يكتسي تناول موضوع التشريع المالي المغربي بين متطلبات التنمية و تحديات العولمة أهمية نظرية تعكس الطفرة النوعية و الكمية التي يشهدها الحقل القانوني بالمغرب، و التي ترسي منطقا جديدا في التعامل مع التحولات المالية التي تشهدها مختلف دول العالم، حيث دعت الأزمات المالية و الإعتمادات المتبادلة المتنامية إلى إعادة ترتيب الأساس الفلسفي و الإطار المرجعي للقوانين المعتمدة في المجال المالي، و ذلك من خلال تغليب منطق الإنفتاح والتحرير الإقتصادي و تثمين الفعالية و الجدوى الإقتصادية، في حين تتجلى الأهمية العملية لموضوع البحث في فتح الأطروحة لآفاق البحث القانوني نحو مقاربات تعتمد الهندسة و الذكاء القانونيين و تحليل آثار التشريع المالي على نحو يتم فيه إقرار النصوص المالية وفق منهجية مندمجة لا تروم تنظيم الحقل المالي فحسب و إنما تسعى أكثر من ذلك إلى تحقيق التنمية. و قد تمثلت الإشكالية الرئيسية لهذه الأطروحة في معرفة التأثيرات التي تمارسها العولمة على التشريع المالي المغربي و محاولة قياس درجات هذا التأثير على غايات تحقيق التنمية التي يسعى إلى تحقيقها المشرع، وقد إقتضى البحث في هذه الإشكالية تقسيم البحث إلى بابين رئيسيين تم تخصيص الباب الأول لدراسة تأثيرات العولمة على التشريع المالي المغربي، في حين تم التعرض في الباب الثاني لحدود تأهيل التشريع المالي المغربي و رهانات تحقيقه لمقتضيات التنمية. و قد توصلت هذه الأطروحة إلى مجموعة من الإستنتاجات أهمها أن التشريع المالي المغربي غير مساير نسبيا للمتغيرات الدولية التي تستدعي الإنفتاح على تيار العولمة مع حفظ الخصوصيات التشريعية المحلية عن طريق إقرار شروط التنمية الملائمة. فالفعل الخاص بالعولمة ليس ناشئا عن الظاهرة في حد ذاتها بل يتصل إتصالا قويا بالسياسات التي يتم إعتمادها في مواجهتها بدليل أن السياسة التشريعية التي إعتمدها المشرع المغربي من أجل تأهيل التشريع المالي سياسة ذات طبيعة ضبطية تهدف إصلاح المنظومة التشريعية العادية، وذلك بوضع ضوابط وقواعد جديدة، لا يفترض فيها خلق منعطفات داخل نفس مسار النسق العام التشريعي. كما أن وضع السياسات العمومية و تطويرها و صياغتها وتنفيذها خدمة للتنمية يرتبط إرتباطا وثيقا بالتشريع المالي الذي ينبغي أن يتم الإلتزام في إطاره بمستلزمات الحكامة وفقا لمعايير و مبادئ تكفل حدا أدنى من الكفاءة و الإنفتاح، و كلما إبتعدت هذه السياسات عن هذه المبادئ كلما تدخلت فيها الإعتبارات الفئوية و المصالح الضيقة و بالتالي تعرضت لسوء التصرف و الفساد مما يحول دون تحقيق أهداف المجتمع التنموية. فهذه الأطروحة إذا كانت تسجل عبر مختلف فصولها حيوية التشريع المالي المغربي نتيجة لقدرة المشرع الوطني على ملء الفراغات القانونية و ضمان إنخراط منظومتنا التشريعية المالية في التطور المعياري المواكب لتحديات العولمة، إلا أنها تشكل كذلك وقفة تأملية لمراجعة مصادرنا المعتمدة، و التي تقتضي هويتنا الوطنية إيلاء أهمية أكبر للتشريع المالي الإسلامي و الذي أخذت تبحث في مقوماته و قيمته التنظيمية دول تعتمد مذاهب قانونية لا ترتبط بالتشريع الإسلامي سوى من خلال البحث العلمي.