شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مليلية رصيد تاريخي و موقع استراتيجي ساهم في مجريات الأحداث بين ضفتي المتوسط
ثقافة متنوعة أكسبت المدينة خصوصية رغم محاولات التحكم في بنيتها المجتمعية
نشر في العلم يوم 06 - 03 - 2012

كثيرة هي الدراسات التي تناولت جوانب من تاريخ الشمال المغربي سلطت الضوء على جوانب هامة بالمنطقة خاصة من الزاوية التاريخية، فيما بقي نصيب الثغور المحتلة الرازحة تحت نير الاستعمار الإسباني قليلا أو إن لم نقل باهتا نجد منه فقط ما أنجز من كتابات تاريخية أو استطلاعات تناولت مرحلة تاريخية أو جوانب اقتصادية و سياسية في علاقة سبتة و مليلية بملف شائك يربط المغرب بجاره الشمالي، بحيث أن المتتبع لأحوال مليلية مثلا لا يصله من أخبارها أو ما يمتلكه من معرفة بالمدينة إلا ما يكاد يتجاوز معرفة سطحية عنوانها ) قلعة إسبانية يعود تاريخها لقرون/ مدينة حدودية / سوق للتهريب/ منطقة عبور/ منطقة نزاع بين المغرب و إسبانيا(. مع أن حقيقة الأمر تؤكد أكثر من هذا سواء على مستوى الرصيد التاريخي و التحولات الكبرى التي عاشتها المدينة و موقعها في مجريات أبرز الأحداث بين ضفتي المتوسط أو من حيث البعد الاقتصادي و الاجتماعي الذي منحها تميزا جعل منها نقطة بارزة ضمن توجهات المغرب الذي يلح دوما على استرجاعها إلى جانب باقي الثغور وكذا ومن جهة إسبانيا التي تحرص منذ أن بسطت يدها على هذه المناطق على تكريس واقع سياسي معين لا ينسجم مع واقع اجتماعي متحرك و مؤثر يبدو خفيا أو مغيبا لدى الرأي العام وغائبا من الناحية الإعلامية بحيث لا يسمح للمهتمين و المتتبعين بمعرفة الكثير من التفاصيل المحيطة بواقع حياة تجمع بين ثقافات متعددة اكسبت المدينة خصوصية لا تزال صامدة في وجه كل هدف يرمي إلى احتواءها أو التحكم في بنيتها المجتمعية.
المغاربة كتلة ديموغرافية بامتياز:
بمجرد ولوج المعبر الحدودي الفاصل بين بلدة بني أنصار و مليلية الواقع أسفل مرتفعات سلسلة جبال كوركو المطلة على ساحل المتوسط يلمح الزائر تغير المشهد العمراني ذي الخصوصية الإسبانية الذي يجمع بين بنايات حديثة أنشأت في سياق مخططات سلطات المدينة على مستوى إعادة الإعمار و بين بنايات قديمة معظمها يعود إلى فترة العشرينات و الثلاثينات قاسمها المشترك أنها كانت مرافق إدارية عسكرية و بعض المحلات و المراكز التجارية القريبة من الواجهة البحرية المنتشرة بين شوارع مركز المدينة الحديثة غير بعيد عن القلعة العسكرية التي تشرف على الميناء. و بينما يعتقد أن الإسبانية تشكل اللغة السائدة بين ساكنة المدينة تأكد لنا أن الحديث بلغة ثيربانتيس وإن يعتبر ضروريا فبالإمكان التواصل بالأمازيغية اللغة الأم بمنطقة الريف، فرغم مصادفتنا نسبة كبيرة من أبناء المدينة يتحدثون فيما بينهم بالإسبانية فقد بدت ملامح الأصول المغربية واضحة بتقاسيم بسحناتهم التي لا يمحوها الزمن.
والأكثر من هذا أن الأرقام المسجلة من الناحية الديمغرافة المستعرضة لخريطة التركيبة البشرية للمجتمع المليلي )ولا نقول الإسباني لغياب شروط وجود مجتمع إسباني خالص( تشير إلى أن عدد السكان من أصل مغربي يراوح نسبة 45٪ حسب تصريحات رسمية سرعان ما تصطدم مع أرقام رجال الساسة في إسبانيا أو مليلية التي لا تتحدث سوى عن وجود نسبة 35٪ وحتى لو افترضنا الرقم الأخير صحيحا فهو يحمل دلالات كبيرة تفيد أن المغاربة الإسبان يشكلون نسقا مجتمعيا مهما إضافة إلى وجود ما يقرب من 5000 مقيم مغربي يتوفرون على بطاقة الإقامة، فيما تبقى عيون الإدارة و السلطة الإسبانية تترقب باهتمام شديد المنحى الديمغرافي للمغاربة المتصاعد بالمدينة و الذي يمنح سنة بعد أخرى تفوق كفتهم على الإسبان و باقي الأقليات الضعيفة بناءا على الزيادة السنوية للمكون المغربي الراجع إلى عوامل كثيرة أبرزها الثقافة الإنجابية التي لا تزال مترسخة بين المغاربة وهو ما يمكن الوقوف عليه في سجلات الولادات و كذا المدارس التي تضم نسبا كبيرة من أبناء المغاربة ما يعتبر مؤشرا على تحول ديموغرافي على حساب المكون الإسباني الذي سجل تراجعا بعد فترات كان فيها للعنصر الإسباني الغلبة في كل شيء.
كرونولوجيا مسار متقلب بتحولاته و محطاته:
لم تكن هذه المدينة التي ظلت نواة صراع طويل سوى قلعة محصنة مخصصة للجيش و سجون المنفيين les renégats المرتدين عن العرش الإسباني و توجهات الكنيسة منذ القرن 16 حتى حدود القرن 17 و 18 حينما أخذت النواة الأولى لمدينة استقطبت اهتمام غير العسكريين تتضح وقد ناهز آنذاك عدد ساكنتها 3000 نسمة ومع أواخر القرن 19 حين تم اعتبارها منطقة حرة معفية من الضرائب شجعت على وصول موجة من المهاجرين القادمين من مدن جنوب إسبانيا خاصة للاستثمار في التجارة بفعل ما فسحته عملية التحرير من امتيازات ليتأكد معها عزم الإسبان على أن تلعب مليلية دورا أكبر من مجرد قلعة تراقب حركة الملاحة جنوب المتوسط ما دفع المولى سليمان و مولاي إسماعيل إلى تنظيم حركات و فرض حصار كان شعاره صد الكفار و ووقف كل تحرك يرمي إلى التوسع داخل التراب المغربي لتزداد أخذت أفواج الإسبان في التردد على المدينة إلى حدود سنة 1900 م التي تضاعف فيها العدد ثلاث مرات متجاوزا 9000 نسمة شكل بداية تحول و تطوير في الاستراتيجية المعتمدة على نقل مليلية من مركز عسكري لفيالق الجيش إلى نقطة تجارية قادرة على لعب دور اقتصادي يقوم على تسخير ثروات المنطقة و أهلها لخدمة مخططات إسبانيا التي كانت في أشد الحاجة إلى تعويض ما خسرته في مستعمراتها بأمريكا اللاتينية و عدم قدرتها على مواكبة و تحمل نفقات الجيش بها في مقابل أزمة داخلية و رغبة في تقوية نشاط صناعي عبر استغلال ما تزخر به المناطق القريبة من مليلية من معادن خام كالحديد والرصاص و هو ما شرعت فيه بالفعل منذ 1900 م.
و مع التحاق المغاربة بالجيش الإسباني ما بين 1911 و 1918 سواء داخل صفوف الجيش النظامي و غير النظامي انخرط تجار مغاربة في مزاولة بعض المهن الحرة بالمدينة و يأتي على رأسهم التاجر المعروف باسم "مورو ڭاطو" الذي يعد من أوائل المغاربة الحاصلين على الجنسية الإسبانية. وقد كانت طبيعة عمل المغاربة في التجارة بمليلية تكتسي طابعا بسيطا عبر بيع بعض المنتوجات على مدار ساعات اليوم ثم العودة إلى دواويرهم وقراهم ليتطور الأمر بفعل تزايد إقبال ساكنة المدينة على هذه المنتوجات إلى محاولات للاستقرار الدائم لاسيما وسط العائلات التي ترتبط بأفراد عاملين في الجيش الإسباني و تشكل حاليا القاعدة البشرية لأحياء الهامش خاصة كحي "كابريريسا ألطا: الذي يضم نسبة كبيرة تنتمي إلى قبائل بني بويحي وعلى العموم فإن السمة الطاغية على هؤلاء كونهم يشتركون مستويات فقر شديد ما عدا قلة من التجار الميسورين الذين اعتمدت عليهم الإدارة الإسبانية في نسج علاقات مع أعيان القبائل و القيام بدور الوساطة و الاتصال مع الجانب المغربي فيما بقيت الوضعية الإدارية للمغاربة غامضة وسط تزايد في سكان مليلية الذين فاق عددهم 80 ألف نسمة سنة 1950 جراء موجة هجرة كبيرة هروبا من واقع مزري عاشته شبه الجزيرة الإيبيرية و تطلعا لحياة أفضل بمنطقة اعتبرت حينها واعدة بعد أن ارتفع المردود الصناعي المعتمد على استغلال الثروات الباطنية المتواجدة بمرتفعات بني بويفرور الواقعة على بعد 25 كيلومترا جنوبا، لكن ومع إعلان استقلال المغرب بدأ موسم الهجرة العكسية للإسبان نحو مدن جنوب إسبانيا بفعل تزايد تخوف من حدوث تغير في الخريطة السياسية بالمدينة خاصة بعد أن أخذ المغرب يطرح بإلحاح ملف المدينتين سبتة و مليلية على واجهات دولية فكان للهاجس الأمني دوره في ترتيب مرحلة جديدة.
المغاربة و بداية رحلة البحث عن الذات
و مع مطلع الستينات و السبعينات قامت إسبانيا بعملية إحصاء دقيق الغرض منه دراسة البنية المجتمعية التي لوحظ أنذاك مدى التأثير المغربي عليها من خلال العلاقة المباشرة مع الساكنة و ممثليهم عبر المساجد و المدارس لتيبقى أوج الصراع و التجاذب بين المغاربة و الإسبان سنة 1985 وما شهدته هذه الفترة الراسخة في ذاكرة ساكنة المدينة من أحداث قادها جيل من أبناء فترة ما بعد الاستقلال الذي رفض ما سمي بقانون الأجانب الذي منح الساكنة من أصول مغربية صفة أجانب تمخض عنه انطلاق شرارة غضب واسع دام لشهور رفعت خلالها مطالب بوضع الحد لكل أشكال التمييز بين العنصر الإسباني و المغربي ليدخل المغرب على خط ثورة الغضب من خلال اتصالات مباشرة مع ممثلي الساكنة المغاربة أبرزهم المسمى "عمر دودوح" الذي تعرض للاعتقال و التعسف وتم منحه اللجوء بالمغرب ما شكل منعرجا كبيرا في تعامل الإدارة الإسبانية مع مطالب المغاربة التي كانت صبغتها اجتماعية فئوية في ظل اقصاء اعتبره السكان من أصول مغربية ممنهجا و متعمدا وفي ظل عزم الإدارة الإسبانية أيضا على تهميش ما تعتبرهم أجانب ما تولد عنه إحساس بالحيف و تنامي الرؤي العدائية فتحول القضية إلى ورقة ضغط أساسية للمغرب تؤرق بال الإسبان بحكم أن الأرقام الديمغرافية للمغاربة فرضت واقعا آخر سرعان ما سيفضي إلى ولوج المؤسسات المنتخبة فيما تصر إسبانيا عند حديثها عن دور المغاربة إلى اختزاله في وجود تعدد ثقافي يتعدى المكون الإسباني المغربي إلى أربع ثقافات بهدف التمييع و التغطية عن موقع المغاربة ضمن الخريطة الاجتماعية بمليلية وتفاديا لانعكاسات ذلك على التفكير الجماعي للساكنة في ضوء الأسلوب الغير العادل للإسبان في تعاملهم مع ما يسمونهم غرباء و أجانب. وعملت في هذا الاتجاه على الإعلاء من شأن بعض الأقليات بهدف التغطية على موقع المغاربة ضمن الخريطة الاجتماعية بمليلية كاليهود الذين لم يتجاوز عددهم في أحسن الأحوال خلال فترات الأوج 1000 يهودي بينما الآن لا يراوح 600 تنتقل بين مليلية و سبتة مدن إسبانية و إسرائيل بل إن الباحثين يرجعون أصولهم إلى موجة الهجرة نحو إسرائيل إبان فترات الصراع العربي الإسرائيلي 1948 و 1967 منهم مغاربة يمثلون نسبة لا بأس بها قدموا إلى مليلية من فاس و تازة و صفرو و دبدو القريبة من تاوريرت.
و من خلال نظرة شاملة على موقع المغاربة ضمن السياسات التعليمية بمليلية يلاحظ وجود فئتين واحدة ظلت مرتبطة بالمغرب منذ التسعينات عبر الجامعات المغربية رغم قضاء فترة الدراسة الابتدائية بمليلية و أخرى درست بالمدينة و واصلت دراستها بالجامعات الإسبانية و هي التي تمكنت من الحصول على وظائف بالإدارات و مزاولة بعض المهن كانت حكرا على الإسبان فقط. أما واقع الحياة اليومي فيؤكد على وجود هوة شاسعة بين مجموعة من الأحياء بمليلية التي لم يستطع الزمن أن يمحوها أو يقلل منها بحيث تتراءى للزائر أحياء تضم طبقة متوسطة وفقيرة جلها ينتمي إلى شريحة معينة كانت تمثل فقراء الهامش إبان عهد فرانكو و شكلت شحنة قوية للثورة المجتمعية التي عاشتها مليلية سنة 1985 لعب حينها المسلمون دورا بارزا في فرض مجموعة من المطالب فكان للمساجد دور كبير في تعبئة المغاربة لمواجهة رد الفعل العنيف الصادر عن السلطات الأمنية بمليلية في ظل المراقبة الشديدة لتحركات مسؤولين عن الجمعيات الإسلامية و الناشيطين في صفوفها بالنظر إلى تأثيرهم في مجريات الأحداث آنذاك ورغم مرور ربع قرن عن هذه الانتفاضة تبقى عيون الأمن الإسباني مفتوحة تترقب و تتابع كل صغيرة و كبيرة بشأن تحركات و نشاط الجمعيات الإسلامية التي تجاوز دورها ما يهم الجانب الديني إلى مجالات أخرى تهم الفعل التضامني و التنموي داخل الأحياء و المناطق الأكثر هشاشة و فقر حيث تكاد المساجد الأربعة عشر المنتشرة في كل أرجاء مليلية تمثل شبكة متداخلة فيما بينها لكل موقعها و مهمتها في صيانة عقيدة المسلمين ليبقى يوم الجمعة موعدا يؤكد مكانة الديانة الإسلامية كل أسبوع تضطر معها الأجهزة الأمنية إلى حشد قواتها و توزيعها بشكل محكم كإجراء احترازي مفتوح على كل الاحتمالات لاسيما بعد أن تمكن المسلمون من فرض مطلب لطالما كان مغيبا و مرفوضا وهو إحياء شعيرة عيد الأضحى في مناخ طبيعي و مسيج بكافة الحقوق أولها اعتباره يوم عطلة يفسح المجال لكافة المسلمين بالاحتفال في أجواء لا تختلف عن نظيرتها في باقي الدول الإسلامية و خاصة بالأراضي المغربية المجاورة بل إن مناسبة عيد الأضحى تحولت بالنسبة للإسبان أنفسهم فرصة أخرى أتاحت لهم الحصول على يوم عطلة إضافي سرعان ما تأقلمت مع أجواءه، فيما يشكل المسجد المركزي الذي يعود بناءه إلى سنة 1945 على عهد الجنرال فرانكو و كذا مسجد الرحمة الواقع على خط التماس مع الشريط الحدودي بالقرب من ضريح سيدي ورياش قبالة بلدة فرخانة المطلة على مليلية.
المغربي الخصم / المغربي الصديق !!! رقم هام في معادلة سياسية
مهما بدت ملامح الحركة بين أرجاء المدينة لا يمكن أن يخفى الوجه العسكري للمدينة التي تبقى قلعة عسكرية و موقع متقدم يضطلع بمهام أمنية صرفة في خدمة العرش الإسباني بموازاة علاقات اجتماعية بين المكونات الرئيسية للساكنة مهما بدت عادية فلم تستطع تجاوز الترسبات التاريخية و حالة الحذر الذي يميز التعامل اليومي، فإذا كان إسبان شبه الجزيرة الإيبيرية يعتبرون المغاربة الجار الخصم و العدو أحيانا خلال فترات محددة ميزت العلاقة بين البلدين فإن إسبان مليلية ينظرون إلى المغاربة بترقب و حذر معتبرينهم خصما حقيقيا لكن في إطار تعايش مفروض مفتوح على كل الاحتمالات و المستجدات و ما يزيد هذا التوجس هو اقتسام كلا المكونين لمجال جغرافي ضيق و محدود و انخراطهما في علاقات استوجبتها ظروف الحياة و طبيعة المدينة في مجالات كثيرة امتدت أحيانا إلى ارتباط عائلي عبر زواج مختلط و نادر جدا يجد تبريراته في خلفية تاريخية تعتبر المغربي أجنبيا مهما انصهر في المجتمع الإسباني كما أنه نوع من التعامل الموجه لكي لا يحدث اختراق و تشويش في البنية المجتمعية للساكنة من طرف من يسمونه خصما أو غريبا بل إن العنصر المغربي ظل في فترات متفرقة موضوع نكتة تصنفه كإنسان غير متحضر عادة ما كانت تتجاذبه أطراف الحديث و المزحة بين الإسبان فيما بينهم.
يمثل امتياز الحكم الذاتي الذي تتمتع به مليلية مكسبا ذو حدين فإلى جانب كونه تدبيرا جديدا للإدارة الترابية و تفعيلا لعدم التمركز خاصة بعد استنساخ تجارب أخرى بمناطق متفرقة بإسبانيا يعتبر هذا المكسب عقبة أمام مدريد التي أصبحت متيقنة بأن الحكم الذاتي لا يخص إسبان مليلية فقط بقدر ما هو ورقة في يد مغاربتها الذين يشكلون كتلة ديموغرافية هامة مفتوحة على مزيد من التغيرات التي ترجح كفتها بموازاة امتداد علاقاتها و ترسخها داخل التراب المغربي بفعل وجود عائلات تقطن بين الجانبين وإصرار للحفاظ على مكانة و مرتبة داخل الهرم الاجتماعي التي جاءت بعد مسيرة طويلة من الصبر و الدفاع عن حقوق ظلت مهضومة بدأت تجني ثمارها اليوم من خلال أبناء جيل ما بعد الاستقلال في تنافس و مع الإسبان لاقتسام كل شئ انطلاقا من صفوف الجيش و الأمن و الإدارة و الخدمات و المهن الحرة ما يشكل مصدر إزعاج دائم و رقما ديموغرافيا فرض نفسه في كل التوجهات السياسية لإسبانيا لتبقى المواعيد الانتخابية على اختلافها مناسبة لاستعطاف أصواتهم و تحقيق المبتغى السياسي ولو تطلب الأمر خطب ودهم أوكما يقال الانحناء حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.