أكدت العديد من المصادر الأمريكية والإسرائيلية ان الرئيس بوش أعطى الضوء الأخضر لحكومة أولمرت لشن هجوم كبير على قطاع غزة أما بهدف إعادة احتلاله بشكل كامل أو جزئيا للقضاء على سيطرة حماس على القطاع ووقف كل عمليات المقاومة وخاصة قصف المستوطنات الصهيونية بالصواريخ منه. غير ان بوش وهو يعطي الضوء الأخضر قدم كذلك تقارير للإستخبارات الأمريكية عن المشاكل والأخطار التي قد تواجه عملية إجتياح إسرائيلية لغزة، ومن ضمنها أن المقاومة الفلسطينية بكل أفرعها وليس حماس والجهاد وحدهما حولوا غزة الى قلعة وقسموه الى وحدات متكاملة من حيث قدرة المقاومة بحيث أنه إن سقط جزء لا يؤثر ذلك على باقي الأجزاء. وجاء في التقارير الإستخباراتية التي جمعتها عدة مصادر أمريكية من ضمن 16 وكالة إستخباراتية ان الفلسطينيين نجحوا وبمساعدات من مصر في تلغيم كل المحاور الإستراتيجية في القطاع بحيث يتحول أي اختراق عسكري معاد الى كابوس، كما نجحوا في تكوين رصيد هام من الأسلحة وخاصة تلك المضادة للدروع والطائرات سواء العمودية أو المقنبلة النفاثة، ومن ضمنها صواريخ خفيفة روسية وإيطالية وفرنسية وهندية وصينية الصنع تطلق من الكتف أو من سيارات خفيفة مما سيعرقل عمل الطيران الإسرائيلي وأجهزة استطلاعه الطائرة وبالتالي يؤثر سلبا على قدرات الآلة العسكرية الصهيونية. وأفادت التقارير الأمريكية كذلك ان الفلسطينيين امتنعوا حتى الأن ورغم كثافة الهجمات الإسرائيلية عن استخدام الكثير من الأسلحة التي بحوزتهم حتى لا يكشفوا عمليا حجم قدراتهم. وكان البنتاغون قد زود إسرائيل في الأشهر الأخيرة بمعدات جديدة تستخدم بشكل خاص في حرب المدن وضد المباني التي يتحصن فيها المقاتلون والقناصة. قبل التحذيرات كان الجيش الإسرائيلي قد قام بتدريبات على اكتساح غزة، وحسب صحيفة هاأرتس العبرية تبين أنه في اليوم الأول من الهجوم سيخسر الجيش الصهيوني حوالي 70 قتيلا وثلاثة الى أربعة أضعاف هذا العدد من الجرحى وأن الخسائر سترتفع في اليوم الثاني الى 200 قتيل، ولن يتم تأمين غزة إلا بعد معارك ستستمر حوالي 14 يوما وتخلف دمارا هائلا في المباني والبنى التحتية في القطاع وتقتل ربما اكثر من 3000 مدني فلسطيني وتشرد عشرات الألاف مما سيؤلب الرأي العام الدولي على تل أبيب ويحملها مسؤولية تموين مليون ونصف نسمة بالطعام والماء وغير ذلك من المستلزمات حسبما ينص القانون الدولي حول مسؤوليات القوى المحتلة. وبينت المناورات ان الجيش الإسرائيلي سيحتاج الى حوالي 22 الف جندي و1000 دبابة و2500 سيارة من مختلف الأنواع في عملية الإكتساح التي قد تتحول الى نكسة كما حدث في صيف سنة 2006 خلال حرب ال34 يوما ضد حزب الله في جنوب لبنان. على ضوء هذه المعطيات يقدر المراقبون أن أولمرت ووزير دفاعه باراك قررا على الأقل في المرحلة الراهنة خوض حرب استزاف كبيرة ضد القطاع وفي نفس الوقت القيام بعمليات احتلال لأجزاء منه وتقسيمه الى جزئين او ثلاثة وعزله عن الحدود المصرية بإحتلال ممر فلادلفيا البالغ طوله 12 كيلومترا على طول حدود غزة مع سيناء. صحيفة معاريف أكدت في عددها ليوم الجمعة 11 يناير أن جيش الدفاع استكمل وضع خطة عسكرية لشن عملية واسعة النطاق ومتدحرجة في قطاع غزة، موضحة أن الخطة لا تستهدف احتلال القطاع إنما عزل مناطق فيه وتكبيد حكم حماس ثمنا دمويا . وأضافت الصحيفة واسعة الإنتشار أن الخطة العسكرية أصبحت جاهزة ، مبينة أن قادة الجيش اجتمعوا لإعادة النظر فيها على ضوء المعلومات التي وفرتها الأجهزة الأمريكية. وذكرت الصحيفة أن الخطة مفصلة، وحافلة بالسيناريوهات والأمور الاضطرارية، مبينة أن التاريخ وحده فقط هو الذي ينقصها. وأشارت الصحيفة في التقرير الذي أعده الصحفي بن كاسبيت المعروف بعلاقاته بدوائر صنع القرار والاستخبارات: الأمر لا يتعلق باحتلال غزة لا قدر الله ، مبينا أن تلك العملية يتوقع أن تكلف مائتي قتيل إسرائيلي وآلاف الفلسطينيين في المرحلة الأولى . ووفق الخطة فإن الحديث يدور عن استخدام هجمة متدحرجة متحركة وثابتة وشرسة، لعزل المنطقة المحددة في القطاع المناطق القريبة من السياج الإسرائيلي والتي تستخدم لإطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية. الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف إلحاق أكبر خسائر بشرية بالفلسطينيين في غزة والتي خلفت يوم الثلاثاء 15 يناير 20 شهيدا هي الجزء الأول من حرب الإستنزاف في حلتها الجديدة حيث يسعى الاحتلال بواسطة مسلسل من العمليات المركزة كعمليته الأخيرة في حي الزيتون إبعاد قناصة ومقاتلي حماس ومطلقي الصواريخ من الشريط الحدودي بعرض يتراوح بين كيلومترين وثلاثة وتشويش دقتها. كما يرمي لاستنزاف قدرة سكانها على تحمل الحصار المبلل بدماء أبنائهم. ويرى معلقون عسكريون أن الجيش بعمليات الاستنزاف هذه يسعى لتحقيق هدف استراتيجي يتمثل بحرمان حماس من حرية الحركة في المنطقة الحدودية مع غزة تحاشيا لنشوء أوضاع مماثلة لتلك التي أوجدها حزب الله في جنوب لبنان قبل عدوان يوليو 2006 ولا شك أن دروس حرب لبنان الثانية ستدفع الاحتلال الى عدم استعجال الخروج بحملة برية واسعة قبل الصيف المقبل استنادا لخطة واضحة بعيدا عن الردود الانفعالية. في إسرائيل يسجل إنقسام شديد حول الحرب على غزة فبين من يؤيدون الإكتساح الكامل وإعادة الإحتلال وهؤلاء الذين يطالبون بالتفاوض على هدنة مع حماس والمقاومة، يوجد من يبحثون عن انواع متنوعة من الحلول الوسط. المحلل العسكري في صحيفة يديعوت احرونوت اليكس فيشمان يقدم بعض التصورات حيث قال ان اسرائيل انجرت وراء التصعيد في قطاع غزة، وذكر ان وزير الامن الاسرائيلي ايهود باراك ورئيس هيئة الاركان العامة الجنرال غابي اشكنازي وحتى حركة حماس، لا يريدون ان تندلع الحرب الحقيقية بين الطرفين، ولكن في حقيقة الامر، فان الطرفين ينجران وراء التصعيد وان المواجهة الحقيقية بينهما ستندلع عاجلا ام اجلا، في توقيت غير متوقع بالمرة للجانبين. واضاف المحلل العسكري للصحيفة قائلا انه حتى الان لم تقم اسرائيل باغتيال القادة السياسيين لحركة حماس، كما انها امتنعت عن ضرب الاماكن التي تشكل المظاهر لسلطة حماس، ولكن انتقال اسرائيل الى اغتيال القادة السياسيين في حماس، بات قاب قوسين او ادني، وبموازاة ذلك فان اسرائيل تواصل حصارها على القطاع، وتواصل سياستها لعزل حماس عن الحلبة السياسية لفرض شروطها على الحركة بان تستسلم بسبب ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين، وبسبب الوضع الانساني الكارثي في قطاع غزة جراء الاجراءات الاسرائيلية. ووفق تقديرات الاجهزة الامنية الاسرائيلية، يضيف المحلل فيشمان، فان حركة حماس تملك ترسانة اسلحة كبيرة للغاية، وانها تستطيع اطلاق اكثر من ستين صاروخا من طراز القسام في اليوم، حتى عندما يكون الجيش الاسرائيلي يقوم بعمليات ضد مطلقي الصواريخ من المقاومة الفلسطينية. واضافت المصادر ان عملية عسكرية كبيرة لاجتياح قطاع غزة لن تؤدي الى وقف القسام، وفق نفس المصادر. وخلص الكاتب الى القول ان امام حكومة اولمرت امكانيتين الاولي سياسية والثانية عسكرية، والامكانيتان وفق رأيه لن توصلا الى شاطئ الامان، ولكن على الرغم من ذلك، على الحكومة الاسرائيلية ان تتخذ القرار بسرعة. لا نريد الموت في غزة هذا هو الشعار الذي يرفعه الجنود الإسرائيليون الأن بعد ان ظهر ان العد العكسي للحسم قد اقترب من نهايته. فقد كشفت صحيفة معاريف النقاب عن انه في التدريبات السرية للجيش على اجتياح القطاع، جاءت النتائج سلبية للغاية. وحسب المراسل العسكري للصحيفة امير بوحبوط، فانه في الاربع والعشرين ساعة الاولي من الاجتياح سيخسر الجيش الاسرائيلي 71 من وحدة النخبة غفعاتي ومن سلاح الهندسة الذين سيقتلون من الصواريخ المضادة للدبابات التي تملكها المقاومة الفلسطينية، بالاضافة الى قيام المقاومة بتفعيل عبوات ناسفة بحجم كبير تؤدي الى زيادة عدد القتلي والجرحي في صفوف جنود الاحتلال. وقال مسؤول عسكري اسرائيلي للصحيفة انه على الجمهور في اسرائيل ان يعلم ان اجتياح قطاع غزة سيكلف الاسرائيليين ثمنا باهظا للغاية. وقال مسؤول امني للصحيفة ان المقاومة الفلسطينية تمكنت في الاونة الاخيرة بجمع العتاد العسكري على اختلاف انواعه، بما في ذلك صواريخ ضد الدبابات التي لم تستعمل في الماضي ضد جيش الاحتلال، واضاف ان قادة الجيش على اقتناع بانه في هذه الحالة لا يمكن اجتياح القطاع، وانهم ملزمون بالبحث عن بدائل اخري خلاقة لمنع تكبد الجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة في الارواح والمعدات. وقال احد الجنود الذي شارك في التمرين العسكري للصحيفة ان قوات الاحتلال اعتادت على الانتصار في التدريبات التى يجريها الجيش، ولكن هذه المرة، كانت الخسارة فادحة، وبالتالي اضاف انه انهي التدريب بنوع من الاحباط الشديد وناشد صناع القرار في الدولة العبرية بألا يتخذوا قرارا متسرعا في مسألة اجتياح قطاع غزة. واضاف ان احدا من الجنود لا يريد الموت على مشارف غزة، وبالتالي فان المستويين الامني والسياسي في اسرائيل ملزمان بقول الحقيقة لجميع المواطنين الاسرائيليين، بان ثمن الاجتياح سيكون باهظا للغاية .