قبل أشهر طويلة من الهجوم الجوي الإسرائيلي على قطاع غزة يوم السبت 27 ديسمبر ,2008 طرح الكثيرون سؤالا حول فرص تكرار تجربة الصمود اللبناني لصيف سنة 2006 وانكسار آلة الحرب الصهيونية أمام حزب الله، في قطاع غزة. ففي القطاع اضطر الصهاينة الى اتخاذ قرار الانسحاب منه من جانب واحد ودون أي اتفاق مع أي طرف وذلك تحت ضغط المقاومة الفلسطينية تماما كما حدث لهم في جنوب لبنان في مايو سنة 2000 تحت ضغط المقاومة اللبنانية. الاجابات اختلفت على هذا التساؤل، فمن المراقبين من رأى ان الانكسار الاسرائيلي يمكن ان يتكرر في غزة ليخلق معادلة توازن جديدة في جنوبفلسطينالمحتلة، في حين رأى آخرون ان غزة ليست هي لبنان وأن الأوضاع العسكرية والسياسية والطبيعة الجغرافية لا تسهل تكرار نفس تجربة كسر شوكة قدرة الردع الإسرائيلية. هناك اوجه اختلاف بين الجبهة اللبنانية وجبهة غزة، كما ان هناك اوضاعا مشتركة، غير انه عند طرح السؤال حول فرص تكرر الانكسار الإسرائيلي يجب استعراض أوجه الاختلاف أكثر من نماذج التشابه. في لبنان استطاع حزب الله وبدون قيود تقريبا بناء ترسانة تسلح هامة خاصة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مما مكنه صيف سنة 2006 من وضع 4 ملايين إسرائيلي في مدى قصفه. في غزة اعتمد الفلسطينيون أساسا على انفسهم في بناء ترسانة من الصواريخ يضاف الى ذلك ما كان يمر عبر انفاق سيناء التي بلغ عددها احيانا الى 560 حسب مصادر فلسطينية، ولكن ذلك لا يقارن بما كان يوفر لحزب الله خاصة عبر حدود مفتوحة بين سوريا ولبنان. في لبنان كانت أكثر من نصف أراضي البلاد ساحة تحرك لحزب الله مع ساحل مفتوح، في حين ان مساحة غزة لا تزيد على 243 كيلومترا مربعا محاطة من ثلاثة جوانب بالقوات الإسرائيلية و12 كيلومتر فقط مع مصر. القطاع كان تحت الرقابة العسكرية الصهيونية الدائمة خاصة بواسطة الطائرات بدون طيار في حين ان لبنان كن تحت رقابة متفاوتة قبل حرب الصيف. في لبنان شكلت التضاريس في منطقة المواجهة وخاصة التلال والممرات الصخرية الوعرة سندا للمدافعين، في غزة عوضت المقاومة وهي اساسا من حماس والجهاد سلبية طبيعة الارض المنبسطة بالخنادق والممرات تحت الارضية والازقة والشوارع الضيقة لمواجهة إسرائيل في حرب عصابات برية. واذا كان حزب الله قد استطاع حشد أكثر من 30 الف رجل للقتال أو للمساندة اللوجستيكية خلال حرب ال 34 يوما صيف ,2006 فإن حماس تستطيع حشد عدد مماثل أو أكثر قليلا. الجيش الاسرائيلي أخذ الكثير من الدروس من حرب لبنان الاخيرة وهو يحاول في غزة تجنب السقوط في الاخطاء التي ادت الى انتكاسته في لبنان. وحتى اليوم السادس من حملة الرصاص المنصهر يبدو ان هجوم غزة خال الى حد كبير من الانتكاسات التكتيكية التي لاحقت اسرائيل اثناء حرب لبنان. وتجنب ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي التعهد بتحقيق اي انتصارات كبرى، وكذلك فعل وزير حربيته. غير ان حماس التي تجاوزت العديد من الاغتيالات الاسرائيلية في الماضي التي استهدفت قادتها والذي يعد حكمها لغزة مطلقا، استطاعت امتصاص الضربة الاسرائيلية الاولى. وواصلت قصف العمق الاسرائيلي، غير ان حجم ضرباتها لا يقارن بما حدث في لبنان، ومدى صواريخها وان كان يهدد حوالي 800 الف مستوطن صهيوني فهو ليس بالكثافة التي كانت لحزب الله في لبنان. فحزب الله ومنذ اليوم الاول للحرب في 12 يوليو 2006 واجه الجيش الاسرائيلي بالقصف المدفعي والصاروخي حيث يتوفر على قطع مدفعية متوسطة ليس لدى حماس مثيلا لها كما ان صواريخ حزب الله حملت عبوات ناسفة كبيرة وكان مدى بعضها يتجاوز 180 كلم، غير انه بالنسبة لحماس والجهاد فإن قرب المدن والمستوطنات الاسرائيلية من غزة يعوض جزء من الفرق في قدرات القصف الصاروخي مقارنة بحزب الله. والواضح ان المقاومة في غزة تعول على هجوم بري إسرائيلي لتخلق معادلة توازن الردع عبر تكبيد الجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة في الارواح تجبره على البحث عن تسوية سياسية. ومن الصعب اخافة اهل غزة الذين يغمرهم القتال المستمر والحرمان. وعلى النقيض من ذلك كان لبنان يتمتع في عام 2006 بسنوات من الهدوء النسبي كما كان حزب الله يسعى الى حشد الدعم السياسي، وكانت أمامه قوى غير صديقة داخليا ومسلحة جيدا ومتعاونة مع تل ابيب. اصرار غزة على الصمود أكده اسماعيل هنية رئيس الوزراء حين أكد انه حتى لو شنقهم الاسرائيليون وجرت دماؤهم في شوارع غزة وحتى لو قطعت جثثهم اربا فلن يقدموا تنازلات ولن يتراجعوا. حتى الان يتجنب ساسة إسرائيل ركوب قطار مغامرة حرب برية وهم ان فعلوا فلن يذهبوا أبعد من مئات الامتار حول جبهة القطاع. ويسجل الملاحظون ان صمت اسرائيل النسبي بشأن شروط وقف العمليات العسكرية ربما يخفي ايضا انعدام اليقين حول المدى الذي يمكن ان يصل اليه الهجوم. ورغم ان قوتها احتشدت على الحدود فان اسرائيل لا تتعجل المعركة البرية وتركز على الهجمات من الجو. وهذا يعني استنفاد مخزون مواقع حماس المعروفة التي يمكن ان تقصفها القوات الجوية الاسرائيلية والتي لم تعد تحتوي على اعداد مهمة من المقاومين مع العلم ان حرب لبنان اثبتت ان مثل تلك الغارات لا توقف الرد الصاروخي. وبينما انتهت حرب لبنان بوقف لاطلاق النار توسطت فيه الاممالمتحدة عزز وجود قوة حفظ سلام في معقل حزب الله السابق الا ان حماس استبعدت مثل ذلك الوجود في غزة.