كم من الناس يعتقدون أن المكالمة مجانية (فوني أو فورفي)؛ فيتركون للسانهم الحرية فيتكلم بالغث والسمين وقد يستطردون إلى الغيبة والنميمة والوقوع في أعراض الناس، والله تعالى لهم بالمرصاد والملائكة الكاتبون يدونون عليهم ما ينطقون به قال تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد عباد الله من نعم الله تعالى على المسلمين تلك الرابطة التي تجمعهم وهي رابطة الأخوة والمحبة في الله تعالى.قال الله تعالى :واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وقد تجلت الأخوة الإسلامية في أبهى صورها في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداءً من الأخوة بين الموحدين في مكة، على اختلاف ألوانهم وأشكالهم، وألسنتهم وأوطانهم، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين حمزة القرشي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وأبى ذر الغفاري، فارتبطت قلوب بعضهم ببعض راحوا يرددون جميعاً بلسان رجل واحد قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10). ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، بعد حروب دامية طويلة، وصراع مرير، ثم آخى رسول الله بين أهل مكة من المهاجرين وبين أهل المدينة من الأنصار، في مهرجان حُبٍّ لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً، تصافحت فيه القلوب، وامتزجت فيه الأرواح. ولتأكيد رابطة الأخوة وبيان مكانتها من الدين ولكي يزداد المسلمون حرصا عليها قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ . بل نجده صلى الله عليه وسلم ينوه بالمكانة العالية في الجنة للمتحابين في الله حيث يقول :إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ، ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى . قالوا : يا رسول الله ، تخبرنا من هم ، قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور : لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس . وقرأ هذه الآية ) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). أبو داوود عن عمر وصححه الألباني . أحاديث في فضل الزيارة عباد الله إذا كان هذا هو فضل الأخوة في الله والتحابب فيه، فإنه من أجل دوامها واستمرارها يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرص على التزاور في الله ، وقد ورد ذلك في أحاديث متعددة منها: - ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال : دخلتُ مسجد دمشق فإذا فتيً برّاق الثنايا (كثير التبسم)، وإذا الناس معه ، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه ، وصدروا عن رأيه ، فسألت عنه فقيل : هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فلما كان من الغد هجّرتُ (أي بكّرت إلي المسجد مسرعاً) فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلّمتُ عليه ثم قلت : والله إني لأحبّك ، فقال : آلله ؟ قلت ؛ آلله ، فأخذني بحبوة ردائي فجذبني إليه فقال : أبْشِر فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالي : وجبتْ محبّتي للمتحابّين فيّ ، والمجالسين فيّ ، والمتبادلين فيّ - ومنها حديث مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ . فهذا أنشأ سفرا وزيارة لأخيه فنال بها محبة الله تعالى ومن أحبه الله فقد أمن من عذابه لأن الحبيب لا يعذب حبيبه، ففي زيارة الإخوة البركة في العمر والرزق في الدنيا والفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة. لذلك قال عبد الله بن مسعود لأصحابه حين قدموا عليه: هل تتجالسون؟ قالوا نعم لا نترك ذلك قال: فهل تتزاورون؟ قالوا نعم، إن الرجل منا ليفقد أخاه - يعني يغيب عنه - فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة قال: إنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك رواه الطبراني. عباد الله من آداب الزيارة في الله التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستحب للمزار أن يكرم زائره بدون تكلف وبما تيسر. وقد افرد البخاري بابا للزيارة: بَاب الزِّيَارَةِ وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ عِنْدَهُ. وروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. - قال ابن حجر في شرح حديث الزيارة مع الإطعام: أي من تمام الزيارة أن يقدم. للزائر ما حضر ، قاله ابن بطال ، وهو مما يثبت المودة ويزيد في المحبة .وقد ورد في ذلك حديث أخرجه الحاكم وأبو يعلى من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير قال دخل على جابر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا فقال : كلوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نعم الإدام الخل . إنه هلاك بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم . آداب الكلام وآداب الهاتف عباد الله من نعم الله علينا في هذا العصر ما توصل إليه العلم الحديث من وسائل متطورة للاتصال تساعد على التآلف وتقوم مقام الزيارة عند وجود العذر كتباعد الأوطان والمسافات أو كثرة الأشغال، فالهاتف والاتصال عبر الإنترنت كلها وسائل ننال بها الأجر وتعوض الاتصال المباشر عند الضرورة بشرط أن نحرص على آدابها الشرعية التي نذكر منها: 1 - اختيار أحسن اللفظ وأجمله حين الكلام مع الحرص على البدء بالسلام والتحية قال سيد قطب في الظلال قول الله سبحانه (وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنسَانِ عَدُواً مُّبيِناً) يقول رحمه الله :( فالشيطان ينزع بين الإخوة بالكلمة الخشنة تفلت ، وبالرد السيئ يتلوها فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء ... 2- التقليل من الكلام إلا لمصلحة راجحة، وعدم رفع الصوت أكثر مما يحتاجه السامع يقول الإمام النووي رحمه الله : اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة ، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة ، فالسنة الإمساك عنه ، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه ، وذلك كثير في العادة ، والسلامة لا يعدلها شيء .وكم كلمة أشعلت حروباً وأوقدت عداوة الدهر بكامله ! ! .. فكم من الناس يعتقدون أن المكالمة مجانية (فوني أو فورفي)؛ فيتركون للسانهم الحرية فيتكلم بالغث والسمين وقد يستطردون إلى الغيبة والنميمة والوقوع في أعراض الناس، والله تعالى لهم بالمرصاد والملائكة الكاتبون يدونون عليهم ما ينطقون به قال تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ... وقد قال سبحانه: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 3 - قبول العذر وإحسان الظن بالإخوان و الأقارب إذا لم يجيبوك في الهاتف فقد يكونون في عمل من الأعمال الواجبة التي لا تمكنهم من الإجابة ومحاولة الاتصال من بعد ، وقد قال تعالى : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ). كما أن المتصل عليه أن يتحرى الوقت المناسب للاتصال فلا يتكلم في وقت متأخر ليلا ،أو في وقت العمل أو الصلاة ،كما أنه يجب التأكد عند تركيب الأرقام لئلا تزعج شخصا آخر .... 4- كما أن من واجب المسلم خاصة إذا كانت مكالمة بين رجل وامرأة أن تكون بالضوابط الشرعية وللضرورة فلا تخضع المرأة المسلمة بالقول ولا تستطرد فيه كما أنه يجب الحذر و الاحتياط من المكالمات الغير المرغوب فيها و التي يقوم بها أشخاص بغية الإثارة وإشاعة الفساد في الأرض كتلك التي لها علاقة بالسحر و الأبراج أو بالعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء ... 5- وعلى مستخدم الهاتف أن يعلم أن الهاتف وسيلة لقضاء المصالح الضرورية ويجب أن يحتاط عند اختيار رنات الهاتف فلا يستعمل ما لا يليق منها وخاصة أنه يدخل المسجد وقد يغفل عن هاتفه فيزعج المصلين بكلام لا يليق بمقام بيت الله ،ويجب الحرص على قطع كل صلة عند الدخول إلى المسجد والاتصال بالله تعالى في خشوع وخضوع . كما أنه يستحسن تجنب استعمال القرآن للإعلان عن المكالمة حتى لا نتسبب في عدم احترام القرآن والتوقف عنه في وسط الآية.. عباد الله إن الهاتف فيه ما يكون قربة لله تعالى وهو الذي يصل به المسلم رحمه ، وإخوانه ، ويهنئ ، ويقضي حوائج إخوانه ، وفيه الهاتف المؤذي يكون لغوا وغيبة وكذبا وسخرية وتنصتا على عورات الآخرين. ونختم بحديث سيد المرسلين لفضل الأخوة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.