سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التحولات السريعة للمجالات الترابية تدعو إلى اتباع أشكال جديدة للتدبير تعتمد الانسجام والتجانس بين عمل الدولة والجماعات المحلية عبد السلام المصباحي في اللقاء الوطني حول التخطيط الاستراتيجي التشاركي للتنمية المجالية
احتضنت مدينة الحاجب يومي 10 و11 ماي الجاري لقاء وطنيا حول التخطيط الاستراتيجي التشاركي في خدمة التنمية وكان هذا اللقاء فرصة لعرض التجارب كما كان فرصة للمساهمة في مناقشة هذا الموضوع المركزي في التنمية المجالية لاقتراح حلول وصياغة أجوبة حول أهم التساؤلات والاستفسارات حول هذا الموضوع الذي بات حيويا في أي تخطيط محلي. والتخطيط الاستراتيجي أصبح آلية لتحديد الاختيارات الاستراتيجية للتنمية ووضع الخطط لتحقيق تلك الاختيارات، كما أن التخطيط الاستراتيجي ترجمة لإرادة جماعية لتنمية مجال ما، وفق مسلسل يبدأ بتشخيص للواقع كمنطلق ليصل إلى رصد للحاجيات المستقبلية، وفق مقاربة خطة متماسكة كفيلة بتحقيق الأهداف العامة المسطرة. وقد نهج المغرب منذ ستينيات القرن الماضي سياسة التخطيط بهدف توجيه الاقتصاد الوطني بدءا بالقطاع الفلاحي، فالصيد البحري يشمل بعد ذلك باقي القطاعات العمومية. إن التخطيط الاستراتيجي مسلسل لتطوير استراتيجيات لبلوغ أهداف محددة. فالتخطيط الاستراتيجي عملية تتم على صعيد مجال ترابي معين، تروم في عمقها استشراف آفاق التنمية من خلال بناء جماعي يطبعه وعي مشترك عند مسؤولي وساكنة مجال ترابي معين. بناء على هذا التعريف المختصر، نتساءل عما إذا كان المغرب - عبر مختلف البرامج والمخططات السالف منها والحالي - بصدد نهج تخطيط استراتيجي، وفق رؤيا استراتيجية، أم أن الأمر يتعلق فقط ببرامج قطاعية استعجالية همها معالجة إشكاليات خاصة بالقطاعات المعنية؟ فالمغرب تبنى مبدأ التخطيط منذ الستينيات وتوجيه التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لأجل تحقيق نجاعة اقتصادية وعدالة اجتماعية، ويمكن إيجاز تجربة المغرب في موضوع التخطيط من خلال قراءة لأهم ملامح المخططات التي أنجزت منذ نهاية الخمسينيات. وقد أكد السيد عبد السلام المصباحي كاتب الدولة المكلف بالتنمية المجالية في افتتاح أشغال اللقاء الهام على الأهمية البالغة للتخطيط الاستراتيجي التشاركي في توطيد دعائم التنمية المجالية المحلية؛ ذلك أنه يرمي إلى تمكين المسؤولين والمتدخلين من الرؤية الاستراتيجية، ومن آليات التنشيط والتجسيد لمشاريع التنمية المندمجة المتوافق بشأنها بين الفرقاء والملبية لحاجيات السكان الآنية والمستقبلية. وأضاف أن وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية قد اعتمدت مقاربة جديدة تنبني على مبدأ اللامركزية وعدم التركيز في التخطيط والتنفيذ لأجل دعم وتنشيط التنمية ومن ثم إقلاعها على المستوى المحلي، على اعتبار أن التنمية المجالية السليمة لا تصدر عن قرار إداري مركزي وإنما هي في الأساس عبارة عن مسلسل حراك اقتصادي واجتماعي وثقافي ينبعث من المجال المحلي ومن الجماعات الترابية المحلية القاعدية والجهوية. وهو ما يستوجب، ليأتي هذا المسلسل أكله، أن تعمل المؤسسات والمصالح العمومية بتنسيق مع الهيئات والمجالس المنتخبة والفاعلين الاقتصاديين، وكذا بانفتاح كبير على جمعيات المجتمع المدني النشيطة في حقل التنمية المحلية. وهذه المقارنة التي تتبناها الوزارة في معظم أولوياتها المرتبطة بإعداد التراب الوطني، والتي تتميز بالشمولية والأفقية، تنزل وتترجم من خلال العديد من الأوراش التي فتحت بشراكة فعلية مع العديد من الفرقاء على المستوى الوطني أو المحلي، والتي تلامس بالملموس عمق التحول الكبير الذي ينهجه قطاع التنمية المجالية، والمتمثل في دعم الجانب الإجرائي، وكذا في استثمار وإعمال نتائج الدراسات الاستراتيجية، وذلك باعتماد عدد مقاربات منها. - وضا وتبني الوزارة لاستراتيجية وطنية للتنمية القروية، ترتكز أساسا على منهجية التخطيط الاستراتيجي التشاركي المحلي، استراتيجية تروم النهوض بالعالم القروي، وفق مقاربة ترابية، تشاركية، وعلى أساس رؤية استشراقية متوسطة أو بعيدة المدى. - اعتماد مسلسل تشاوري محلي في بلورة مذكرات 21 المحلية من أجل تخطيط إجرائي موضوعي ورؤية تشاركية وتوافقية، وهي تجربة تتعزز اليوم بالمرور من برامج عمل متشاور بشأنها إلى تفعيل حقيقي على الأرض بشراكة مع العديد من الفاعلين المحليين. - دعم التخطيط الاستراتيجي المجالي على المستوى الجهوي، من خلال التصاميم الجهوية لإعداد التراب، التي تقدم رؤية واضحة للتطور المستقبلي للجهة على الصعيدية الاقتصادي والاجتماعي، وفرصة للتنسيق التشاركي والتوافقي بين مختلف الفاعلين المحليين، ولعل أولى ثمار هذا الورش في التخطيط الاستراتيجي هو التأسيس لأول برنامج عقد بين الدولة والجهة، والذي يهم جهة تادلة أزيلال. وأضاف عبد السلام المصباحي أن كل مجال ترابي هو نتاج لتفاعل الإنسان مع محيطة المتعدد الأبعاد والمستويات، وأن كل دينامية تنموية هي ثمار للاستغلال الرشيد للموارد الترابية المحلية في مشاريع ترابية تنموية مخطط لها، تتم بإشراك حقيقي وفعال لكل الفاعلين المحليين الذين يختارون ويحددون مستقبل مجال عيشهم. ولعل هذا ما يعطي، في الوقت الراهن، للتخطيط الاستراتيجي التشاركي أهمية كبرى في إعداد وتهيئة المجالات التي هي في تحول دائم جراء فعل الإنسان والطبيعة. وأكد أن سرعة التحولات التي تعرفها المجالات الترابية المغربية تدعو الفاعلين المحليين وذوي القرار إلى مراجعة أنماط التدبير الترابي، والبحث عن أشكال من الانسجام والتجانس بين عمل الدولة والجماعات المحلية، وبين هذه والمبادرات الفردية، التي يأتيها المواطنون أشخاصا وجماعات، بحيث إن دينامية وحركة التحول التي تميز كل مجال ترابي عن الآخر ما هي إلا مرآة تعكس إرادة ومساهمة المواطنين في التفاعل مع ما يجري داخل وحول مجالهم الترابي. ولاشك يقول السيد المصباحي أن بلورة الاستراتيجية غير كاف في غياب آليات ومناهج عملية التنشيط الترابي، والإشراك والتحفيز، إلى جانب أدوات ومساطر متوافق حولها للتتبع والتقييم، وقبل ذلك تحديد إمكانيات ومصادر للتمويل لإدخال البرامج إلى حيز التنفيذ. هذا بالطبع مع التأكيد على ضرورة اقتراح اليات لمؤسسة التخطيط الاستراتيجي، وأدوات لتتبع المشاريع فضلا عن إجراءات المواكبة من تكوين دعم للقدرات البشرية للفاعلين والعاملين في المجال. وختم السيد عبد السلام المصباحي قوله أن أشغال هذا الملتقى من شأنها تغذية وإثراء النقاش المفتوح حول الجهوية المتقدمة التي أبى جلالة الملك إلا أن تصبح ورشا ويدمجها ضمن الورش الدستوري الإصلاحي الشامل تكريسا لأساسها الديمقراطي المبلور والمجسد للتشاور والتشارك مع المواطن ولفائدة المواطن وإبرازا وتجلية لهدفها الأسمى المتمثل في تحقيق التنمية الترابية، الشمولية المستدامة المتوازنة على أساس من الوحدة والتضامن.