يمكن القول بان حقل «الملكية الدستورية» ورغم مرور أربعة عقود على ولادته التاريخية، لازال يمثل «الطرف» في حلقة النسق السياسي الذي يحتل مركزه بامتياز حقل «إمارة المؤمنين» ومرد ذلك يكمن فيما يلي: أولا: دور الشعب. من المفترض أن يحتل الشعب في حقل الدولة الحديثة مكانة «المواطنين» بما يقتضيه ذلك من فتح فرص المشاركة السياسية، واحترام حرية التعبير خاصة إبان المحطات الانتخابية والاستفتائية، غير أن قراءة متفحصة للواقع المغربي، توضح لنا واقع هيمنة منطق «الرعية» على حساب منطق «المواطن» وذلك من خلال التدخل المتكرر والمتطور في عمليات الاقتراع ومصادرة الرأي الآخر، والتعامل الذي يناقض مبادئ حقوق الإنسان لدى بعض رجال السلطة، غير أن السنوات الأخيرة وخاصة حقبة التسعينيات عرفت «تطورا» ملحوظا في احترام حقوق الإنسان ولربما كانت هذه هي الخطوة الأولى في اتجاه زحزحة منطق «الرعية» لفائدة منطق «المواطنة» كمقدمة لاحتلال «رئيس الدولة» مكانة أساسية في النسق السياسي المغربي. على الرغم من بعض التراجعات التي سجلت منذ 2002 وتكرست مع ميلاد الحزب الأغلبي الأصالة والمعاصرة. ثانيا: شكل المشروعية. إذا كانت مشروعية «أمير المؤمنين» مشروعية دينية، فان مشروعية رئيس الدولة هي مشروعية مدنية تستمد من الدستور باعتباره قانونا وضعيا، غير أن بعض مقتضيات الدستور والتي من المفترض أن تدفع في اتجاه منح اختصاصات مهمة ل «رئيس الدولة» تقوم على العكس من ذلك بإضفاء شرعية «مدنية» على «أمير المؤمنين» بالإضافة إلى شرعيته الدينية، وهذا ما يجعل «أمير المؤمنين» يتوفر على شرعيتين أساسيتين وهما معا دينية ومدنية مما يجعل «رئيس الدولة» في منزلة أقل من «أمير المؤمنين» الذي يظل مركز النسق إضافة إلى شرعيته التاريخية غير المشكوك فيها. ثالثا: وسيلة الشرعية. يعتبر الدستور هو الوسيلة الأساسية، لشرعية « رئيس الدولة» ، غير أن مقاربة تاريخية لوضع الدستور في المغرب توضح لنا بأن «أمير المؤمنين» هو الذي «منح» الدستور وأنه موجود قبل وجود الدستور، فوجود الدستور يستمد «شرعيته» من رغبة «أمير المؤمنين» في منح دستور للأمة، وبالنتيجة ف «أمير المؤمنين» هو الذي يمنح الشرعية ل «رئيس الدولة» وليس الدستور... رابعا: الحقل السياسي. تقتضي الدولة الحديثة هيمنة الوسط الحضري من الناحية المجالية، أي توسع قاعدة الساكنة الحضرية وما يليه من ارتفاع مستوى التعليم وخلق المؤسسات الثقافية والعلمية، وبناء ثقافة المواطنة المشيدة على مبادئ حقوق الإنسان والانتماء للوطن بغض النظر عن اللغة أو الجنس، وذلك عكس الثقافة السائدة في البادية والمبنية أساسا على العلاقات القبلية ذات النفس «الخلدوني».. ولقد شكلت البادية طيلة سنوات الاستقلال مجالا استراتيجيا للنظام السياسي، حيث لم تستطيع الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني ولوجها إلا «بنفس خلدوني» أيضا، من خلال الأحزاب التي شكلت «للدفاع» عن البادية. (..) أو الجمعيات التي أخذت أسماءها من السهول والجبال والهضاب وأسماء المشاييخ و أولياء الله.. ولا يخفى على الباحث أن عدد سكان البوادي ظل إلى حدود إحصاء 1994 أكثر من عدد سكان المدن، وهذا ما يعنى أن المجال السياسي الحضري ل «رئيس الدول» ظل غائبا منذ أن ولدت الدولة المغربية، ولما تغيرت المعادلة السكانية لفائدة الوسط الحضري أقدم النظام السياسي على اقتراح «التناوب» على أحزاب المعارضة السابقة (أحزاب الكتلة الديمقراطية). ومع ذلك يمكن القول بأن النظام السياسي لم يغلق باب تحمل المسؤولية في وجه «المواطنين» وإن بشكل مدروس، لأسباب دينية أو قبلية ومثال ذلك تحمل مغربي يهودي مسؤولية حكومية في عهد حكومة البكاي الأولى والثانية، والسيد «سيرج برديكو» وزارة السياحة في حكومة عبد اللطيف الفيلالي الأولى وأيضا انتخاب السيد «جو اوحنا» في مجلس النواب عن مدينة الصويرة، وهو ما يعني حسب ما أكد ضريف أيضا، تجاوزا لمفهوم أهل الذمة في الفكر السياسي الإسلامي... ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء المسؤولين المغاربة هو «المواطنة» بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي، غير أن هذه الحالات تبقى معزولة إذا نظرنا للوضع بشكل شمولي، بيد أنها توضح لنا حجم المرونة التي يتمتع بها النظام السياسي المغربي. خامسا: الوسطاء. بالنسبة ل «أمير المؤمنين» يمثل «العلماء» الوسطاء، الشرعيين بينه وبين «الرعية» أما وسطاء «رئيس الدولة» في حقل الدولة الحديثة فهي الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، وقد حدد الدستور مهامها باعتبارها تقوم بتأطير المواطنين وتشارك في اللعبة السياسية، غير أن هذه المشاركة السياسية لا تستهدف من وجهة نظر النظام السياسي احتكار السلطة بل فقط وفي أقصى الحالات «المشاركة في السلطة» ، إذ أنه تاريخيا غلب على مختلف الحكومات المغربية الطابع غير السياسي أي التقنوقراطي، و في أغلب التجارب التي شاركت فيها الأحزاب في الحكومة، ظلت الوزارات الأساسية في يد وزراء غير متحزبين، وهذه الوزارات هي ما اصطلح عليها وزارات «السيادة» وهو ما افقد الحكومة المسؤولية السياسية وحول أعضائها إلى مجرد موظفين «سامين». إننا نكتفي بهذه النقاط للتأكيد على أن دور «رئيس الدولة» لازالت شروط تطويره وتجدره في بنية النسق السياسي المغربي لم تتوفر مع التأكيد على أن هناك مؤشرات ايجابية لبدايتها لابد أن يتجند كل الديمقراطيين لتكريسها على ارض الواقع ومنع أي ارتداد إلى الخلف ومن أبرزها الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011.