الإعلام كغيره من مستويات الفعل الجماعي داخل الدولة، يتعرض لهزات مرحلية تكون لها تداعيات حول مهنية القطاع، ويمكن القول بدون تردد أن الإعلام المغربي ومنذ بداية تجربة التناوب أو التجربة الأولى للانتقال الديمقراطي، وهو يعرف مدا وجزرا حول موضوعين بالغي الأهمية الأول يتعلق بالمهنية والثاني يتعلق بالاستقلالية، وتأكد بالملموس خلال فترات طويلة أن المهنية والاستقلالية وجهان لعملة واحدة، وأن الاستقلال عن الأحزاب لم يفرز استقلالا عن المال وأصحاب المصالح وأصحاب « الحال «، ويمكن القول جملة أن الإعلام المغربي خلال المرحلة الانتقالية توزع إلى صنفين، الصنف الأول ظل محافظا في الجلباب الحزبي ولم يستطع أن يطور نفسه مع المستجدات السياسية والمجتمعية والتكنولوجية التي عرفها المغرب، والصنف الثاني أي صحافة القطاع الخاص، تقوقعت في نزعة محافظة تعرف الولاء الأول لحاملي الأسهم وليس للمهنة، وكثيرا ما تابعنا كيف تحولت أقلام من النقيض إلى النقيض بمجرد تحول أصحاب رأس المال أو التحول من مؤسسة إعلامية إلى أخرى.. البعض حاول أن ينزع جلد الصحافة المستقلة وهي حية، ولم يقبل البعض لحظات الوعي الصافي التي تمر بها بين الفينة والأخرى، والأهم من ذلك هو أن الجميع يريد ويقبل على نفسه أن يمر بمرحلة إنتقالية سواء بالنسبة للدولة أو المجتمع أو الاقتصاد، وينكرون ذلك على قطاع الإعلام، وهو تناقض غير مقبول تماما، ولهذا نجد أحكاما مبالغا فيها ضد الجرائد والصحافيين، بل يوجد اليوم صحافي رهن الاعتقال هو رشيد نيني مدير نشر يومية « المساء «، في حين أن دولة جارة هي موريتانيا والتي لازالت العبودية منتشرة فيها لأسباب اجتماعية واقتصادية، يقرر برلمانها تشريعا متقدما يمنع اعتقال الصحافيين...ففي الماضي كنا نريد أن نقارن أنفسنا بالدول العريقة في الديمقراطية، اليوم في هذه القضية نريد فقط أن نكون مثل موريتانيا الشقيقة، حيث يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.. مهنة الصحافة بالإضافة إلى أنها مهنة المتاعب ومن أخطر المهن في العالم، فهي أيضا من أشدها هشاشة ومناعة، « نيوز أوف ذي وورلد « البريطانية تعطي مثال ساطعا على ذلك، فبعد 168 سنة على إصدارها سيكون عدد الغد الأحد 10 يوليوز هو آخر عدد تصدره « نيوز كوربوريشن « التي يملكها الإمبراطور الإعلامي روبرت ميردوخ ويرأسها نجله الأصغر، وذلك على خلفية قضية التنصت على الاتصالات الهاتفية التي تعود إلى مطلع العام ألفين وأدت الى توقيف خمسة صحافيين بينهم ثلاثة من «نيوز اوف ذي وورلد» وسجن مراسل ملكي وتحر خاص وسلسلة استقالات منها استقالة اندي كولسن مدير المكتب الإعلامي لكاميرون رئيس الوزراء البريطاني في يناير الماضي، بعدما كان رئيسا لتحرير الصحيفة، وأفادت وكالات أنباء وصحف في تقارير لها كيف تحولت هذه الفضيحة التي راح ضحيتها عدد من السياسيين والمشاهير وضحايا الحرب والإرهاب، إلى سجال سياسي داخل البرلمان البريطاني حيث أعرب رئيس الحكومة ديفيد كاميرون عن «اشمئزازه» للمعلومات التي نشرت عن عمليات التنصت التي أجرتها الصحيفة في السنوات الماضية وأكد انه «يؤيد فتح تحقيق» حول «أخلاقيات مهنة الصحافة»، معرباً عن الأمل في أن يتم إعطاء الأولوية المطلقة «للتحقيق الذي تجريه الشرطة حالياً».، وفي نفس السياق اعتبر زعيم المعارضة اد ميليباند هذه التطمينات غير كافية في ضوء «أكبر فضيحة تطال الصحافة في العصر الحديث». وطالب ميليباند بملاحقة أعضاء في صحيفة «نيوز اوف ذي وورلد» وتشكيل لجنة تحقيق متهما المحافظين بالتساهل حيال «نيوز كوربوريشن» وأعقب هذا التبادل الحاد بين الرجلين في البرلمان نقاش دام ثلاث ساعات حيث أدان النواب البريطانيون «تجاوزات» الصحافة و «عدم أخلاقية» ما قامت به إحدى فروع « نيوز كورب» كما أكدت ذلك وكالة الانباء الفرنسية. الدرس البريطاني يثبت المثل المغربي الدارج الفصيح « حتى زين ما خطاتو لولا « ، وهو درس للجميع هنا ، فمن جهة الصحافة ليست معصومة من الخطأ، ومن جهة أخرى لا يعني إنتقاد أخطاء الصحافة تنقيصا من دورها وأهميتها وأن المنتقد بصفة آلية هو ضد حرية الصحافة ..المرحلة المقبلة في التطور السياسي والدستوري ببلادنا ستكون شديدة الحساسية وهو ما سيضاعف المسؤولية على الإعلام الوطني بكل مكوناته.