اختتمت أخيرا المباراة الدولية للعزف على البيانو في دورتها الثامنة بتتويج «فارس باك باسمادجي» بالجائزة الكبرى للامريم بالمسرح الوطني محمد الخامس والذي نظمته جمعية أصدقاء الموسيقى بالرباط، فأوحت لنا بالحديث عن الموسيقى كتصور نحاول من خلاله تسليط الضوء على دورها في حياتنا اليومية، وأي وظيفة يمكن أن تلعبها كوحدة متكاملة للرفع من قيمة الذوق الجمالي في راهنيته، فالموسيقى هي الوسيلة التعبيرية عن أعماق الحياة الإنسانية وما من فن يستطيع أن يعبر عن المشاعر الكبرى التي تهز النفس البشرية مثلما تفعل هي، بل تعتبر بمثابة سر تسر به لمستمعيها وصيحة للروح التي تجد صداها في روح أخرى. كما أن أي عمل موسيقي يحمل على عاتقه مهمة يمكن اعتبارها «فوق موسيقية» وهي التعبير عن الحالات النفسية كالعواطف والغضب والاحتجاج إلخ... بمعنى أن الأمر يحتوي على أزمات داخلية وأحاسيس متضاربة، والواقع أن الموسيقى هي فقط بناء ذو رنين لا أكثر ولا أقل، من شأنه أن يضم معنى مفهوما، ويخضع لمنطق خاص بعيد عن أي موضوع محدد، ويرى «سترافنسكي» في هذا السياق «بأن الموسيقى في جوهرها غير قادرة على التعبير عن أي شيء كان - كالعاطفة أو المواقف أو الحالات النفسية أو حتى الظواهر الطبيعية - فالموسيقى بصفتها هذه لا تأتي إلا إضافة وجانبية». ولعل في هذا دليلا جديدا على غموض التعبير الموسيقي أو التباس الوسائل التي تعبر بها عن أي شيء ما، ونعطي مثالا على ذلك حيث يعتبر الكثير أن المقام الكبير يعبر عن السعادة والصغير يعبر عن الحزن، لكن هناك العديد من الميلوديات التي تريد التعبير عن الرشاقة والخفة بالمقام الصغير بنغم [مي - لا] والنغم السابع مثلا في القرن 18 كان مخصصا لتمثيل الألم. أما اليوم لا أحد يستطيع قول ذلك، فالحقيقة أن الأذن من فرط تعودها أصبحت تتذوق ما هو حاد أو دقيق وتتفجر بعدها العواطف المفتقدة، والذي يحاول أن يبحث عن العواطف في الموسيقى بحد ذاتها يبين مدى جهله لها، فالمشاعر التي تثيرها من نوع آخر، واللذة التي تقدمها موجودة في مكان آخر، يقول «ستاندال»: «الموسيقى تؤرجح أحلامي وتحيي عواطفي وتبقيني على جو من الحماسة التي تعادله السعادة لأن خيالي يقدم لي عند سماعها صورا لطيفة»، ونحن لا نستمتع حقيقة إلا بالأحلام التي توحي لنا بها. وهنا تكمن عبقرية «بتهوفن» في حدة نظره التي تسمح له بالكشف عن إمكانيات تحقيق سمفونيات لا يمكن أن يرى غيره فيها شيئا، و«باخ» الذي أوصل إبداعاته إلى درجة الكمال ولا يمكن لأحد بعده أن يبتدع جديدا فيها، فعالمه ذو الشعور المرهف يتخطى حدود الغير المتوقع والسهولة المطلقة، واعتبره أساتذة الفن وأكدوا أن ما من لحن من ألحانه قد تشكل طبقا لنظرية ما، وبالتالي ما من لحن كان صحيحا صحة كاملة، وحتى «كورللي» و«فيفالدي» و«موتسارت» لم يكونوا في عملهم أبدا عبيدا لقواعد مرسومة، لذلك يمكن القول إن العبقري هو الذي يستخدم القواعد ولا يخدمها وبالتالي يعطينا درسا بالموسيقى في مبدأ الجمال، حيث يبث فينا النشوة والقسوة في آن واحد، وينتزعنا من ملابسات الحياة اليومية إلى حياة أفضل. التهامي بورخيص