ما أصبح يعرف عندنا بحركة 20 فبراير هي تجربة جديدة تؤشر على ميلاد ديناميكية متميزة، لها ما بعدها، أي لم تولد لتتوقف. فمن رد الفعل الفردي إزاء الظواهر، انتقل الفيسبوكيون إلى العمل في شبكة. وبالانتقال إلى العمل في حظيرة شبكة لا يفقد الفرد فرديته، ولكنه يتخلى عن مزايا انعزاليته. والعمل بواسطة الشبكة يعلم البحث عن قواسم مشتركة، يتم اكتشافها من خلال المناقشة وتبادل الارتسامات. والعمل في الشبكة عمل تعددي بامتياز. كل واحد يحتفظ بأفكاره، ولا يفرط في استقلاليته. لكن لا تستبعد الرغبة في المحاكاة. كان التونسيون هم أصحاب المبادرة وقد نجحوا، كما قال هيكل في بيان ما لا يريدون. ولكن في ميدان التحرير ظهر أن التحرك، والمسلسل الذي نتج عنه، هو من فعل معلوماتيين متضلعين، وليس مجرد مؤبجدين بالكاد. ولهذا يجب النظر إلى ما حدث يوم 20 فبراير بشيء من الجدية. إنه قطعا تعبير عن فشل المراهنة على أن الحداثة هي نظارات جون لينون، ولبس القبعة معكوسة، وإهمال الهندام. أي ليست الهيبيزم المجدد. تصورت الأجهزة، وهي وراء ظواهر وطقوس نشأت عندنا في العشرية الماضية، أن الشباب قد دخل لعبة الهيب هوب والتيكنو، وأن جيل العهد الجديد قد استطاب ما قدمته له المهرجانات التي انفق عليها بسخاء. ولكن الأغنية الشبابية تفاعلت مع ما يغلي في المجتمع، بما في ذلك السياسة . وظهر الآن أن شباب 20 فبراير قد عانق السياسة بأسلوبه، وخرج إلى الشارع يطلب دستورا ديموقراطيا، ويندد بانعدام الشفافية و يريد المساءلة. وينشد أن يصل إلى نتائج ملموسة. وتعلم من تونس ومصر أن المثابرة تؤدي إلى النتيجة. الشبكة تلقن درسا قديما تعلمناه في الابتدائي وهو أن الأسهم وهي مجتمعة لا تتكسر بسهولة. ولقنت شيئا آخر وهو أن التحرك في الشبكة، يجلب تضامنا فوريا من الخارج يلزم السلطة المحلية بتجنب إذاية الشبكة حين تنتقل إلى الشارع. إن الانخراط في الشبكة هو العيش في المدينة، بصيغة راقية، في ظل مواطنة ناضجة، تحترم إلى حد القداسة قانون السير. ولكي يتعايش الفيسبوكي مع أقرانه عليه أن يدرك مقتضيات قاعدة احترام الغير، وهذه القاعدة هي وحدها الضامنة لانتظام المسيرة، إضافة إلى الانتباه إلى الحفر الموجودة في الطريق. الشبكة تعلم ترتيب جدول الأعمال بكيفية ناجعة. وفي الطليعة انتقاء كلمات معبرة عن المطلب الرئيسي. وبذلك تتحقق نجاعة العمل الجماعي. كلمة السر الآن هي دستور ديموقراطي، وهذا يعني مؤسسات حقيقية وفاعلة. ولا يوجد أوضح من هذا. ومن الواضح أنه لم يكن الفيسبوكيون وحدهم في الشارع. كانت هناك فصائل إيديولوجية وحزبية. ولابد من القول إن الإيديولوجي منغلق، والحزبي طائفي، وفي هذا يختلفان عن الفيسبوكي. هاهو ذا إذن تعبير جديد عن ميلاد فصيل متميز في المجتمع المدني. قلت: مجتمع مدني...