من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها النسائي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن حول العرش منابرمن نور عليها قوم لباسهم نور، ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، فقالوا يارسول الله: صفهم لنا، فقال:المتحابون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله». أبرزسمات هؤلاء المصطفين الأخيارالذين يجلسون يوم القيامة على منابرمن نورحول العرش ويرتدون لباسا نورانيا وتسطع من وجوههم الأنوارمع أنهم ليسوا بنبيين ولا شهداء بل يغبطهم الأنبياء والشهداء على ما هم فيه من إكرام وإجلال: هو النور الذي يعود مصدره إلى ما كانوا عليه في الدنيا، لأن الجزاء من جنس العمل، وعمل هؤلاء المكرمين بالأنواركان في الدنيا أنهم يتحابون في الله، ويتجالسون فيه، ويتزاورون فيه. لكن ما معنى تحابهم وتجالسهم وتزاورهم في الله؟ قد يحب الإنسان إنسانا آخرلماله أو جاهه أوإحسانه إليه أو ابتغاء مصلحة من المصالح تقضى على يديه،لكن المتحابين في الله يسمون فوق كل هذا ويتطلعون إلى المقصد الأسنى فلا يطلبون من تحابهم إلا رضا الله، فهم يحب بعضهم بعضا حبا إيمانيا إحسانيا لاانفصام له ولاانقضاء لأنه متعلق بالرابطة الإيمانية التي تمتد جذورها من السماء. و قد يجالس شخص شخصا آخرلأنه يطمع في أن يقضي غرضا من أغراضه بمجالسته،أو يلهو معه ويقتل الوقت كما يقول بعض من لا يعرف قيمة الوقت، أوقد يجالسه من أجل الغيبة وأكل لحوم الناس أوالنميمة والتندر وتمزيق أعراض الأبرياء، أما المتجالسون في الله فلا يجمعهم إلا الإيمان والتقوى وتذاكرأمرالآخرة وإن تحدثوا في أمورالدنيا فعلى سبيل أنها قنطرة إلى العالم الآخر، فقد تعلقت قلوبهم بالله فلا حديث أشهى لهم من ذكره والمذاكرة فيه. وقد يزورإنسان إنسانا آخررغبة في تحصيل مصلحة ما أورهبة من فوات أمرما يحرص عليه، وقد يزوره ليخونه،أو ليقضي معه غرضا من أغراض الدنيا الفانية.أما المتزاورون في الله فزيارتهم لله أي في سبيله وابتغاء مرضاته. هذه الخصال تقوم على النية الطيبة والصدق والإخلاص ، وتنهض على الإيمان والتقوى والمحبة وإيثارالآخرة على الدنيا. لذلك استحق هؤلاء المتحابون المتجالسون المتزاورون في الله أن يكرمهم الله بدرجة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء مع أنهم ليسوا أنبياء ولا شهداء. فكما كا نوا في الدنيا يجتمعون على نورالإيمان، هاهم أولاء في الآخرة يجتمعون على منابرمن نور. المحرر