافية.
تشير دراسة عسكرية غربية أنه في غالبية الحروب الكبرى كانت القوى المنتصرة، هي التي تجر المنهزمين إلى ركوب المغامرة قبل أن يكونوا قد وفروا قدرا كافيا من توازن القوى.
الدروس المستخلصة من هذه التجارب هي التي جعلت موسكو بعد هزيمة دول المحور تنطوي نسبيا على نفسها وتتجنب أي مواجهة خطيرة مع الغرب حتى تمكنت من خلق حالة توازن الرعب مع واشنطن. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات انطوت موسكو مجددا وتركت أمريكا تصول وتجول عبر العالم، ولكن بعد أن استعادت جزء من قدراتها عادت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين إلى تحدي عالم القطب الواحد.
المقاومة الفلسطينية حتى بعد أن تموقعت أساسا داخل حدود فلسطين التاريخية، اتبعت تكتيكات حرب عديدة خاصة في عمق الأراضي المحتلة قبل سنة 1967، هذه الأساليب أثرت بشكل سلبي كبير على القوى الصهيونية الإستيطانية ودفعت حتى بحاميها الأساسي أي الولايات المتحدة الأمريكية إلى العمل بكل الطرق لمحو أساليب المقاومة هذه الأكثر خطرا.
وتدريجيا تحول جزء من المقاومة الفلسطينية إلى ما يشبه حربا نظامية، هذه الحالة شكلت أقل الضرر لإسرائيل وقدر العديد من ساستها أنه يمكن التعايش مع هذا الوضع.
يسجل أنه في حملة التحريض على الفلسطينيين خاصة في غزة والتي روجت لها إسرائيل قبل يومين من اغتيال القيسي، جرى الحديث بشكل واضح عن أن المقاومة باتت تهدد أمن الكيان وأن تخطيطها المستقبلي يشكل خطرا حقيقيا على أمن إسرائيل. وروج الجيش لتقرير استخباري جاء فيه أن حركات المقاومة تواصل تعزيز قدراتها العسكرية بالتزود بالمزيد من الأسلحة المتطورة، وبأنها أدخلت سنة 2011 سبعة أضعاف ما تزودت به من أسلحة عام 2010 ما زاد عدد الصواريخ بنسبة أربعين في المئة وعدد قذائف المدفعية بنسبة خمس وعشرين في المئة. وروج الجيش لتدريبات جيشه على سيناريو مواجهات تحت الأرض مدعيا أن المقاومة تمتلك منظومة حربية وعسكرية تحت الأرض تشمل عشرات «الأنفاق القتالية» المرتبطة بالبيوت داخل القطاع، بعضها أنفاق معدة لعمليات أسر جنود إسرائيليين وأخرى لنقل الأسلحة وتهريبها في الجنوب. وزادت إسرائيل في حملة تحريضها على القول أن فصائل المقاومة تقوم بتشكيل خلايا مسلحة تعمل تحت أسماء مختلفة وتخطط لتنفيذ عمليات ذات نوعية عالية من سيناء ضد إسرائيل.
مناورات سياسية
نهاية شهر يناير 1999 نشرت وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» تحليلا تناولت فيه إتهام حكومة تل أبيب للرئيس ياسر عرفات بالتخلي عن التزاماته وخداع شركائه الدوليين، حيث أنه يعتقل من تسميهم إسرائيل ارهابيين، ولكن بعد فترات ليست بالطويلة يقوم بإطلاق سراح معتقلين سياسيين يكون أغلبهم في العادة أعضاء من منظمات متشددة مثل حركة «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي. ووصفت الاستخبارات الصهيونية هذه العملية بسياسة «الباب الدوار» واتهمت عرفات بعدم تنفيذ إلتزاماته الأمنية المنصوص عليها في اتفاق أوسلو ومذكرة واي بلانتيشن التي تنص على ضمان أمن إسرائيل واتخاذ الاجراءات الوقائية ضد المنظمات المعادية لعملية السلام.
وذكرت السلطات الصهيونية في حينها في مذكرة رفعت إلى الخارجية الأمريكية: «اعتادت أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية على اعتقال نشطاء الإرهاب من أجل تلميع الصورة أمام إسرائيل والولايات المتحدة وكمن تعمل على المكافحة الحقيقية للإرهاب. وقد تم إطلاق سراح قسم ملحوظ من هؤلاء المعتقلين بعد تحقيق قصير وسطحي دون إحباط النوايا الخاصة بتنفيذ العمليات الإرهابية». أضافت المذكرة: يتضح من فحص أسماء المفرج عنهم أن قسما على الأقل عاد إلى النشاط التنفيذي وكانوا ضالعين في التخطيط، التوجيه وتنفيذ العمليات الإرهابية الفتاكة التي بلغت ذروتها في مارس 2002.
خلال تلك الفترة أكد العديد من الحقوقيين، أنه بما أن إسرائيل جمدت عملية السلام فإنه ليس على السلطة الفلسطينية أية التزامات لتطبيق بنود الإتفاقات من طرف واحد.
يقول محللون أنه على الأقل وعلى السطح نجح عرفات في دفع الرئيس الأمريكي في حينها بوش وسنة 2001 إلى الإقرار بعدم قدرة الرئيس الفلسطيني على التحكم في التنظيمات المسلحة وإن كان قد طالبه ببذل المزيد.
وقال بوش فى معرض رده على اسئلة الصحفيين أثناء جولة في احدى المدارس بولاية فرجينيا «من الواضح ان عرفات لا يملك تاثيرا على جميع الاطرف التى تنفذ العمليات الانتحارية وانا اتفهم ذلك لكننا نتوقع منه ان يكون حازما في جهوده لكبح جماح اولئك الذين يريدون ضرب أي تقدم نحو السلام».
في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وقبل إغتياله بواسطة قصف بالطائرات العمودية الإسرائيلية يوم 17 أبريل 2004 كتب الدكتور عبد العزيز الرنتيسي: إن أمريكا ترى في العمليات الاستشهادية خطورة بالغة على مستقبل الكيان الصهيوني الذي يمثل الأداة الأمريكية الرادعة ضد أي نظام في المنطقة يسعى إلى التخلص من الهيمنة الأمريكية والتمرد عليها، ولقد وصفت مجلة «فورن بولسي» الأمريكية تأثير العمليات الاستشهادية على الكيان الصهيوني قائلة «إنها القنبلة الهيدروجينية الفلسطينية التي توازن الترسانة العسكرية الصهيونية الهائلة، خصوصا أن هذا السلاح الفلسطيني هو القادر على زعزعة أركان المجتمع الصهيوني، وضرب الأمن الصهيوني، وجعل جيش الاحتلال عاجزا عن وقف المقاومة وتكريس الاحتلال، كما أنه السلاح الوحيد الذي يذكر الصهاينة يوميا بأن لا مكان لهم على أرض فلسطين مهما طال الزمن».
سراب الأقلية
داخل الكيان الصهيوني فئة ليست بقليلة تختلف مع المخططين الراجحين حاليا في معادلة رسم السياسات، وهذه الفئة تريد حلا سياسيا ولا ترجح نجاح المشاريع التوسعية الطموحة، وتخشى من عودة المقاومة إلى وضع قواعد المواجهة الأكثر إيلاما، وهي في نقاشها تحاول خلط الأوراق. في هذا الإطار كتب المحلل شاؤول اريئيلي في صحيفة هآرتس يوم 20 مارس 2012: نجحت القبة الحديدية في أن تهب لسكان اسرائيل وهم أنهم يستطيعون أن يضيفوا إلى الجدار الأمني الأرضي قبة جوية أيضا تتم فصلهم عن الصراع مع الفلسطينيين. لكن هذه القبة الجوية والجدار ينجحان في أن يعترضا فقط أعراض الصراع التي كانت قبل عشر سنين في الأساس «مخربين منتحرين». وتمتنع إسرائيل عن مواجهة جذور الصراع. في غزة، حطم منع التصدير إلى إسرائيل والضفة القطاع الخاص الإنتاجي. وأصبحت نسبة 83 في المائة من المصانع مشلولة أو تعمل بأقل من 50 في المائة من قدرتها الإنتاجية. وزادت نسبة البطالة من 18.7 في المائة في سنة 2000 إلى 30.3 في المائة. وحلت محل النخبة الاقتصادية القديمة نخبة من مقربي حماس تفرض سيطرتها على اقتصاد أنفاق، وقطاع العقارات وأكثر مسارات الاستثمار والأعمال في القطاع.
على نحو مفارق، وبرغم أن الحصار الذي جعل الاقتصاد في غزة أقل إنتاجا، زادت إيرادات السلطة. فتجارة الأنفاق وفرض الضرائب على إدخال السلع، والمحروقات ومواد البناء، تمد حماس بجزء كبير من ميزانيتها. ففي 2010 حول إلى خزانتها نحو من 300 مليون دولار من اقتصاد الأنفاق وهذا يشكل 60 في المائة من ميزانيتها السنوية، في حين اقتصرت ميزانية السلطة في غزة في 2006 قبل ضياع سيطرتها على القطاع على 40 مليون دولار فقط.
إن السياسة الإسرائيلية تحرم غزة على نحو أساسي من مصدري دخل مركزيين ودخول الناس والتجار ورجال الأعمال من الضفة. والتغيير الذي يمس هؤلاء سيصلح جدوى الاستثمار في الصناعة والزراعة وينوع توزيع الثروة الأجنبية والمحلية ويزيل تعلق السكان بمساعدة أجنبية وأجهزة صدقة محلية يتعلق الجزء الكبير منها بالسلطة.
لم تفكر حكومة إسرائيل الحالية في استغلال التهدئة من أجل تفاوض جدي بل بالعكس، فنحن نشهد مضاعفة عدد المستوطنين وتقوية المستوطنات المعزولة وتهويد شرقي القدس والامتناع عن الإفراج لعباس عن أسرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.