في زحمة الأحداث التي تعرفها بلادنا ومحيطنا الإقليمي تمر عدد من الأحداث المهمة دون أن تلقى كثيرا من المتابعة ، خاصة من قبل بعض الصحف التي اختصت واحترفت تجارة «السواد»، فقبل أشهر حصل المغرب على جائزة الأممالمتحدة للإسكان وحل في المرتبة الثانية عالميا في جهود محاربة السكن غير اللائق ، ووجهت دول مجلس التعاون الخليجي دعوة للمغرب من أجل الانضمام لهذا الإتحاد، وقبل أيام حصل المغرب على الأمانة العامة لإتحاد المتوسط في شخص الكاتب العام لوزارة الخارجية وبعده بأيام قليلة استطاع المغرب أن يحصل على رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية في شخص الكاتب العام لوزارة الصحة ..ويمكن القول بأن هذه المكاسب الدبلوماسية هي تجسيد لثقة المجتمع الدولي في كيان الدولة المغربية كنموذج استثنائي في منطقة تنهار أنظمتها كأوراق الخريف ... قبل ثلاثة أيام تلقى المغرب خبرا سارا يتمثل في مصادقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا على قبول طلب اعتماد المغرب كشريك من أجل الديمقراطية والذي تمت المصادقة عليه بالإجماع يوم الثلاثاء الماضي بباريس وستتم المصادقة عليه بصفة نهائية من قبل البرلمان الأوربي منتصف هذا الشهر، وسبق للمغرب أن تقدم من خلال غرفتي البرلمان يوم 22 فبراير 2010 ، بهذا الطلب ، وقد اعتبره مجلس النواب في بلاغ له بالمناسبة « أن منح البرلمان المغربي وضع «شريك من أجل الديمقراطية «من لدن الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، يترجم بجلاء مصداقية التجربة الديمقراطية في المغرب « وأوضح البلاغ الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء « أنه بمقتضى هذا القرار سيصبح البرلمان المغربي أول برلمان يستفيد من هذا الوضع الاعتباري الجديد الذي تم إرساؤه سنة 2010، وذلك « لتقوية التعاون المؤسساتي مع برلمانات الدول غير الأعضاء في المناطق المجاورة للاتحاد الأوروبي ذات الاهتمام بالنقاش السياسي حول الرهانات المشتركة التي تتخطى الحدود الأوروبية» ..وقد ركز بلاغ الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا بالمناسبة على الالتزامات التي يجب على المغرب الوفاء بها وتحقيقها وعلى رأسها انتخابات نزيهة وشفافة ، إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي، إصلاح القضاء والقضاء على أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، ويمكن اعتبار هذه الاشتراطات هي جزء من المطالب المرفوعة داخل المغرب منذ سنوات والتي يبدوا أن بلادنا تتجه بثبات نحو تحقيقها بصورة أكثر جدية من المناسبات السابقة، والتي كان بإمكان بلادنا أن تكون اليوم في موقع آخر لو تمت فيها الإصلاحات المطلوبة بالجدية اللازمة والصدق اللازم ... القرار الأوربي الجديد يعتبر اختراقا دبلوماسيا مغربيا على درجة كبيرة من الأهمية ، يكفي أن نفس المؤسسة الأوربية هي من كانت وراء قرار يدين المغرب بمناسبة أحداث مخيم كديم إزيك بضواحي العيون، وهو ما يعني انحسار اللوبي الداعم لجبهة البوليساريو في البرلمان الأوربي، ولعل الأمر الأكثر إيجابية في القرار هو أنه تم اتخاذه عقب التقرير الذي أنجزه «لوكا فولونتي « رئيس مجموعة الحزب الشعبي الأوربي حول الترشيح الذي سبق وأن تقدم به المغرب، وهنا لابد من التذكير بأن مجموعة الحزب الشعبي الأوربي ترتبط مع الفريقين الاستقلاليين في غرفتي البرلمان باتفاقية شراكة وتعاون، وقعت بمراكش نهاية 2010 على هامش مؤتمر الأممية الديمقراطية لأحزاب الوسط والتي انعقدت بمراكش باستضافة من حزب الاستقلال ، هذا القرار يوضح أن الحزب الشعبي الإسباني ومع اقتراب تحمله للمسؤولية في إسبانيا بدأ يميل إلى عدم معاكسة مصالح المغرب، بالنظر إلى الصعوبات الكبيرة التي يعيشها الاقتصاد الإسباني وبالنظر إلى الهشاشة التي ظهرت عليها الديمقراطية في إسبانيا على ضوء مطالب حركة 15 ماي الإسبانية... إن هذا القرار الأوربي إضافة إلى وضعية الشريك المتقدم مع الإتحاد الأوربي ، تفرضان على بلاد نا الاستمرار في مسلسل الإصلاحات الجدية والتي تقدم وجها مشرفا عن المغرب، ومن خلال هذا القرار يتبين أن الإتحاد الأوربي مستعد لاحتضان التجربة المغربية، وتقديمها كوصفة ونموذج لدول المنطقة..وعلى المغاربة من كل المواقع إلى الانتباه إلى أهمية هذا القرار ودلالته الإيجابية والآفاق التي يفتحها للعملية الديمقراطية ببلادنا ..وأن على هذه الأرض يمكن بناء ديمقراطية تشرف المغاربة وتستحق الاحتضان الأوربي.