1 " قائماً كما السّاكن على عمود " اختلق سمعان ، في القرن الخامس للميلاد ، شكلاً جديداً من التزهّد ، شكلاً فريداً من الانقطاع عن العالم . عوض أن يستغرق في عزلة مقفرة ، كما كان يفعل المتنسّكون في زمانه ، فضّل أن يرتقي عموداً ، رافضاً النزول عنه . مكث على ذاك العمود سبعا و ثلاثين سنة ، مُقاوماً قسوة الشّمس و المطر و الرّيح ، و رغماً أيضا عن مجازفات القلب و الرّوح . كانت جموع النّاس تأتي لرؤيته ، و حتّى من مكان بعيد ، لتتعرّف على أخباره و تتحقّق من صلابة قراره . استقرّ بعضها عند قدم العمود و بسط الباعة شتّى الأصناف من المؤن مختلطة بمختلف أغراض التعبّد . كانت تلك الجموع تشفق عليه ، تضايقه ، ترميه بثمار التّين و البرتقال و بالبيض المسلوق . البعض و قد ارتأى أنّ موقفه أخرق ، كان يبحث على أن يُخمد عزمه ؛ في الواقع ، كان يغار و يأمل لو تخلّى عن صنيعه و يخسر رهانه . البعض الآخر اللّطيف معه ، حسب الظّاهر ، كان يطلب منه الاحتراس ، و خاصّة أثناء النّوم ، لكنّه في أعماق نفسه ، ما كان ليستاء لو أنّه عاين سقوطه المُروّع . تمّ تقديسه بإسم القدّيس سمعان العمودي و كان له مقلّدون كثر ، بدءًا من ابنه سمعان الأصغر ، كانت له كذلك سلالة أدبية : بهلوان كافكا الذي لم يشأ النّزول عن أرجوحة التريّض ، و البارون المُعلّق لإيطالو كالفينو الذي أمضى حياته بين الشّجرات ( النّساء اللّواتي أحبّهنّ ، انضممن إليه بين الأوراق ) . و في السّينما ، يمكن أن نذكر آماركورد ، و لكن أيضا ألكسندر السّعيد (1). على أنّ للقديس سمعان مريدين عديدين لم يسمعوا به بتاتا ، منهم هذا الشخص الذي ( و قد ذكره النيسابوري في مؤلفه " عقلاء المجانين " ) عاش حتّى مماته فوق سطح بيته ، قائما على قدم واحدة . المثير للاهتمام أكثر هو نحويّ من القرن الخامس الهجري ، أبو الحسن البصري الذي ، حين أبصر يوماً قطّاً يحمل طعاما لقطّ مثله أعمى ( لا يُعرف الكثير عن هذه الحكاية ) هجر النّحو ، و مزدرياً الدّنيا ، استقرّ بحجيرة أعلى مسجد . هوى منها و مات ، مُحطّم العظام (2) . أقلّ تهوّرا ، كان سمعان العمودي الذي أمدّ عموده بسياج . 2 المشهد الآخر كان لأهل مدينة إيدومي ( أ هي تلك التي ذكرها مالارمي في إحدى قصائده ؟ ) عادةَ أن يطردوا كلّ مساء ، خارج الأسوار ، المتشرّدين و المتسوّلين و النصّابين و الغرباء . عند طلوع النّهار ، يرضون بهم بينهم . الإخباريون يحارون حتّى اليوم في تخميناتهم بصدد هذا التصرّف الغريب . ما يُدهشهم أكثر هو التّفصيل التالي : في اللّيل ، كان سكّان مدينة إيدومي المعروفة أيضا بإسم المدينة غير المضيافة ( في تناقض عميق مع قصد نصّ مالارمي الذي يحمل تحديداً عنوان " هِبة القصيدة " ) (3) يلتئمون فوق الأسوار و يُعاينون مشاهد القتل و الإغتصاب و الفظاعة التي تجري أسفلهم ، في الظّلام . 3 رسم لقد أتى على آدم أنْ ذاق الثّمرة المُحرّمة ؛ عضّ على التفّاحة و تمّ إلزامه أن يُمرّغها في فمه إلى الأبد . فمه المفتوح على سعته مُرٌّ . ضخامة التفّاحة هي بقدر فداحة الإثم . الزّهرة من نفس لون التفّاحة . حين يُنظر إليها عن قرب ، هذه الزّهرة وجه . أيّ وجه ؟ سيزيف الذي يُختزل عادة و بغير صواب إلى صخرة عنيدة ، كان رجلاً محتالاً ، بل أكثر احتيالاً حتّى أنّ المؤرّخين ادّعوا أنّه أب أوديسيوس . بما أنّ الحيلة مُتلويّة ، مُتعرّجة ، متاهية ، فهي تذكّر بالشبكة ، بالأنشوطة وبالعقدة . و بالفعل ، نجح سيزيف في تكبيل ثاناتوس بالسّلاسل و هو الذي أتى ليقوده إلى مملكة الأموات . إنّه الفاني الوحيد الذي أفلح في تحقيق هذا الصّنيع الخارق : أن يخدع الموت ، يستدرجه إلى الفخّ ، يجعله عاجزاً إلى أن جاءت الآلهة الغيورة على امتيازها لنجدته و تخليصه . على طرف من التفّاحة ، سنجاب ... لا ، شيطان صغير ... أو على الأصحّ عصفور ، هو غير مكترث بعذابات آدم سيزيف و بالحمولة الرّمزية لهذا الرّسم ، غير مبال كذلك بالمُشاهد . 4 المعطف الأسود بعد أن تمكّن من قتل المينوتور ، نجح ثيسيوس من الخروج من المتاهة بفضل خيط أريادنى . أريادني التي سيتركها ( ناكر الجميل !) على جزيرة مقفرة (4) . الآن ، المتاهة خاوية و صامتة . شبحُ المينوتور ، مع ذلك ، عائم فيها بلا عزاء و بلا جدوى من الوعيد . إنّه يصبو للخلاص ، لكنّه لا يدري كيف يغادر هذا المكان المُخيف و يلتحق بمملكة الأموات . و من ثمّ يظلّ هائماً بلا توقف ، في الذي لا مهرب منه . من وقت لآخر يتصادم مع أشباح أخرى ، أشباح ضحاياه . الآلهة المجتمعة فوق الأولمب بمناسبة مأدبة كبيرة تتوجّه إلى ثاناتوس و تسأله لماذا لم يقد المينوتور إلى الجحيم . متدثراً في معطفه الأسود ، أغضى ثاناتوس خجلاً ، و لم يُجب . حينئذ صدرت عن الآلهة قهقهة هائلة . لقد فهمتْ : إله الموت لم يذهب للبحث عن شبح المينوتور لأنّه كان يخشى من أن لا يستطيع مغادرة المتاهة و أن يظلّ فيها إلى الأبد . 5 مجنون ليلى يُشفق على قيس ، مجنون ليلى ، يُتأسّف للمصير الذي آل إليه ، لكن يُنسى أنّ هذا القدر اختاره بملء هواه . كان عاشقاً لليلى ، ابنة عمّه و الحكاية كان يُمكن لها أن تنتهي بزواج عادي لو أنّه كفّ، كما كان يُوجب العُرف في ذاك الزّمن ، عن التغنّي بعشقه و إعلان إسم معشوقته . عاجزاً عن السّكوت ، لن يُقاوم إغراء أن يُنشد أشعاره . كان لا يجهل ، مع ذلك ، أنّها ستنتشر ، أنّه ينتهك محظوراً و يفقد ليلى نهائياً . أيّ قول يُقال سوى أنّ عشق القصيدة كان عنده أكثر قوّة من هوى ليلى ؟ في سياق آخر ، يُقرّ الجاحظ و هو كلام مستفظع بأنّ الكتاب ، في سويداء الكاتب ، أعزّ بكثير من الولد . 6 استعارة القصيدة الغنائية ، كما يقول الشعراء القدامى ، ناقة شاردة : لا يُعلم لمن ستؤول ، ضائعة في المساحة الصّحراوية الشاسعة ، تهيم على وجهها باحثة عن مثيلاتها ، عن حيوانات و أنامٍ ، لكنّها ليست على يقين من العثور عليهم . في يوم يأوي غرباءٌ اليتيمة و يتبنّونها و بقربهم تُمضي بقيّة أيّامها إلاّ أن تضلّ من جديد . إنّ قدر القصيدة الغنائية أن تشرد ، أن تكون غريبة . هذا الأمر ، كان الشاعر العربي يعلمه ، لكنّه كان يعتقد أنّ هذه القصائد الغنائية لن تُقرأ بوجه آخر إلاّ في اللّغة العربية . كان أبعد من أن يتوهّم بأنّ هذه النّوق ، قرونا بعد ذلك ، ستصل إلى مدن لم تكن لديها أيّة فكرة عنها : برلين ، باريس ، لندن ، نيويورك . فقد تُرجمت ، شُرحت ، أُوّلت ، أصبحت تتكلّم ، بعد الآن ، لغات أجنبية . مع الزّمن ، ستنسى ربّما ، لسان قومها . 7 أوزيريس كُلّف الوزير الكندري من قبل السّلطان السّلجوقي طغرل ( المناصر للمعتقد السنّي في القرن الخامس الهجري ) أن يطلب له ، و بإسمه ، يد أميرة من خوارزم. منتهزاً المناسبة غدراً ، تزوّج الوزير نفسُه الأميرة . لنُذكّر بأنّ تريستان أضحى مذنبا بخيانة شبيهة بهذه تجاه الملك مارك (5) . لم يكن للكندري ، صحيح ، ذريعة شراب المحبّة ، غير أنّ بهاء الأميرة الذي لا نظير له ، كان أقوى تأثيراً من السّحر. وُصفت له مفاتنها ، أو ربّما رمقها خلسة و هي من وراء حجاب . في طوق الحمامة ، المكتوب في الحقبة عينها ، يُسجّل ابن حزم القرطبي أنّه في شؤون الحُبّ ، يجب الارتياب كثيرا في المبعوث . السّلطان لم يقتل الكندري ؛ ارتضى في عفوه عنه بأن أخصاه و أبقاه كوزير . وفق رواية أخرى ، لم يتزوّج الكندري الأميرة بتاتاً ، و لأنّه علم أنّ أعداءه يشيعون عنه أنّه يشتهيها ، ارتاع من ذلك ، و حتّى يُنقذ حياته ، أخصى نفسه . و لكي يُدمغ انقياده و يستعيد حظوة السّلطان ، حلق أيضا لحيته ، الرّمز الآخر للرّجولة ( الذين كان يُفرض عليهم هذا العقاب ، كانوا يقبعون في منازلهم حتى ينبت الزّغب من جديد ) . فيما بعد ، أمر السّلطان بضرب عنق الوزير . لمّا حضر السيّاف إلى بيته ، قام الكندري بتوديع عائلته ( المُقتصرة على بنت وحيدة ) . بعد ذلك ، عهد إلى السيّاف بكفنٍ و أعطاه مائة دينار حتّى يُكفنّه بعد مماته . في الإمكان تصوّر أنّ السيّاف سيشرّف تعاقده ، لم يكن له أيّ باعث مشروع للتملّص منه . فقط ، أيّة قطعة من الجثة ستدثر في كفن ؟ لأنّ الكندري بُترت أعضاؤه و قُبرت في مواضع شتّى : صُبّ دمه في مرو الرّوذ ، الجسد دُفن في كندور ( التي جذور الوزير منها ) ، الرأس في نيسابور ، آلات التّناسل في كرمان ( بعد أن حُشيت و هذا تفصيل ملغز بالتبن ) . (6) منذ مماته ، يبذل ، دون شكّ ، جهوداً عبثية ، بقدر ما هي مضحكة ، حتى يسترجع تمام جسده ، حتى يلتئم مع ذاته . مؤرّخان ، ابن خلكان و ابن كثير سردا ، بروايات مختلفة ، هذه الحكاية . الأوّل رأى فيها مناسبة للتفكّر في لا استقرار شؤون هذا العالم و الطابع العابر للسّلطة . الثاني سيُوجّه تأمّله نحو بعث الجسد المبعثرعند نهاية الدّنيا " و أنا أشهد أنّ الله جامع الخلائق إلى ميقات يوم معلوم ، أين كانوا ، و حيث كانوا ، و على أيّ صفة كانوا ". و أميرة خوارزم ، ماذا حلّ بها ؟ الإخباريون لزموا ، بغرابة ، صمتاً مطبقاً بخصوص هذا الموضوع . لم يكن مصيرها ، في الظاهر ، يستميلهم . 8 أزواج امرأة تُدعى أسماء فقدت زوجها ، عروس الذي كانت تهواه ( عروس يعني الخاطب ، المُتزوّج ) . ظلت لا عزاء لها فيه . إلاّ أنّها ، بعد فترة ، وافقت على أن تتزوّج مرّة أخرى . في اليوم الذي جاء فيه الزّوج الجديد يطلبها ، لمح عندها قارورة عطر و توسّل إليها أن تنقلها معها ، لكنّها أجابته : " لا عطر بعد عروس ! " هذا الجواب ذهب مثلاً . امرأة أخرى كانت تمقت زوجها المُسنّ للغاية حتى أنْ طلبت منه أن يطلّقها . عاجزاً ، امتثل لها . ( حدث هذا صيفاً ) . بعد بعض الوقت ، جاءت تلحّ في طلب اللّبن . أجابها : " في الصّيف ضيّعت اللّبن ! "هذا الردّ السّريع صار هو أيضا مثلاً . بقدر ما أحبُّ الحكاية الأولى ، بقدر ما أبغضُ الثانية .غير أنّ هذه الأخيرة ، بحسب رواية منسيّة ، لها تتمّة مسليّة . بعد أن ضربت على منكب زوجها الجديد ( خلال ذلك ، كانت تزوّجت فتى شابّاً ) ، قالت : "هذا و مُذقه ( قليله ) خير ! " . هذا القول صار هو أيضا مثلاً . 9 كرامات كتب سير الأولياء و القدّيسين تحكي بكثرة من التفاصيل الخوارق و الأعاجيب التي يأتيها هؤلاء . يبقى أنّ نوعا رفيعا يُنتج بالضرورة صورته الهزلية ( المآسي الإغريقية أعقبتها محاكاتها السّاخرة ) . على فراش الموت ، تنكّر دون كيخوطي لروايات الفروسية و تحسّر أنْ لم يعد له من الوقت ما يكفي لقراءة " كتب تكون بمثابة سراج للرّوح " . ليس من غير الوارد أن يكون فكّر في كتب سير القدّيسين . ماذا كانت ستكون رواية سيرفانتس لو أنّ بطلها التمس أن يُحاكي ، ليس الفرسان ، بل القدّيسين ؟ يمكننا أن نكوّن فكرة من خلال حكاية ، هي هذه : أبو علي الشرمقاني ( القرن الخامس الهجري ) ، الذي أنقذه الإخباريون من النّسيان لأنّه كان مُقرئا مجوّدا للقرآن ، كان يتغذى من أوراق الخسّ النّابتة على أطراف دجلة . الأولياء و القدّيسون ، كما نعلم ، لهم نظام غذائي استثنائي : كانوا ، تقشفاً و إذلالاً للجسد و تيسيراً لاتّصال الرّوح بالله ، يصومون لمدد طويلة أو يأكلون النّباتات البريّة . غير أنّ أبا علي لم يكن له هذا الادّعاء ؛ إذا كان يتناول أوراق الخسّ ، فلعدم توافر الأفضل و لأنّه كان في إملاق شديد . لمّا أخذ شيخه علما بذلك ، حدّث الوزير الذي ، و قد أخذته الشفقة ، أمر أحد خدمه أن يُطعم مقرىء القرآن طعاماً صحيّاً . و بما أنّ الصّدقة تكون إلى الله مُستحبّة أكثر إذا تمّت في الكتمان ، فإنّ الخادم سيتحصّل خلسة على نسخة من مفتاح الخزانة المحجوزة لأبي علي في المسجد و كلّ يوم سيودع فيها فرخ دجاجة و وفرة من أرغفة السّميد و حلويّات . ظنّ أبو علي عندئذ أنّه نال منّة إلهيّة ، أنّ الطّعام الذي يجده في خزانته كرامة و يأتيه من الجنّة . لا بدّ أنّه قرأ كتب سير الأولياء حيث الكرامة عُملة شائعة و تصوّر أنّه وصل إلى الولاية . أحسّ بغبطة عظيمة ، جاهد ، مع ذلك ، في إخفائها : في الواقع ، لم يكن يجهل أنّ الأولياء كانوا يتحاشون إفشاء كراماتهم حتى لا يستسلموا للإغراء و حتى لا يُعرّضوا العناية الإلهيّة للنّضوب. لكن ، كيف لزوم الصّمت و الصّمود أمام إغراءات الزّهو ؟ أبو علي ، و قد وجد نفسه بين تيارين متناقضين ، مُمزّقاً بين واجب السّكوت و إغواء الكلام ، آثر تسوية : التلميح و التورية . بدأ يتصرّف بطريقة غريبة و لمن يودّ الاستماع إليه ، يُنشد أبياتاً من الشعر ذات نبرة صوفية تشدّد بالضّبط على الاحتراس و الحذر اللذين يجب مراعاتهما تجاه المحبوب (7) . باختصار ، كان يحرص أن يُعرف بأنّه يصون سرّا و بعناية قصوى . لم يكن الأمر خطيراً لأنّ حضور السرّ كان شأناً عاماً في الأدب الصّوفي . لكن ، ما كان يفضحه أكثر هو جسده الذي ، بفضل نظام التغذية الجديد ، امتلأ بسرعة . كلّ هذا انتهى بإغاظة شيخه الذي ، رغم معرفته بباطن القصّة ، لم يتفوّه بكلمة مراعاة للوزير و أيضا كي لا يفتخر بدوره في تحسين أحوال مُريده . في يوم ، لم يُمسك عليه نفسه ، تصنّع الذهول من سمانة هذا الأخير و هو ما كان وسيلة لوضعه تحت المحكّ . انتهى أبو علي عندئذ بالكشف عن " سرّه " . سقط في الشّرك : الشيخ ، و قد ضاق بصبره ، أباح له بالحقيقة . أدرك أبا علي ، من ذلك ، غمٌّ عظيمٌ . مثل هذه الحادثة المزعجة كان يمكن أن تقع لدون كيخوطي ، مع فارق دقيق مع ذلك : كان سيضطلع منذ البداية و صراحةً بدور القدّيس و كان سيأبى أن يمارس معها لعبة الإختباء : ليس " للحقيقة " عليه أيّ تأثير و لا تُقلقه على الإطلاق . أمّا رفقاؤه ، و قد خمدت عزائمهم أمام عناده عدم الإقرار بحكم الواقع ، كانوا لأجل التّسلية ، ضاعفوا من الذرائع و الحيل بقصد إطراء أوهامه و تشجيع جنونه . على فراش الموت ، كان سيكفر بكتب القدّيسين و سيندم لأنّه لم يكرّس حياته لرواية الفروسية . هوامش : ( من وضع المترجم ) 1 شريط آماركورد من إخراج المخرج الإيطالي فدريكو فيلليني ( 1973 ) و شريط ألكسندر السّعيد من إخراج المخرج الفرنسي إيف روبير ( 1967 ) . 2 جاء في " عقلاء المجانين " للنيسابوري : " كان لا يأوي سقف بيت ... و إذا كان اللّيل ، فهو في وسط السّطح قائما على رجليه في البرد و المطر و الرّيح ... " . أمّا عن أبي الحسن البصري النّحوي ، فقد أورد ابن كثير في البداية و النهاية ( ج 12 ) الواقعة عينها مع هذا الموقف الملفت للشيخ : " فقال الشيخ ، يا سبحان الله ، هذا حيوان بهيم قد ساق الله إليه رزقه على يد غيره ، أ فلا يرزقني و أنا عبده و أعبده ... " . 3 إيدومي هي المنطقة التي يعرفها العرب قديما و حديثا ب " دومة الجندل " و قد ذكرها الشاعر الفرنسي ستيفان مالارمي ( 1842 1898 ) في " هبة القصيدة " و مطلعها : ! Je t'apporte l'enfant d'une nuit d'Idumée 4 أسطورة يونانية تروي تمكّن ثيسيوس من قتل المينوتور في متاهته و هو مخلوق نصفه ثور و نصفه إنسان و ذلك بفضل كبّة الخيط التي أعطت إيّاها أريادني التي أحبّته . لكن البطل ، بعد أن نجح في العملين الخطيرين : قتل الوحش الآدمي و الخروج من المتاهة ، تنكّر لمنقذته و تركها نائمة في جزيرة ( حسب بعض الروايات ) . 5 إيسولدا كانت ابنة ملك إيرلندا و تمّت خطبتها إلى ملك كورنوول مارك الذي أرسل ابن أخته تريستان لمرافقة إيسولدا إلى كورنوول ، لكنّهما وقعا في الحُبّ أثناء الرّحلة ... 6 ثمّة بعض التباين بين ما ذكره عبد الفتاح كيليطوو بين ما أورده ابن كثير و ما أورده ابن خلكان بخصوص الواقعة عينها : الأول قال : " فدُفن ذكره بخوارزم ... " ( البداية و النهاية ، ج12 ) ، و الثاني أضاف : " و من العجائب أنه دُفنت مذاكيره بخوارزم ... و حُشيت سوأته بالتبن " ( وفيات الأعيان ) . و الصّورة كما رسمها كتاب " الوافي في الوفيات " لصلاح الدين الصّفدي ، فقد جاءت وفق هذا المشهد : " و من العجائب أنّ آلات التناسل من الكندري مدفونة بخوارزم و دمه مصبوب بمرو الرّوذ و جسده مقبور بقرية كندر و جمجمته و دماغه مدفونان بنيسابور و سوأته محشوّة بالتبن منقولة إلى كرمان و دُفنت هناك " هذا التفصيل يجلي بعض اللغز ؛ ثمّة معنى ما في دفن عضو ذكورة الكندري بخوارزم ! 7 هذه الأبيات هي : من أطلعوه على سرّ فباح به *** لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا و أبعدوه فلم يظفر بقربهم *** و أبدلوه فكان الأنس إيحاشا ( البداية و النهاية ج12 ) . تجدر الإشارة إلى أنّ أبا علي الشرمقاني لمّا انكسر قلبه بعد أن انهار وهمه بالكرامة و الولاية ، امتنع عن أكل ذاك الطعام و تُوفيّ بعذ ذلك بمدّة يسيرة ( ابن تغري بردي ، النجوم الزّاهرة في ملوك مصر و القاهرة ) . ** هذه الحفريات مأخوذة عن : le Magazin Littéraire du Maroc , N? 6 , Hiver 2010, P : 44 _ 47