من سنن الكون التغير والتجديد والترقي، وهو مظهر من مظاهر الحياة لا يحتاج لكبير عناء أو مجهود حتى يلاحَظ أو يستدل عليه، ولا تحكمه بداية ولا نهاية، وهو يشمل كل ما خلق الله على ظهر البسيطة. وهكذا فليس بغريب ما يطرأ على حياة الناس من تغيير أو تجديد في قراهم ومدنهم وفي عاداتهم وتقاليدهم، ناهيك عن مناحٍ أخرى قد يعتريها ما يعتريها من تلون في الأحاسيس والآراء والخطابات وهلم جرا. وهو سلوك على أي حال يندرج في تركيبة الإنسان وفطرته. لذلك لا أرى ما يقلق فيما أصبحت عليه بعض الكتابات وما أمست تعج به من عبارات مغرضة وأفكار صادمة كلما تعلق الأمر بشأن ديني أو سياسي وحتى اجتماعي. ويستحيل ، في اعتقادي ، أن يكون ذلك بدافع المصلحة البحتة ، وحبا في التغيير للأحسن والأقوم ، وليس له أي ارتباط بسلوك نفسيات تؤطرها عوامل متعددة، وتحركها في ذلك الاتجاه من القدح والتجريح والسخرية . بل أرى ذلك ردة فعل طبيعية لما تعانيه بعض الشرائح في المجتمع ولن أدخل هنا في تفكيك نفسي أو إيديولوجي أو عقدي أو عرقي مما هو متوفر وبشحنات ذات تيار مرتفع. لكن المنطق المعروف عند أهل العقل السليم يحيل دوما على النظر فيما وراء العمل قبل أن يصبح ماثلا للعيان ، سواء أظهرت فائدته في التو، أم بعد حين ، أو غابت لحظتها ولم تتلألأ إلا فيما بعد . والمنطق يحث على التمعن والتروي والأخذ بالأسباب والمسببات والنتائج . فهل هذه الكتابات التي أصبحت تتناسل تناسل الذباب تنحو هذا المنحى؟ إن ظاهرة النيل من القيم الدينية ليست وليدة العصر، بل قديمة قدم التاريخ، وتطفح بها كل المجتمعات، والمهووس بذلك هو من يرى في القيم الدينية حرمانا وسيفا مسلطا على الحريات، وتنقيصا لفطرة نبتت مع الإنسان فتعلقت به وتمسك هو بها. أما الترقي بالغرائز والعمل على إذكائها وتوجيهها نحو مكامن الخير والجمال ، واكتساب الضياء والنورانية من الفضيلة، فذاك في عرف هذا الصنف من الناس إدخال للنفس في متاهات العقد والكبت والحرمان ، وتكبيلها بقيود وأوامر مشددة عقيمة. فالعديد من الناس من لا ينظر لأنواع العبادات على أنها وسيلة فعالة لبلوغ الأهداف بأنجع السبل وفي أبهى حلة، وكم من أعداد أخرى ترى في المتمسك بالقيم الدينية إنسانا منافقا، مخادعا، أو مغفلا يخفي مساوئ نفسه في التستر بمظاهر الفضائل التي تحث عليها الشرائع. إن من يرى الغرائز والحواس من منظور فضفاض لا يعترف بحدود في الطاقات والعلاقات، ولا يقيم وزنا لضوابط القيم، إنما يجر نفسه وغيره ممن يعشقون مذهبه نحو غابة متوحشة قد يسقط هو فيها فريسة سهلة في أية لحظة ، وما أتعسه من حال ومآل. أما التمسك بالقيم الدينية وأداء العبادات فلا يفهمها حق الفهم إلا من مارسها بصدق، والتزم بها عن وعي، وسعى لتحقيق أهدافها ونشرها على أرض الواقع، مع نفسه وبين أهله وأقرانه ومجتمعه. إن هذا الإنسان، متى وُجد ، يعتبر مثالا لحسن السلوك قولا وفعلا ، كما يحس هو الآخر بطمأنينة وسكينة وهو يمارس نشاطه اليومي، فضلا عن كونه يعيش حياته دونما حاجة ليزج بنفسه في أماكن لا تليق به، كما ينأى بها أن يجرها حيث ترتع الرذائل السمعية والبصرية والكلامية. لا أرى في الحقيقة أي قيمة لما يكتب أو يعرض مضمرا الحقد لديننا الحنيف، ويرمي الأوفياء لدينهم بصفات يمجها العقل السليم وتزدريها الأنفس الأبية. فالقيم السماوية ستظل شامخة تتلألأ نورا، لا تتجلى إلا لمن يرغب في التعرف عليها ، أو التقرب منها ، أو الارتواء من أحواضها.