سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سيدي امحمد ابن سليمان.. من مكان للتقرب إلى الله إلى مركز للنفوذ والسياسة غرس عمودين بأعلام فتحولا إلى نخلتين ولجأت إليه بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة للتبرك
راكم دفناء هذه المقابر شهرة ترسخت في كتب التاريخ ومكنتهم من أن يجمعوا حولهم مريدين، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو حتى العالمي، وساهموا بتصوفهم وزهدهم وبساطتهم وتواضعهم وعلمهم الديني الواسع في أن ينسج عنهم مريدوهم العديد من الحكايات الغريبة، التي رفعتهم إلى درجة الولي الصالح، الذي تنفع بركته في علاج عدد من الأمراض المستعصية على الطب الحديث. وإلى جانب هذه «البركات»، أدرجت زيارة الأضرحة والزوايا، في الآونة الأخيرة، ضمن ما يعرف بالسياحة الروحية التي يمكن أن يعول عليها المغرب لجلب المزيد من السياح الأجانب وخلق انتعاشة في السياحة الداخلية. لكن هذه الأضرحة، في المقابل، أصبحت نتيجة الإهمال وانشغال بعض «الأتباع» بجمع «التبرعات» فقط مهددة بالفضائح الأخلاقية التي ترتكب في محيطها... ولد الولي الصالح سيدي امحمد ابن سليمان أواخر القرن العاشر الهجري، وينحدر من سلالة الشرفاء الأدارسة، هاجر بيت العائلة بعد أن أتم تعليمه، حيث انتقل وهو في عقده الثالث إلى منطقة دكالة لينشط في إعطاء الدروس الدينية، وتقديم المواعظ، وعرج بعد ذلك على منطقة أبي الجعد حيث تزوج من السيدة زهرة بنت سالم. وبقي وفيا لعدم استقراره، متنقلا بين عدة مناطق، تارة واعظا وتارة تلميذا أو معلما إلى أن استقر به الحال في منطقة أولاد زيان التي مكث فيها مدة طويلة أنجب خلالها عددا من الأبناء ظل غامضا لدى المؤرخين، قبل أن ينتقل إلى منطقة الزيايدة حيث وافته المنية . كرامات الولي الصالح لعل أبرز ما روي من كرامات عن الولي الصالح سيد امحمد ابن سليمان، أنه عمد قبل يوم من وفاته إلى لف أعلامه حول عمودين منفردين، وحفر لهما حفرتين حيث غرسهما على يمين ويسار باب الضريح، وأنه بعد وفاته، فوجئ حفدته بأن العمودين تحولا إلى نخلتين، لازالت إحداهما أمام باب الضريح شاهدة على كراماته. وإذا كانت رواية النخلتين ثابتة لدى السليمانيين، ومؤرخة لديهم، فإن بعضهم يحكي رواية ثانية، غير رسمية، يوضح فيها كيف أمر السلطان مولاي إسماعيل ببناء ضريح الولي الصالح، وجعله وليا من أولياء الله سنة 1132 هجرية الموافق ل1719 ميلادية. وتختزل الرواية في كون السلطان مولاي إسماعيل وأثناء جولاته التفقدية للبلاد، عرج بجيوشه على منطقة الزيايدة، حيث استقر بها لعدة أيام، مستغلا مناطقها الغابوية التي كانت جد كثيفة من أجل الصيد والتجوال. وأنه صادف داخل الغابة ديكا، وبعضهم يؤكد أن أحدا من جنوده هو الذي اصطاد الديك، وأهداه إلى الملك. موضحين أن السلطان الذي تناول الديك عند العشاء، ما إن ولج سرير النوم، حتى بدأ يسمع صياح الديك في بطنه. فعلم أن المكان مبارك وبه ولي من أولياء الله، فأمر جنوده بالبحث عن الولي الصالح، وبعد العثور على قبره أمر ببناء ضريحه، وعين أحمد السبتي أحد حفدته مقدما على الضريح بظهير شريف. وحدد لحفدة الولي الصالح أرضا شاسعة محبسة على مساحة ناهزت 5000 هكتار، يتوارثها الذكور منهم فقط، كما أمر بتنظيم موسم سنوي، صيف كل سنة، يكون بمثابة موسم حج إلى الضريح من أجل التبرك. وقد تم تجديده في عهد الملك الراحل الحسن الثاني على يد أبناء سيدي العربي بن المكي السليماني، أحد حفدة الولي الصالح سنة 1409 هجرية، الموافق لسنة 1989 ميلادية. وهي الأرض التي تقلصت مع دخول الاستعمار الفرنسي واستيلائه على أجزاء كبيرة منها، عادت بعدها إلى الأملاك المخزنية لتصبح المساحة الإجمالية للأرض المحبسة 939 هكتارا فقط ينتفع منها أقلية من السليمانيين. السياسة والنفوذ من قلب ضريح الولي الصالح ظل ضريح الولي الصالح سيدي امحمد ابن سليمان منذ قرون خلت، رمزا لمنطقة الزيايدة وملجأ للتبرك والتقرب من الولي الصالح ومكانا للاتصال المباشر بخالق الكون، وطلب الغيث والعون منه، وتوسعت رقعة كراماته، لينضاف إلى نفوذه الروحي المترسخ في ذهن السليمانيين، نفوذه السياسي والاجتماعي، بعد أن تقرر إعطاء اسمه للمدينة الخضراء، ومحو اسمي (كانبولو) نسبة للحاكم الفرنسي (بولو) الذي حكم المنطقة إبان الاستعمار، واسم (القشلة) الذي فرضته الثكنات والحاميات العسكرية التي أحدثت بعد استقلال المغرب. وتحول الضريح في بداية الثمانينيات إلى برلمان المنطقة بعد أن قررت زوجة إدريس البصري القوي حينها، الإشراف على الضريح، ووضع اليد رفقة بعض من أقاربها على معظم أراضيه المحبسة التي لا تباع ولا تشترى. وفي الوقت الذي قبل فيه بعض السليمانيين بالمقابل البخس الذي كانوا ينالونه مقابل التخلي عن أراضيهم، والذي كان يصرف على شكل مساعدات مالية أو معنوية أو على شكل مأذونيات، انتفض البعض الآخر مطالبا بعودة الشرعية للسليمانيين، لتشتعل شرارات السياسة والنفوذ من قلب الضريح، وتنتقل إلى مدينة ابن سليمان، وتبدأ رحلة المنافسة على كراسي البرلمان والبلدية، التي انتهت بعد وفاة إدريس البصري. لكن تأثيرها المالي والمعنوي لازال يفرز معاناة العديد من السليمانيين. زيارة غامضة لبنازير بوتو ظلت الزيارة التي قامت بها بنازير بوتو سنة 1994 غامضة، فالمرأة الشيعية الحديدية التي كانت حينها رئيسة وزراء دولة باكستان، حلت بالمغرب من أجل حضور مؤتمر إسلامي، فإذا بها تعرج على ابن سليمان لزيارة الولي الصالح سيد امحمد ابن سليمان، رفقة وفدها الرسمي، حضور شخصيات وازنة وطنيا ودوليا لم تكن حينها مفاجئة بالنسبة للسليمانيين، الذين كانوا مدعمين بسلطة وقوة صهرهم الوزير السابق إدريس البصري، ونفوذ زوجته حينها، لكن أن تكون الزيارة من رئيسة وزراء دولة إسلامية كبيرة، وأن تأتي لممارسة طقوس التبرك بالولي الصالح، وأن تبادر إلى وضع مبلغ مالي داخل صندوق الضريح، والذي أكدت مصادر أنه تمت سرقته فيما بعد، فإن الأمر ظل محيرا لبعضهم، واتضح جليا لآخرين بعد أن ثبت أن بوتو السياسية والمثقفة كانت مدمنة على زيارة (السادات وأضرحة أولياء الله) أينما حلت وارتحلت. بنازير ذو الفقار علي بوتو الشيعية من مواليد سنة 1953، التي ولجت عالم السياسة للدفاع عن سمعة والدها الذي كان رئيسا لدولة باكستان، وأعدم بعد عامين من انقلاب الجنرال ضياء الحق، أصبحت أول وأصغر رئيسة وزراء لدولة إسلامية في العصر الحديث عن سن (35 سنة)، قبل أن يتم إسقاط حكومتها مرتين، ويتم اغتيالها يوم الخميس الموافق 27 ديسمبر 2007 في روالبندي.