بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    مضيان يقود لائحة كبار المغادرين لقيادة حزب الاستقلال وأدمينو أبرز الملتحقين    مغاربة ينعوون وفاة الفنانة نعيمة المشرقي: فنانة محترمة وماخذات حقها فالساحة الفنية (فيديو)    أخنوش: المغرب يعزز قيم الفرنكوفونية    التعادل يحسم مباراة الحسنية والوداد    عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    هكذا علقت هولندا على قرار المحكمة الأوروبية وعلاقتها بالمغرب    منتخب U20 يواجه فرنسا وديا استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في سرقة مبلغ مالي مهم من داخل محل تجاري    رغم تراجعه عن مطالبته بوقف تسليح إسرائيل.. نتنياهو يهاجم ماكرون: سننتصر معك أو من دونك وعارك سيستمر لوقت طويل (فيديو)    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    عطل تقني يعرقل حجز التأشيرات.. وأصابع الاتهام تتجه إلى السماسرة    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية        إنزال كبير لطلبة كليات الطب بالرباط في سياق الإضرابات المتواصلة -فيديو-    محكمة تغرم مجلس جماعي 5 مليون لفائدة سيدة تعرض لهجوم كلاب ضالة    حزب الله: التواصل مع صفي الدين "مقطوع"    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    بلجيكا من دون دي بروين ولوكاكو أمام إيطاليا وفرنسا    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة        "احذروا".. زخات رعدية قوية مصحوبة ب"التبروري" وبهبات رياح غدا الأحد بعدد من المناطق        مجلس جماعة امطالسة يصادق على ميزانية 2025 وتمويل اقتناء عقار لاحتضان مركب للتكوين في المهن التمريضية    "لا يقول صباح الخير".. لويس سواريز يهاجم مدرب المنتخب مارسيلو بييلسا    التوقيع بالجديدة على إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون المغربي الفرنسي في قطاع الخيول    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        البكوري: عملنا يستند على إعمال مبدأ القانون في معالجة كل القضايا مع الحرص على المال العمومي    رسالة بنموسى في اليوم العالمي للمدرس    جيش إسرائيل يقصف مسجدا بجنوب لبنان    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى    شركات يابانية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لتعويض نقص العمالة    السكوري يُطلق منصة رقمية لخدمة التشغيل    من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية    "أطباء لبنان" تطلق نداء عاجلا لوقف "مجزرة" إسرائيل بحق الجهاز الصحي        هيئة: أكثر من 100 مظاهرة في 58 مدينة مغربية تخليدا للذكرى الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلاصة التصور للكون والإنسان من خلال مقدمة «الظلال» والتصوير ..
مع الشهيد سيد قطب في ذكرى استشهاده
نشر في العلم يوم 03 - 10 - 2008

نختم هذا العيش مع كتاب الله خلال شهر رمضان بجزء مما كتبه الشهيد سيد قطب في مقدمة كتابه في ظلال القرءان وكتابه التصوير الفني في القرآن وسنلاحظ من خلال تلك الفقرات ان الكثير مما ينسب لهذا الإنسان المظلوم حيا وميتا انما يتعسف الناس في نسبته اليه لأنه لا يمكن الحكم على الرجل الا من خلال مجموع ما كتبه اما نقل كلمة هنا وجملة هناك وتلفيق الكلام للوصول على أحكام مسبقة فهو أسلوب المحاكمات غير العادلة وليس أسلوب العلم والعلماء.
في أواخر شهر غشت من كل سنة تحل ذكرى انطفأ تلك الشمعة المنيرة أو ذلك الضوء اللامع في سماء الدعوة الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين، لقد كان لذلك الانطفاء اثر بالغ على النفوس وقد عمل عقلاء الأمة الإسلامية بكل ما أوتوا من قوة وجهد لعلهم يستطيعون ان يحولوا دون تلك الكارثة قبل وقوعها ولكن القضاء نزل ونفذ الحكم في حق الرجل الداعية دون شفقة ولا رحمة، ومنذ ذلك التاريخ وبعض الناس مختلفين حول الرجل وحول أفكار وحول دعوته، ولكن الشيء الذي يؤكده الجميع هو ما للرجل من اثر قوي في الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية والحياة الفكرية والأدبية في العالم العربي إلى يوم الناس هذا.
لقد أراد الذين أعدموه ان يعدموا معه أفكاره ونشاطه ولكن كان إعدامه الشرارة التي انطلقت منه أفكاره تغزو العقول، وتستولي على الأفئدة ويستلهمها الناس شرقا وغربا بقطع النظر عن حماسة قوم أو اندفاع آخرين وتطرفهم وتحميلهم لفكره وآرائه أكثر مما تتحمل مما جعل بعض الناس عن حسن نية أو سوء نية يحملون افكاره نتائج تصرفات منحرفة ما كان ليقرها أو يدعها تحدث لو وكل إليه الأمر، ولكن الناس وحالتهم ووضعيتهم إزاء الفعل ورد الفعل قد تحمل الناس أكثر مما يمكنهم ان يتحملوا فتقع أمور من مثل ما نشاهد ونسمع مما يحصل هنا أو هناك وعلى أي حال فان فكر الرجل ودعوته تجاوزت أفكار خصومه وطروحاتهم فاندفع الناس لقراءة الظلال وما سبق ولحق من الكتب والأبحاث والدراسات كل من موقعه في الفكر والأدب والسياسة وموقعه من الدعوة وما يترتب عنها من مواقف في قضايا عقدية وفقهية فرأينا من ينتصر له، كما وجدنا من ينتقده، وهذا لا يضر الرجل في شيء فتلك سنة الله في خلقه فليس هناك إجماع على هذا الأديب أو ذاك أو هذا الفقيه أو غيره أو هذا الداعية أو الآخر فلناس اتجاهات وأذواق ولهم فيما يعشقون مذاهب.
ولست أريد في هذه السطور أن أدافع أو اتهم، أو أبرئ أو أدين فأنا لست من هذا الباب الذي يطرقه الكثيرون. فقد سبق لي تناول الموضوع بتفصيل في مقالات سابقة ولكن وأنا بصدد كتابة ما كتبه في تلك الومضات التي استمدها من مشكاة أنوار كتاب الله كان الظلال من بين مجموعة من التفاسير التي ارجع إليها أقرأها وأتمعن في كيفية تعاملها مع كتاب الله فوجدت الرجل رغم انه كتب ما كتب في الطلال كان يعيش في شبه عزلة، ولكنه كان على علاقة فكرية مع كثير من كتب التفسير يستمد منها ويرد ويناقش ويجادل ولكن بأسلوب متميز هذا جانب من الجوانب الذي أثار في نفسي العودة إلى الحديث عن الرجل رغم مرور ما يقرب أو يزيد عن الشهر على ذكرى تنفيذ قضاء الله وإعدامه واستشهاده نرجو الله ان يقبله في الشهداء والصالحين.
وهناك أمر آخر في نفس السياق لقد اخترت ان يكون حديث الجمعة خلال شهر رمضان مخصصا للحديث عن كتاب الله لأن شهر القرءان لا ينبغي ان يكون الحديث فيه عن غير القرآن وعندما كنت احضر ما مر نشره رجعت إلى ما أنجزه رحمه الله من مشروعه في المكتبة القرءانية وهو (التصور الفني في القرآن) و (مشاهد القيامة في القرآن) وحال كما هو معروف ما عانه في حياته من اعتقال وشواغل أخرى عن إتمام مشروعة، ولكن هذا المشروع الذي بدأه كناقد أدبي وذواق للأدب لأنه لم يكن عندما كتب (التصوير الفني في القرءان) قد انخرط في جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه كان ناقدا متميزا بمنهاج خاص بين من يشتغلون بالنقد الأدبي حينذاك وقد فسر منهاجه في كتابه حول النقد الأدبي أصوله ومناهجه، واذكر إذا لم تخني الذاكرة ان النويهي في كتابه (ثقافة الناقد الأدبي) قد تعرض لسيد قطب ومنهاجه وقال فيما لا يزال عالقا بالذاكرة ان هذا الناقد سيقول الناس انه ناقدا أدبي رغم ان ثقافته لا تؤهله لهذه المهمة، إذ ما يملكه من تذوق الأدب وسير أغوار النص وما يرمي إليه وصاحب النص مع التزام الدقة في التعبير وأناقة الكلمات واختيارها بدقة يؤهله لممارسة النقد بامتياز ودوره في
هذا الباب معروف وعلى أي حال فليس الموضوع الآن مناقشة هذا الحكم من طرف النويهي، ولكن الغاية من هذا الاستطراد هو تأكيد ان ما كتبه في التصوير الفني كان انطلاقته هو مصاحبة كتاب الله وتذوق ما فيه من روعة ومتعة أدبية وحقائق في شأن النفس الإنسانية وأسلوب القرآن في التعبير الفني الذي يمتاز به عن غيره من كل كتب في العربية وفي غير العربية باعتبار إحساس ومشاعر الناقد سيد قطب رحمه الله وقد رأيت ان اختم هذه الحلقات التي كتبتها بمناسبة شهر رمضان ببعض الفقرات مما كنه الأسلوب بما جمع رحمه الله حول التعبير القرءاني في كتابيه (في ظلال القرءان) و(التصوير الفني في القرآن).
التصوير الفني
لقد كتب رحمه الله في كتابه التصوير الفني في القرءان القطعة التالية التي حاول فيها تلخيص ما انتهت اليه دراسته:
التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن. فهو يميز بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية. ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة. فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحدة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. فأما الحوادث والمشاهد، والقصص والمناظر، فيردها شاخصة حاضرة، فيها الحياة، وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل. فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين نظارة، وحتى ينقلهم نقلا الى مسرح الحوادث الأول، الذي وقعت فيه أو ستقع، حيث تتوالى المناظر، وتتجدد الحركات، وينسى المستمع أن هذا كلام يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه منظر يعرض، وحادث يقع. فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات، المنبعثة من الموقف، المتساوقة مع الحوادث، وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة، فتنم عن الأحاسيس المضمرة.
انها الحياة هنا، وليست حكاية الحياة.
وعشت في ظلال القرآن أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل للإنسان ومن بعد.. إنه إنسان بنفخة من روح الله:» فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين«.. وهو بهذه النفخة مستخلف في الأرض:» وإذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة«.. ومسخر له كل ما في الأرض:» وسخر لكم ما في الأرض جميعا «.. ولأن الإنسان بهذا القدر من الكرامة والسمو جعل الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر هي الآصرة المستمدة من النفخة الإلهية الكريمة. جعلها آصرة العقيدة في الله.. فعقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله.. ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه ابهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج !..
والمؤمن ذو نسب عريق، ضارب في شعاب الزمان. إنه واحد من ذلك الموكب الكريم، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم: نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ويوسف، وموسى وعيسى، ومحمد.. عليهم الصلاة والسلام..» وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون«..
هذا الموكب الكريم، الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه كما يتجلى في ظلال القرآن مواقف متشابهة، وأزمات متشابهة، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور، وتغير المكان، وتعدد الأقوام. يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى، والاضطهاد والبغى، والتهديد والتشريد.. ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد:» وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا. فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم. ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد«.. موقف واحد وتجربة واحدة. وتهديد واحد. ويقين واحد. ووعد واحد للموكب الكريم.. وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف. وهم يتقون الاضطهاد والتهديد والوعيد.
وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء، ولا للفلتة العارضة: »إنا كل شيء خلقناه بقدر«..» وخلق كل شيء فقدره تقديرا«.. وكل أمر لحكمة.
ولكن حكمة الغيب العميقة قد لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة:» فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا «..» وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون«.. والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها. ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج، وإنما هي الإرادة الطليقة التي تنشئ الآثار كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء:» لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا «.. » وما تشاءون إلا أن يشاء الله « والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها، والله هو الذي يقدر آثارها ونتائجها.. والاطمئنان إلى رحمة الله وعد له وإلى حكمته وعلمه هو وحده الملاذ الأمين، والنجوة من الهواجس والوساوس:» الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، والله واسع عليم«..
ظلال القرآن واطمئنان النفس
ومن ثم عشت في ظلال القرآن هادئ النفس، مطمئن السريرة، قرير الضمير.. عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر. عشت في كنف الله وفي رعايته. عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها..» أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟.. » وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير «.. » والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون«..» واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه «.. »فعال لما يريد« .. » ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ان الله بالغ أمره«..» ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها«..» أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه«..»ومن يهن الله فماله من مكرم«..» ومن يضلل الله فماله من هاد«.. إن الوجود ليس متروكا لقوانين آلية صماء عمياء. فهناك دائما وراء السنن الإرادة المدبرة، والمشيئة المطلقة.. والله يخلق ما يشاء ويختار. كذلك تعلمت أن يد الله تعمل. ولكنها تعمل بطريقتها الخاصة؛ وأنه ليس لنا أن نستعجلها، ولا أن نقترح على الله شيئا. فالمنهج الإلهي كما يبدو في ظلال القرآن موضوع ليعمل في كل بيئة، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية، وفي كل حالة من حالات
النفس البشرية الواحدة.. وهو موضوع لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض، آخذ في الاعتبار فطرة هذا الإنسان وطاقاته واستعداداته، وقوته وضعفه، وحالاته المتغايرة التي تعتريه.. إن ظنه لا يسوء بهذا الكائن فيحتقر دوره في الأرض، أو يهدر قيمته في صورة من صور حياته، سواء وهو فرد أو وهو عضو في جماعة. كذلك هو لا يهيم مع الخيال فيرفع هذا الكائن فوق قدره وفوق طاقته وفوق مهمته التي أنشأه الله لها يوم أنشأه.. ولا يفترض في كلنا الحالتين أن مقومات فطرته سطحية تنشأ بقانون أو تكشط بجرة قلم !.. الإنسان هو هذا الكائن بعينه. بفطرته وميوله واستعداداته، يأخذ المنهج الإلهي بيده ليرتفع به إلى أقصى درجات الكمال المقدر له بحسب تكوينه ووظيفته، ويحترم ذاته وفطرته ومقوماته، وهو يقوده في طريق الكمال الصاعد إلى الله... .
المنهج الإلهي موضوع
للمدى الطويل
ومن ثم فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل الذي يعلمه خالق هذا الإنسان ومنزل هذا القرآن ومن ثم لم يكن معتسفا ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج. ان المدى أمامه ممتد فسيح، لا يحده عمره فرد، ولا تستحثه رغبة فان، يخشى أن يعجله الموت عن تحقيق غايته البعيدة؛ كما يقع لأصحاب المذاهب الأرضية الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد، ويتخطون الفطرة المتزنة الخطى لأنهم لا يصبرون على الخطو المتزن وفي الطريق العسوف التي يسلكونها تقوم المجازر، وتسيل الدماء، وتتحطم القيم، وتضطرب الأمور. ثم يتحطمون هم في النهاية، وتتحطم مذاهبهم المصطنعة تحت مطارق الفطرة التي تصمد لها المذاهب المعتسفة فأما الإسلام فيسير هينا لينا مع الفطرة ، يدفعها من هنا، ويردعها من هناك، ويقومها حين تميل ، ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها إنه يصبر عليها صبر العارف البصير الواثق من الغاية المرسومة.. والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية أو الثالثة او العاشرة او المائة او الألف... فالزمن ممتد، والغاية واضحة، والطريق الى الهدف الكبير طويل. وكما تنبت الشجرة الباسقة وتضرب بجذورها في التربة وتتطاول فروعها وتتشابك.. كذلك
ينبت الإسلام ويمتد في بطء وعلى هينة وفي طمأنينة ثم يكون دائما ما يريده الله ان يكون.. والزرعة قد تسفى عليها الرمال، وقد يأكل بعضها الدود، وقد يحرقها الظمأ، وقد يغرقها الرى. ولكن الزراع البصير يعلم انها زرعة للبقاء والنماء، وانها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل؛ فلا يعتسف ولا يقلق ولا يحاول انضاجها بغير وسائل الفطرة الهادئة المتزنة، السمحة الودود.. انه المنهج الإلهي في الوجود كله .. »ولن تجد لسنة الله تبديلا«..
الحق في منهج الله اصيل
والحق في منهج الله اصيل في بناء هذا الوجود. ليس فلتة عابرة، ولا مصادفة غير مقصودة ان الله سبحانه هو الحق. ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده:» ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وان الله هو العلي الكبير«.. وقد خلق الله هذا الكون بالحق لا يلتبس بخلقه الباطل:» ما خلق الله ذلك إلا بالحق«..»ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك«.. والحق هو قوام هذا الوجود فإذا حاد عنه فسد وهلك:_» ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن«.. ومن ثم فلا بد للحق ان يظهر، ولا بد للباطل أن يزهق.. ومهما تكن الظواهر غير هذا فإن مصيرها إلى تكشف صريح:» بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق«..
والخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق، باقية بقاءه في الأرض :» أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع، زبد مثله. كذلك يضرب الله الحق والباطل. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال«...
هذه نماذج مما كتبه في التصوير وفي الظلال بهذا الأسلوب الرائع وبهذا العيش في ظلال القرآن وما يوفره من نعمة الاطمئنان وإسلام الوجه لله سبحانه منزل القرآن ومقلب الأمور ومدبر الكون سبحانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.